خصصت صحيفة "وول ستريت جورنال" سيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تناولت أبرز العوامل التي ساهمت في بناء شخصيته، انطلاقاً من أيامه الأولى حتى أصبح الحاكم الفعلي للرياض، مع ما صاحب ذلك من انتقادات بكونه شخصاً عديم الشفقة غير مكترث لما قد يرتكبه من تجاوزات.
وقالت الصحيفة إن "قادة المملكة العربية السعودية دأبوا على الابتعاد عن الأضواء، بيد أنه على امتداد السنوات الأخيرة، أصبح ولي العهد، محمد بن سلمان، أحد أكثر الأشخاص إثارة للجدل، وواحدا ممن يتابع العالم أي تصرف يقدم عليه".
وأضافت أن "الأشخاص المعجبين به، بما في ذلك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يرون فيه شريكا ذا كاريزما مصمما على احتواء إيران وعصرنة المجتمع السعودي المنغلق والمحافظ". في المقابل تنقل الصحيفة "لا يخفي نقاده تبرمهم من كونه حاكما متسلطا يتعاظم نفوذه ويقود سياسة خارجية عديمة الشفقة"، موردة في هذا الصدد ما توصلت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" بكونه أصدر الأوامر شخصيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بتصفية الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وقالت "وول ستريت جورنال" في مقال أعدته كارين إليوت هاوس، إن ولي العهد يظل شخصا غامضا، رغم كل الاهتمام الذي يحظى به والشهرة التي يمتلكها، موردة أن العالم لا يعرف الكثير عن نشأته وصعوده إلى الحكم. وكتبت في هذا الصدد: "في سن الثالثة والثلاثين، يمتلك طاقة لا هوادة فيها، وهي أحد الأمور النادرة داخل مجتمع المملكة السعودية المائل إلى الخمول، ولديه أيضا ثقة بالنفس تصل إلى حد الفجاجة، وهو ما يقوده إلى التهور بشكل كبير".
وعن نشأته، التي لا يُعرف عنها الكثير، قالت الصحيفة إن بن سلمان واحد من مئات الأحفاد للملك الراحل عبد العزيز، الذي أسس عام 1932 المملكة العربية السعودية كما تعرف اليوم، مضيفة أن ولي العهد، ومنذ أيام طفولته كان يُقال له إنه يشبه جده الذي كانت سنّه لا تتجاوز السابعة والعشرين حينما استولى على الرياض في 1902. ونقلت أيضا أن ولي العهد يقال إنه درس عن كثب شخصية جده أملا منه في التمكن من أن يحظى بالمزيج نفسه من الجاذبية والدهاء والحكمة.
وفيما ذكرت "وول ستريت جورنال" أن أغلب المصادر تشير إلى أن بن سلمان كان مدللا في طفولته، أوضحت أنه في شبابه كان يحس بأنه يتم تجاهله مقابل الحظوة التي كانت عند أقاربه من الأمراء. لكنها أوضحت أن ما سيقلب الأمور رأسا على عقب جاء بعد وفاة أخويين غير شقيقين يكبرانه. وأوضحت الصحيفة أنه حينما حدث ذلك كان "الكثير من أبناء سلمان الكبار منشغلين بأمور تكوين أسرهم"، على حد تعبير أحد الأمراء في القصر، مضيفة أن "محمد كان يداوم على الجلوس مع والده المفجوع بوفاة ابنيه، وكان ذلك بداية مشوار صعوده".
وقالت الصحيفة إن بن سلمان، ومن خلال تقليد والده، الذي كان مكلفا بـ"التأديب" داخل العائلة الحاكمة، ولجم أي تصرفات غير لائقة تبدر من الأمراء السعوديين، استطاع أن يعرف عن التجاوزات التي ارتكبها الأمراء، وكذا كيفية التعامل مع قادة القبائل المتصارعين في ما بينهم وأيضا من يتوسلون السعودية من الخارج. وكتبت في هذا الصدد: "لقد استخدم هذه الخبرة النادرة لكي يسيطر على أقاربه ولتطويع القوى الدينية والقبلية".
