حسابات روسيا تكبح النظام والمليشيات الإيرانية مؤقتاً في درعا

17 مايو 2020
يدفع المدنيون ثمن أي تصعيد (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -
حال الجانب الروسي خلال الساعات الماضية دون انتقال التصعيد العسكري من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية إلى صدامٍ مفتوح على كلّ الاحتمالات مع فصائل تابعة للمعارضة السورية لا تزال موجودة في جنوب سورية، وفق اتفاق التسوية الذي أبرم منتصف العام 2018، برعاية مباشرة من وزارة الدفاع الروسية. وكانت قوات النظام السوري استقدمت في الآونة الأخيرة تعزيزات ضخمة إلى ريف محافظة درعا، في خطوةٍ بدا أنها تمهد للقيام بعمل عسكري واسع النطاق لإخضاع الجنوب السوري، لكن يبدو أن حسابات الجانب الروسي باتت مختلفة عن حسابات النظام والإيرانيين في هذه المنطقة.

ووفق "تجمع أحرار حوران"، فإن قائد القوات الروسية في الجنوب السوري أكد أول من أمس الجمعة في اجتماع مع "اللجان المركزية" في درعا، عقد في بلدة إزرع في ريف المحافظة الشمالي، أن "الجانب الروسي يعمل بشكل جدي ومكثف لمنع وقوع أي حوادث أو عمليات عسكرية في المنطقة"، مشيراً إلى أن قوات النظام ليست بصدد اقتحام المحافظة. وفي بيان لها عقب الاجتماع، أشارت "اللجان المركزية" إلى أنه تمخض عن اتفاق على "تسيير دوريات للشرطة العسكرية الروسية في عموم محافظة درعا، وخصوصاً المنطقة الغربية، وبشكل مكثف، وذلك لرصد وتحجيم انتشار تلك القوات، وكذلك العمل على إخلاء المنازل والمزارع التي تمركزت فيها القوات العسكرية، من خلال تزويد الشرطة العسكرية الروسية بأسماء ممتلكيها"، وفق البيان.
وأشارت اللجان إلى أنه "سيتم التنسيق من أجل زيارة وفد روسي إلى المنطقة للقاء أفراد المجتمع المحلي والفعاليات هناك، إضافة إلى افتتاح مركز مصالحة في مدينة درعا يضم مكتباً لتلقي الشكاوى من عموم الناس والعمل على حلها".

وفي ما يخص المعتقلين في سجون النظام على مدى سنوات الثورة، وهو أهم مطالب الأهالي في محافظة درعا، قالت "اللجان المركزية" إن "الجانب الروسي أوضح استمرار العمل لإخراج عدد كبير من المعتقلين، ولا سيما الذين تم توقيفهم بعد التسويات، وكذلك تجديد صلاحية بطاقة التسوية وتعميمها على كافة الجهات الأمنية لوقف الملاحقات الأمنية والاعتقالات، وإيقاف أحكام الإعدام، وتحسين الخدمات المدنية في الجنوب"، وفق ما جاء في البيان.

من جهتها، أكّدت مؤسسة "نبأ" الإعلامية المحلية أن قوات النظام تراجعت مؤقتاً عن محاولتها اقتحام درعا البلد وبلدات في ريفها الغربي، عقب اجتماع بلدة إزرع، وجمع الروس مع أعضاء "اللجنة المركزية" للتفاوض في درعا.


وحاولت قوات النظام عرقلة الاتفاق، أمس السبت، من خلال قصفٍ محدود على بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي، وفق مصادر محلية. وذكر متحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أنّ قوات النظام المتمركزة على حاجز السرو قصفت محيط بلدة اليادودة غربي درعا بقذيفتي دبابة. وأوضح أن قوات النظام حاولت استهداف جرافة صغيرة كانت تعمل على إزالة أكوام القمامة على أطراف البلدة، مشيراً إلى أنّ القذائف أصابت منازل المدنيين، لكن من دون وقوع خسائر بشرية.

