سورية: تحرك أممي لإطلاق المسار السياسي يصطدم برفض النظام

18 مارس 2019
بيدرسون في دمشق أمس (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
في موازاة استمرار تصعيد النظام السوري شمال غربي البلاد، وتواصل الاشتباكات شرقها، حيث يلفظ تنظيم "داعش" أنفاسه الأخيرة في منطقة شرقي الفرات، بدأت الأمم المتحدة مساعي جديدة من أجل إعادة المعارضة السورية والنظام إلى طاولة المفاوضات، وخصوصاً عبر الدفع لتشكيل اللجنة الدستورية، غير أن تحرّك موفدها غير بيدرسون اصطدم بتعنّت النظام وتمسكه بموقفه حول الدستور، وذلك في وقت تحاول فيه المعارضة حشد دعم غربي لمواقفها لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة.

وبدأ المبعوث الأممي الجديد إلى سورية غير بيدرسون تحركاً جديداً من أجل إعادة الروح للعملية السياسية بين النظام والمعارضة، والمتوقفة منذ العام الماضي، مع انسداد الآفاق أمامها بسبب تعنّت النظام ورفضه تسهيل مهمة الأمم المتحدة في التوصل إلى حل سياسي قابل للصمود وفق قرارات الشرعية الدولية. وزار بيدرسون دمشق أمس، حيث التقى وزير خارجية النظام وليد المعلم، الذي جدد التشديد على موقف النظام بأن "الدستور وكل ما يتصل به هو شأن سيادي بحت يقرره السوريون أنفسهم من دون أي تدخّل خارجي، وذلك وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بسورية"، بحسب وكالة "سانا" التابعة للنظام. وأشارت الوكالة إلى أن المعلم أكد خلال اللقاء أن "العملية السياسية يجب أن تتم بقيادة وملكية سورية فقط"، وأن "الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده". ويؤكد كلام المعلم أن النظام مستمر في وضع عقبات أمام تشكيل اللجنة الدستورية، مع إصراره على حرْف اللجنة عن مقاصدها لوضع دستور على مقاسه يتيح لبشار الأسد البقاء في السلطة.

ومن المنتظر أن يتجه المبعوث الأممي إلى العاصمة السعودية الرياض للقاء وفد يمثل الهيئة العليا للتفاوض التي تتولى عملية التفاوض عن المعارضة السورية. وقال المتحدث الرسمي باسم الهيئة يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن "المبعوث الدولي حدّد خطة عمله، ومن بينها اللقاء مرة أخرى مع الطرفين المعنيين (النظام والمعارضة)، إضافة إلى الأطراف المتدخلة بالملف السوري"، لافتاً إلى أن "العملية السياسية مخرج للجميع، بما في ذلك روسيا وإيران، ولن يكون هناك أي انفراج في الوضع السوري إلا بانطلاق هذه العملية". وأشار العريضي إلى أن المبعوث الدولي "مرضي عنه من الجميع حتى اللحظة"، لافتاً إلى أن كل تصريحات المعنيين تشير إلى أن اللجنة الدستورية "خرجت من غرفة النار وتنتظر التبريد للاستخدام"، وفق تعبيره.

ويُفترض أن تتألف اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور سوري جديد، من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثّلها الهيئة العليا للتفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير من ممثلي المجتمع المدني السوري. ولكن عقدة هذه اللجنة لم تجد طريقها إلى الحل حتى اليوم، في ظل الصراع على الثلث الأخير، والذي قد يشكّل بيضة القبان المرجحة لقائمة المعارضة على النظام أو العكس. ومن الواضح أن المبعوث الأممي الجديد يحاول البناء على ما أسسه سلفه ستيفان دي ميستورا على هذا الصعيد، ويأمل أن يكون تشكيل اللجنة بداية لحل سياسي طال انتظاره، وهو يدفع بهذا الاتجاه من خلال جولات له يمكن أن تمهد الطريق لعودة التفاوض بين المعارضة السورية والنظام في مدينة جنيف السويسرية.

في الأثناء، تحاول المعارضة السورية حشد موقف أوروبي داعم لمواقفها، قبيل العودة إلى مفاوضات مع النظام، مُتوقَعة في الربيع المقبل. ويواصل وفد من الائتلاف الوطني السوري جولة في عواصم أوروبية، ومن المنتظر أن يزور اليوم الإثنين العاصمة الألمانية برلين، لـ"بحث تداعيات التصعيد العسكري الخطير الذي يقوم به نظام الأسد ضد المدنيين في إدلب، إضافة إلى سبل الدفع قدماً في العملية السياسية"، وفق مصدر إعلامي في الائتلاف. وأشار المصدر إلى أن وفد الائتلاف سيلتقي عدداً من المسؤولين في الحكومة الألمانية والكتل البرلمانية، على مدار يومي الإثنين والثلاثاء، مضيفاً: "الائتلاف الوطني ما زال يبحث الحلول مع حلفائه لوقف نظام الأسد عن ارتكاب الجرائم بحق المدنيين".