ونقلت "وول ستريت جورنال" أن بن سلمان حينما تولى مهامه داخل السلطة، سرعان ما اصطدم مع عمه، الملك عبد الله، الذي كان بن سلمان يحسده على ثروته الطائلة، في وقت كان فيه والده، الأمير سلمان، مضطراً إلى بيع أراضٍ لمواجهة تكاليف عيش أسرته الباهظة على حد تعبير الصحيفة.
وقالت الصحيفة إن الأمر وصل إلى تحذير وجهه الملك عبد الله للأمير سلمان "للسيطرة على ولده"، لكن بن سلمان اختار بدل ذلك فعل أي شيء سيمكّنه من أن يحظى بثقة الملك. وذكرت في هذا الصدد، أن الملك عبد الله حاول، وبكل لطف، لكن من دون جدوى، إقناع زوجة الملك الراحل فهد، بإخلاء القصر الذي تقيم فيه. ومن أجل نيل إعجاب الملك، تكتب الصحيفة، "قام بن سلمان بالتوجه إلى القصر، وأشار إلى حافلة مليئة بالخادمات، وقال لأرملة فهد إنهن سيساعدنها في جمع أغراضها. وأضاف أنه عند منتصف الليل ستتوقف كلّ الخدمات في القصر". وأضافت الصحيفة أن الأرملة اضطرت إلى قبول الرحيل، وبدأ من حينها ولي العهد يقول لمساعديه "الملك قرر الاستعانة بخدماتي".
الانقلاب على بن نايف
وعن الصعود السريع لبن سلمان إلى الحكم في السعودية، قالت الصحيفة إن ذلك ترافق مع وفاة أخويه الأكبر منه، ليتم تصعيده، ليصبح أولا وزيرا للدفاع، وبعد ذلك، وليا للعهد، إثر وفاة الملك عبد الله، وتولي شقيقه سلمان الحكم في سن الثمانين.
وقالت الصحيفة إن بن سلمان صعد في كل خطوة مع والده، "فحينما كانت البلاد في حداد رسمي إثر وفاة عبد الله، قام محمد بجمع حفنة من المستشارين اختارهم بعناية لإعادة تشكيل الحكومة"، وفق ما أكده أحد المشاركين للصحيفة، مضيفة "أن خليطا من المجالس الذي كان قد فرّق السلطة وجعل اتخاذ القرار بطيئا، تم تعويضه بهيئتين، الأولى تتولى الإشراف على الاقتصاد، والأخرى على الأمن القومي". وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن بن سلمان استطاع بسط يده على الهيئتين، ما جعله يسيطر على السياسة السعودية.
وتنقل الصحيفة أنه بعد ذلك سرعان ما بدأت الأمور تسير وفق أهواء ولي العهد الحالي، موضحة أن أول قرارات الملك سلمان كانت عزل ولي عهده الذي عينه الملك الراحل عبدالله، خصيصا لمنع صعود محمد بن سلمان إلى الحكم. وأضافت أن الملك سلمان قفز مباشرة إلى الجيل الثاني من الأمراء، ليعين ابن أخيه، البالغ 55 عاما، محمد بن نايف، وليا للعهد، وتنصيب ابنه وليا لولي العهد في 2015.
بعد ذلك بسنتين، توضح الصحيفة، تم إرغام بن نايف على التنحي، ليصبح بن سلمان وليا للعهد، والحاكم القادم في حال وفاة الملك. وعن ذلك قال للصحيفة أحد رجال الأعمال المقربين من بن نايف وبن سلمان، إن الفترة القصيرة التي قضاها بن نايف وليا للعهد كانت خطوة ماكرة، بما أنها جعلت صعود بن سلمان، رغم صغر سنه، "أقل صدمة بالنسبة للسعوديين".