في الأثناء، لا يزال ريف إدلب الجنوبي عرضة لقصف جوي من الطيران الحربي التابع للنظام الذي استهدف بالصواريخ الفراغية بلدتي جرجناز والتح. كما شنّت طائرات روسية غارات على مناطق التمانعة وترعي ومعرة حرمة، وعلى مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي. كذلك، ذكرت مصادر محلية أنّ طائرة حربية من طراز "سوخوي 24" تابعة لقوات النظام، قصفت بصواريخ شديدة الانفجار، بلدة البشيرية بريف إدلب الغربي، مما أدى إلى مقتل طفل وإصابة أكثر من خمسة آخرين بجروح متفاوتة.
من جهتها، قالت شبكة "إباء الإخبارية"، المقربة من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، إنّ مجموعة كاملة من قوات النظام قتلت خلال الاشتباكات على محور تل ترعي أمس الأربعاء، إثر استهداف تجمعاتها بالقذائف الصاروخية. بدورها، أكّدت الفصائل المقاتلة في إدلب مواصلة الاستنفار على الجبهات، بعد تقدّم قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي. وأصدرت "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضمّ فصائل المعارضة في محافظة إدلب، بياناً أمس، قالت فيه إنّ "المعركة لم تحسم، والحرب طويلة جداً، ونحن مستعدون لها". كما أصدرت غرفة "علميات الفتح المبين" التي تضم "الجبهة الوطنية للتحرير" و"هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى "جيش العزة، بياناً أكدت فيه أنّ الفصائل لا يؤثر عليها فقدان منطقة أو التراجع عنها.
يأتي ذلك في وقت ما زال فيه الغموض يكتنف الوضع في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي ومدن وبلدات ريف حماة الشمالي التي لم تدخلها قوات النظام حتى الآن، وسط أنباء عن مفاوضات تجري بين الضامنين التركي والروسي للبتّ في مصير هذه المناطق والتوصّل إلى تفاهمات جديدة في المنطقة، في ظلّ إصرار تركي على عدم مغادرة محيط محافظة إدلب والتسليم بخارطة السيطرة الجديدة التي تعني تراجع فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة.
وقالت تسريبات حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في إدلب، إنّ التوجه في هذه المفاوضات هو نحو الإبقاء على نقطة المراقبة التركية في مورك، مع إقامة نقطتي مراقبة جديدتين في شمالي خان شيخون وغربها، إضافة إلى انسحاب قوات النظام من المناطق التي تقدّمت إليها أخيراً باتجاه بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي.
وأضافت المصادر أنّه مقابل ذلك، يتم التفاوض على فتح طريق دمشق – حلب الدولي الذي يقع جزء منه ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة. وكان فتح هذا الطريق، إضافة إلى طريق حلب اللاذقية، من الأهداف الاستراتيجية لحملة النظام العسكرية الحالية التي بدأت قبل نحو 4 أشهر. وكان اتفاق سوتشي، المبرم بين تركيا وروسيا في سبتمبر/أيلول الماضي، نصّ على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة)".
وأفادت مصادر في المعارضة السورية في وقت سابق أمس، بأنّ تركيا تصرّ خلال المفاوضات مع الجانب الروسي، على فتح طريق إمداد إلى النقطة التركية في مورك من جهة الطريق الدولي "إم 5" الذي يمرّ من خان شيخون وتل النمر. ولفتت المصادر إلى أنّ مدن وبلدات ريف حماة الشمالي؛ كفرزيتا، اللطامنة، مورك، الصياد، لطمين، لحايا، البويضة، معركبة، إضافة إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، هي خالية من الوجود العسكري من الطرفين، حيث لم تدخلها قوات النظام السوري بعد انسحاب الفصائل منها، مشيرةً إلى وجود حشود لقوات النظام في قرى وبلدات الزلاقيات والمصاصنة والزكاة على جبهة اللطامنة.
وبالنسبة لخان شيخون، فإنّ قوات النظام والمليشيات المساندة لها تنتشر في حرش خان شيخون وحاجز الفقير وتلة النمر ووادي الفتح وتلة السيرياتيل ومحكمة موقة في الشمال الغربي للمدينة، من دون أن تدخل إلى وسطها.