وكانت قوات النظام قد استقدمت تعزيزات ضخمة إلى الجنوب السوري، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، مستغلة مقتل عدد من قوات النظام في بلدة المزيريب، في حادث اعتبرته المعارضة السورية جنائياً بحتاً تمّ بدافع انتقامي فردي، لكن أرادت قوات النظام توظيفه كذريعة للسيطرة على كامل المحافظة في تجاوز لاتفاق التسوية. ووفق مصادر محلية، فإن قوات النظام استقدمت تعزيزات من "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، انتشرت في ريفي درعا الشرقي والغربي، ومن "الفرقة التاسعة" انتشرت في تل الخضر وحاجز التابلين ومنشأة تميم بدر في محيط اليادودة. وبيّنت المصادر أن أغلب المليشيات التي زُج بها في المحافظة تابعة أو مدعومة من الجانب الإيراني، لافتة إلى أن ضباطاً يتبعون ماهر الأسد يقودون هذه التعزيزات. وذكرت مصادر محلية أن قوات النظام والمليشيات الإيرانيّة المساندة لها طردت بقوة السلاح المدنيين من منازلهم في حي الضاحية على مدخل مدينة درعا الغربي، خلال الأيام الماضية، بعد وصول الحشود العسكرية للتمركز في المنطقة، مشيرة إلى أن هذه القوات اتخذت من المدارس والأبنية القريبة من المقرات الحكومية في الأحياء المدنيّة، مقرات عسكريّة.

وتحاول فصائل المعارضة السورية تجنّب الصدام العسكري مع النظام لإدراكها أن المدنيين يدفعون فواتير أي معركة ربما تفجّر الأوضاع في جنوب سورية كله. وفي هذا الصدد، قال القيادي في فصائل المعارضة السورية في درعا، أدهم الكرّاد، في منشور على موقع فيسبوك، إن الفصائل "تستطيع اليوم طرق كل الأبواب لوقف الحرب ولدينا متسع من الوقت، لكن إذا اندلعت لا نعلم متى ستنتهي".

ومن الواضح أن الجانب الروسي لا يريد معركة جديدة في الجنوب السوري ليست بعيدة عن الحدود السورية مع فلسطين المحتلة والأردن، ربما تفضي إلى اتساع النفوذ الإيراني في محافظتي درعا والقنيطرة، وهو ما ترفضه تل أبيب وعمّان بالمطلق. ويعد التمدد الإيراني في محافظة درعا سبباً رئيسياً لعدم الاستقرار في جنوب سورية، إضافة إلى عدم التزام النظام ببنود اتفاق التسوية المبرم عام 2018. ووفق تجمع "أحرار حوران"، اعتقل النظام حوالي ألف شخص من محافظة درعا منذ توقيع الاتفاق، قتل منهم 25 تحت التعذيب، إضافة إلى اعتقال مئات الشبان وزجّهم في جبهات القتال في الشمال السوري، وهذا ما يعارض الاتفاق المبرم مع روسيا.

وأشارت مصادر محلية في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الثقة تكاد تكون معدومة بالجانب الروسي الذي لم يلتزم بمسؤولياته كضامن للاتفاق"، مضيفة أن "اتفاق يوم الجمعة مع اللجان المركزية ربما يؤجل المواجهة. النظام مصرّ على تجاهل مطالب المحافظة وخصوصاً لجهة معرفة مصير المعتقلين، وإخراج المليشيات الإيرانية من المنطقة، وهو ما يبقي التوتر سيداً للموقف في الجنوب السوري".

من جهته، أعلن الائتلاف الوطني للقوى الثورة والمعارضة السورية وقوفه إلى جانب أهالي درعا في مواجهة قوات النظام، محذراً المجتمع الدولي من مخاطر قيام النظام باستغلال الظروف الدولية من "أجل تنفيذ حملة جديدة من الإجرام والإفساد في الجنوب السوري". وأضاف الائتلاف، في بيان أول من أمس، أنّ التظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء حوران عبّرت عن مطالب أهلها، وعن رفضهم التهديد والتحشيد العسكري وأي وجود للمليشيات الإيرانية في المنطقة. ورفض البيان "جميع ذرائع النظام للتصعيد، فهو أول من زرع الفوضى والتدمير والاعتقال والتهجير وخرق الاتفاقات". وأعرب "عن ثقته بحكمة وجهاء درعا وفعالياتها المدنية"، مؤكداً وقوفه "إلى جانبهم في ما يرونه ويقررونه"، مع التحذير من "أساليب النظام في خرق التفاهمات في كل فرصة".

​