على الرغم من كلّ الوعود التي تقدمها الحكومة المصرية للأطباء بدعمهم في مواجهة وباء كورونا، إلا أن الاعتداء على أفراد الأطقم الطبية لا يتوقف، سواءً من قبل المواطنين أو النظام ذاته، ببيروقراطيته المعهودة أو عصاه الأمنية التي يستخدمها مع الجميع.
ويرصد "العربي الجديد" بعض صور التنكيل بالأطقم الطبية في العديد من المستشفيات بمختلف محافظات مصر، والتي تبدأ من الاعتداء البدني، مروراً بالتعنّت في منح الإجازات والنقل
التعسفي، ووصولاً إلى اعتقال الأطباء بسبب عملهم أو كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن وضع المنظومة الصحية في مصر.
اعتداء بدني وتنكيل
كانت آخر تلك الوقائع، ما روته الطبيبة والنقابية البارزة منى مينا، بشأن اعتداء مجموعة من المواطنين على الطبيب عبد الناصر محمد علي، في مستشفى القناطر بمحافظة القليوبية، بعد وفاة أحد أقاربهم بوباء كورونا في المستشفى. واعتدى المواطنون بدنياً على الطبيب محمد علي، وأحدثوا تلفيات عدة بالمستشفى، ثم حرروا محضراً كيدياً ضد الطبيب، في مقابل المحضر الذي حرّره بشأن واقعة الاعتداء عليه وعلى المستشفى. وبعد التحقيق مع الطبيب لما يقرب من 7 ساعات تم إخلاء سبيله، بعد التحقيق مع مدير المستشفى عمرو مصطفى، ونائبه سيّد النحاس.
ومن الاعتداء البدني والمحض كيدي على طبيب مستشفى القناطر، إلى واقعة تنكيل أخرى بثماني صيدلانيات في مستشفى العزل الصحي في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة. وروى عضو مجلس نقابة الأطباء، خالد سمير، تفاصيل الواقعة، بأن المستشفى يعمل بنظام "14 يوم عمل متواصل وإقامة بالمستشفى، ثم 14 يوم إجازة"، وأن صيدلية المستشفى تعمل فيها ثماني صيدلانيات يُقمن في سكن مجاور لعنابر المرضى، بلا غرفة خاصة لارتداء ملابس العزل، ومن دون عاملة تساعدهن على ارتداء وخلع ملابس الوقاية، فضلا عن نقص مستلزمات الوقاية، بالإضافة إلى عدم وجود حمّام مخصص لهن.
ثم تفاقم الوضع عند إصابة إحداهن بفيروس كورونا، فطالبت زميلاتها بإجراء فحوصات لهن جميعاً في آخر يوم عمل في الـ14 يوماً المتواصلة لهن بالصيدلية، قبل أن يغادرن إلى بيوتهن ويعرضن أهلهن لنقل العدوى. لكن إدارة المستشفى رفضت إجراء المسحة لهن، فرفضن المغادرة حتى إجراء المسحة، فما كان من مدير المستشفى إلا أن صعّد الأمر للمحافظ، الذي عالج الأمر بإصدار قرار نقل تعسفي للصيدلانيات الثماني من محافظة البحيرة إلى محافظتي القاهرة والقليوبية، في إجراء وصفه عضو مجلس نقابة الأطباء بأنه "غير قانوني، إذ يهدد باستخدام النقل التعسفي كوسيلة للتنكيل بالصيدلانيات اللاتي يطالبن بالحد الأدنى من الوقاية والتأمين لهن ولأسرهن".
ومن أشكال التنكيل بالأطقم الطبية في مصر أيضاً، عدم السماح للطبيبات الأمهات لأطفال صغار ورضع بعمر أشهر بالحصول على حقهن في إجازة رعاية طفل. ولأنها إجازة وجوبية في نص القانون المصري، وتحديداً المادة 72 من قانون الطفل، والمادة رقم 53 من قانون الخدمة المدنية، تلجأ الإدارات الطبية إلى تأجيل منحها حتى لا تقع تحت طائلة رفضها بالمخالفة للقانون. على الرغم من أن تأجيل الاستفادة من هذا الحق في وقت حرج كالذي نعيشه يتعارض مع نصّ وروح القانون الذي شرع لحماية الأسرة والأطفال.