وأوضح رئيس الائتلاف الوطني، عبد الرحمن مصطفى، الذي يرأس الوفد، في تصريحات لـ"الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني"، أنه سيبحث ملف منطقة شمال شرق سورية، مشيراً إلى ضرورة التخلص من كافة التنظيمات الإرهابية، وتمكين الائتلاف من العمل على تشكيل مجالس محلية منتخبة من قبل الأهالي، بما يعيد الاستقرار في تلك المنطقة. ولفت إلى أن الائتلاف لديه خطة للعمل في الداخل، ونقل مقره إلى هناك في شهر إبريل/ نيسان المقبل، إضافة إلى إعادة هيكلة الحكومة السورية المؤقتة، وأن تحظى بالدعم مما يمكّنها من العمل على نطاق أوسع في إطار الحوكمة والإدارة المدنية في مجالات الخدمات والتعليم والصحة.


على الصعيد العسكري، لا تزال الاشتباكات متواصلة في الشرق السوري بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وبين عناصر تنظيم "داعش" المحاصرين في مزارع الباغوز بريف دير الزور الشرقي، آخر جيب للتنظيم شرقي نهر الفرات. وأكدت مصادر إعلامية أن قوات "قسد" تحقق تقدّماً وصفته بـ"البطيء"، بسبب حقول الألغام التي سوّر بها التنظيم جيبه الأخير، إضافة إلى قيام انتحاريين من التنظيم بمهاجمة قوات "قسد" بالأحزمة الناسفة. وتقدّر مصادر عدد مسلحي التنظيم الباقين في الباغوز بنحو 500 عنصر، جلّهم من الأجانب، مشيرة إلى أنهم تراجعوا إلى أطراف نهر الفرات بالقرب من الحدود السورية-العراقية، جراء القصف الجوي والمدفعي العنيف من التحالف الدولي. وقالت "قسد" أمس إن ما يربو على 60 ألفاً معظمهم مدنيون فروا من الباغوز منذ بدء الهجوم النهائي للسيطرة على المنطقة قبل أكثر من شهرين.

وفي شمال غربي البلاد، تواصل قوات النظام التصعيد في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، حيث قصفت أمس الأحد بالصواريخ محيط بلدة مورك في ريف حماة الشمالي ضمن المنطقة منزوعة السلاح، وذلك إثر قصف مدفعي استهدف قرى الكركات وكورة وشهرناز والجابرية في جبل شحشبو.

في غضون ذلك، أكدت مصادر إعلامية معارضة أن الجيش التركي يعتزم تسيير دوريات عسكرية بشكل منتظم خلال الأيام المقبلة، في المنطقة المنزوعة السلاح التي أقيمت بموجب اتفاق سوتشي، مشيرة إلى أن الدورية الأولى تدخل من خربة الجوز مروراً بجسر الشغور وقلعة المضيق إلى ريف حماة الغربي والشمالي وصولاً إلى ريف معرة النعمان الشرقي، وهي نقطة الالتقاء مع الدورية الثانية التي ستدخل من معبر كفر لوسين إلى ريف حلب الغربي ثم الجنوبي وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي. وأشارت المصادر إلى أنه في المقابل ستكون هناك دوريات روسية تتجوّل في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات النظام وستأخذ نفس دور الدوريات التركية بمراقبة المناطق المتفق عليها أن تكون منزوعة السلاح.

وعلى صعيد ذي صلة، قالت مصادر محلية إن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) بدأت أمس الأحد حملة أمنية جديدة في مدينة إدلب ومحيطها بحثاً عن فارين من سجن إدلب المركزي إثر الضربات الجوية عليه منذ أيام، خصوصاً أفراد تنظيم "داعش". وفي هذا الإطار، فرضت الهيئة حظراً للتجوال في بلدة سرمين، فيما عمدت إلى إغلاق عدة طرقات في المنطقة، منها طريق إدلب-أريحا، وكفرنجد-فيلون شمال أريحا، وطريق أريحا-سراقب، ومنعت الدخول والخروج إلى مدينة إدلب إلا للحالات الإسعافية.