الحراك الأردني لعرقلة نقل السفارة الأميركية: تأثير ضمن المتاح

09 فبراير 2017
ملك الأردن خلال زيارته الكونغرس الأميركي أخيراً (صاموئيل كوروم/الأناضول)
+ الخط -
تشكل قضية نقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل إلى القدس المحتلة، مصدر قلق وتوتر كبيرين للعاهل الأردني عبد الله الثاني. جميع من التقى الملك خلال الأسابيع الماضية، قبل زيارته الأخيرة إلى واشنطن وبعدها، يتلمس ذلك. حتى إن الكاتب الصحافي عمر كلاب أجاب على استفسار "العربي الجديد" حول مدى جدية الملك في التعامل مع الملف، بالقول إن "كلمة جدية قاصرة عن توصيف الأمر". يقول كلاب، الذي حضر يوم الاثنين لقاءً جمع الملك بكتاب وصحافيين، إن "مؤشرات اللقاء تبين أن الملك يخوض معركة في ملف نقل السفارة"، ويلفت إلى أنه "يخوض المعركة بشكل انتحاري". مبعث قلق الملك يتمثل بحماس الإدارة الأميركية الجديدة لنقل السفارة تنفيذاً لوعود قطعها الرئيس دونالد ترامب، والتي تتعدى حسب مراقبين الوعود الانتخابية، لتتسق والعقيدة السياسية التي يحملها رئيس الولايات المتحدة الجديد وإدارته، والتي لا تتوقف عند نقل السفارة بل تبدي تقبلاً كبيراً لمشاريع الاستيطان الإسرائيلي.

وقد حازت قضية نقل السفارة والاستيطان على نقاش موسع على طاولة لقاءات الملك مع السياسيين والصحافيين الأردنيين. بعض من شاركوا في اللقاءات تحدثوا عن المساحة الكبيرة التي منحت لمناقشة القضيتين على حساب العديد من القضايا التي طرحت. وينقلون أن الملك كان يسهب في الحديث عن القضيتين، ويذهب للحديث في تفاصيل التفاصيل، وأنه يراوح بين مشاعر الطمأنينة المشوبة بالحذر، والقلق الذي يعلّقه على انتظار نتائج اللقاء المرتقبة بين ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.


وكانت الدبلوماسية الأردنية قد نجحت خلال الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها الملك إلى واشنطن بعد تنصيب الرئيس الأميركي في تأمين لقاء بينه وبين ترامب، ليكون بذلك أول رئيس دولة عربي يلتقي الرئيس الأميركي الجديد. لكن ما هو أكثر أهمية من هذه الأسبقية، كما تشير مصادر أردنية، هو أن اللقاء سبق اجتماعاً مرتقباً بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مكّن الأردن من عرض وجهة نظره تجاه قضيتين حساستين من وزن نقل السفارة والاستيطان الإسرائيلي.

قبل لقاء عبد الله الثاني-ترامب، عقد العاهل الأردني خلال زيارته، التي ابتدأها نهاية الشهر الماضي واختتمت في الثاني من فبراير/شباط الحالي، لقاءات مكثّفة مع أركان إدارة ترامب، ورؤساء وأعضاء لجان في الكونغرس. وفي جميع هذه اللقاءات أعاد التحذير من خطورة قرار نقل السفارة، وآثاره الكارثية على تقويض فرص السلام في المنطقة، بل ضمّن الملك القضية في لغة قريبة من العقلية الأميركية، حين حذر أن القرار "سيغذي اليأس والغضب لدى الشعوب العربية والإسلامية، وسيمكّن المتطرفين من نشر أفكارهم وأجنداتهم الظلامية".

وإن لم تصدر عن الإدارة الأميركية إشارات تفيد بتغير ملموس في موقفها من نقل السفارة، على الرغم من حديثها عن عدم حسم الأمر، رأى الإعلام الأميركي في تصريح ترامب حول الاستيطان بعد لقائه الملك تحولاً مهماً، حتى أن صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى تأثير العاهل الأردني، الأمر الذي تناقلته وسائل الإعلام الأردنية على نحو واسع. لكن رئيس الديوان الملكي الأسبق، عدنان أبو عودة، يقلل من قيمة التحول، إذ يقول لـ"العربي الجديد" إن التصريح الذي بني عليه التحليل يحتمل تفسيرات كثيرة. وكان البيت الأبيض قد نقل عن ترامب قوله "إن بناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو توسعة القائم منها قد لا يكون عاملاً مساعداً، لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي". يرى أبو عودة أن "التصريح أقرب إلى دبلوماسية المجاملة منه إلى تغير في الموقف... فقد لا يكون عاملاً مساعداً وقد يرون لاحقاً أنه عامل مساعد". ويشير إلى أن أي موقف لا يتطرق لشرعية المستوطنات من عدمها لن يكون حازماً. كما يلفت إلى أهمية ملف القدس بالنسبة للسياسة الأردنية، ومستقبل عملية السلام التي يتأثر الأردن فيها بشكل مباشر بحكم الجوار والتداخل البشري وارتباطه بملفات الحل النهائي. وحول قدرة الأردن على التأثير في السياسية الأميركية، يقول أبو عودة "لدينا مقاوم معين لدى أميركا (مكانة ضمن حدود)، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية إذا أحسنا التعامل معه".

يشار إلى أن معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية الموقعة في عام 1994 تضمن ولاية للأردن على إدارة شؤون الأماكن المقدسة الإسلامية في مدينة القدس، في وقت تخضع المدينة للسيادة الفلسطينية، لكن جرى العرف أن يضطلع الأردن بالدفاع عن المدينة في المحافل الدولية، بالتوافق مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي السياق، تكشف مصادر سياسية أن الملك ناقش مع سياسيين أردنيين العديد من الأفكار حول قضية نقل السفارة قبل زيارته أميركا، وطُرحت من قبل مستشارين أردنيين أفكار على غرار نقل السفارة إلى القدس الغربية، وأثر ذلك في تحييد القدس الشرقية كعاصمة منتظرة للدولة الفلسطينية من القرار الأميركي، لكن المصادر تشير إلى أن جميع الأفكار التي طرحت لم يحملها الملك معه إلى واشنطن انسجاماً مع الهدف الأردني الرامي إلى تعطيل القرار بشكل نهائي.

ولا تبتعد أفكار نقل السفارة الأميركية إلى القدس الغربية، عن أفكار تطرح في أروقة صناعة القرار الأميركي من قبل مستشارين صهاينة، ولا تقتصر الأفكار على خيار القدس الغربية، بل تطرح في سبيل الإسراع في تنفيذ القرار الأميركي بافتتاح مكتب دائم للسفارة الأميركية في القدس مع الحفاظ على سفارتها في تل أبيب، أو تقسيم أيام دوام السفارة بين القدس وتل أبيب.
وأصدر الكونغرس الأميركي عام 2000 قراره بنقل السفارة، لكن الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الابن، أجّل تنفيذه، التزاماً بسياسة الحفاظ على الوضع الراهن، وهو القرار الذي أجّل تنفيذه أيضاً الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.