وفي السياق، رفض قيادي بارز في فصائل المعارضة السورية تحدثت إليه "العربي الجديد" الإفصاح عما يجري في ريف حماة الشمالي، واكتفى بالقول: "ما يجري غامض بالنسبة للجميع"، فيما أكّد قيادي آخر في "الجيش السوري الحرّ" في ريف إدلب الجنوبي، فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني، لـ"العربي الجديد"، أنّ قوات النظام والمليشيات الطائفية "لم تدخل خان شيخون ومدن وبلدات ريف حماة الشمالي بعد".
وقال القيادي في "الجيش السوري الحر"، في حديث مع "العربي الجديد": إنّ "المفاوضات لن تتوقف على الإطلاق بين الجانبين الروسي والتركي حيال الأوضاع في شمال غربي سورية، خصوصاً بعد استهداف الرتل التركي منذ أيام في ريف إدلب الجنوبي". وأعرب عن اعتقاده بأنّ "تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي"، نافياً بالمطلق مقايضتها مناطق في شمال غربي سورية مقابل منطقة شرقي نهر الفرات. واعتبر أنّ "سقوط إدلب وجبل التركمان والمناطق السورية المحاذية لتركيا بيد بشار الأسد أخطر على الأمن القومي التركي من الخطر الكردي في شمال شرقي سورية". وتابع "سقوط شمال غربي سورية بيد الأسد يجعل الطريق مفتوحاً بين العصابات الطائفية في كلا البلدين، خصوصاً مجموعات ومليشيات معراج أورال (متزعم عصابة تركي يساند النظام السوري)، وبالتالي هذا الأمر يؤثر سلباً على سياسة تركيا وأمنها، ولذلك لن تسمح الأخيرة بسقوط إدلب والمناطق الحدودية معها".
واعترفت المعارضة السورية المسلحة بتراجعها في ريفي حماة وإدلب. وأوضح المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، النقيب ناجي المصطفى، أسباب انحياز فصائل المعارضة عن مناطق في هذين الريفين، نافياً ما أشيع عن تسليم تلك المناطق للنظام من دون قتال. وقال المصطفى في تصريح إعلامي، أول من أمس الثلاثاء، "نتيجة للهجمة المسعورة والقصف العنيف المستمر الذي تعرّضت له قرى وبلدات ريف حماة الشمالي، كان من الطبيعي جداً أن تقوم وحداتنا المقاتلة بتغيير مواقعها والتحيز عن بعض المواضع التي بات من العسير تأمين خطوط إمدادها، وإعادة الانتشار في مواضع أخرى تؤمن إمكانية الاستمرار في المقاومة". ونفى المصطفى ما يُشاع عن تخاذل من قبل فصائل المعارضة أو انسحاب وتسليم للمناطق، مشدداً على أنه "لم يغادر الثوار المقاتلون شبراً من الأرض إلا بعدما أذاقوا العدو فيه بأساً شديداً ونكلوا به تنكيلاً عظيماً"، وفق قوله. من جانبه، أعلن القائد العام لـ "حركة أحرار الشام"، جابر علي باشا، انحياز مقاتلي الفصائل عن مناطق في ريف إدلب الجنوبي بسبب الحملة العسكرية للنظام وروسيا.
في المقابل، قالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، إنّ قوات الأخير استكملت سيطرتها النارية على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، مشيرةً إلى أن فصائل المعارضة "تسلّلت من طرقاتها الترابية وبساتينها من آخر أحيائها الشمالية الشرقية، قبل أن يمدّ الجيش نفوذه إلى جزء من الطريق الدولي الذي يصلها بحماة وحلب".
ونقلت الصحيفة عن "مصدر ميداني" في قوات النظام تأكيده محاصرة مدن اللطامنة وكفر زيتا ومورك وبلدات لطمين ولحايا ومعركبة في ريف حماة الشمالي، زاعماً أنّ فصائل المعارضة السورية خرجت من هذه المدن والبلدات باتجاه ريف إدلب الجنوبي شمال مدينة معرة النعمان. كما زعمت الصحيفة أنّ أنقرة تفاوض موسكو على سحب نقطة مراقبة مورك، لإنشاء نقطة أو نقطتي مراقبة بديلتين شمال خان شيخون، مرجحةً رفض الاقتراح التركي من موسكو ودمشق.