جدير بالذكر أن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، كان قد أصدر قراراً بإجازات استثنائية مدفوعة الأجر للأمهات لأطفال حتى سن 12 عاماً فأقل في كل القطاع الحكومي. كما أنه طبقاً لإجراءات الحظر، فإن كل الحضانات مغلقة منذ إعلان انتشار الوباء في مصر في منتصف مارس/ آذار الماضي، وحتى الآن.
ولا تزال الإدارات الطبية تتحايل على وجوبية منح إجازات رعاية طفل لطبيبات، بتأجيل منحها، وذلك على الرغم من مناشدة النقابة العامة لأطباء مصر الحكومة المصرية في 4 يونيو/ حزيران الحالي، بخصوص إجازات رعاية الطفل للطبيبات. وتضمنت المناشدة اعتبار النقابة أن "تأجيل الاستفادة بالحق في أكثر الأوقات احتياجاً له هو بمثابة حرمان فعلي من هذا الحق، خصوصاً أن موعد انتهاء مواجهة فيروس كورونا لا يستطيع أحد التنبؤ به".
أما من الناحية الموضوعية، فأوضحت النقابة أنه "من المعلوم أن هذه القوانين قد شرعت لحماية الطفل وتوفير الرعاية اللازمة له في المقام الأول، وفي هذه الظروف التي تتطلب التباعد الاجتماعي والحرص من انتقال العدوى، فإن الأمر يصبح أكثر أهمية". وتساءلت "كيف تترك الأم رضيعها بمفرده، أو حتى عند إحدى قريباتها في ظلّ إغلاق الحضانات، وحتى إذا تمّ فتح الحضانات، فمن التي ستجازف بترك طفلها في حضانة في ظروف انتشار العدوى، كما أنه من الخطر أن تذهب الطبيبة للعمل في مستشفيات الفرز أو العزل ثم تعود يومياً للمنزل مع احتمال أن تنقل العدوى لأطفالها الصغار".
وطالبت النقابة من وزارة الصحة المصرية بـ"سرعة توجيه جميع جهات العمل بعدم الامتناع أو تأجيل قبول الإجازات الوجوبية التي نصّت عليها قوانين الدولة، وذلك حرصاً على أطفال الطبيبات وعلى صالح العمل نفسه، وعلى عدم تفشي العدوى بين أطفالنا".
توقيفات وإخفاء
كانت الطبيبة آلاء شعبان حميدة عبد اللطيف (26 عاماً)، التي تعمل في مستشفى الشاطبي التابع لجامعة الإسكندرية، تمارس عملها بشكل طبيعي، عندما اشتبهت في إصابة أحد المرضى بفيروس كورونا، وبعد قيام ممرضة باستخدام هاتف الطبيبة للإبلاغ عن وجود حالة إصابة بالفيروس في المستشفى من خلال الاتصال بالخط الساخن للإبلاغ عن حالات الاشتباه "105"، لكن تصرفها لم يعجب المشرف عليها وأستاذها في القسم، ياسر الكسار، الذي أبلغ بنفسه عنها للأمن الوطني، بحجة أنها "تفتعل مشاكل وتثير الرأي العام"، ولما وصفه بـ"تعديها اختصاصاته". وتم القبض على آلاء في 28 مارس/ آذار 2020 من مقر عملها، واختفت قسرياً لمدة يومين، لتظهر بعد ذلك ويتم التحقيق معها على ذمة القضية 558 لسنة 2020.
القضية ذاتها، ضمّت ثلاثة أطباء وصيدلياً، يواجهون اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسّست على خلاف القانون، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة هدفها إلقاء الرعب بين الأفراد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب تفاعلهم مع المشهد الحالي أو تعبيرهم عن رأيهم.
وفي 4 إبريل/ نيسان 2020، ألقي القبض على الصيدلي محمد كامل غانم مصطفى السايس (27 عاماً)، وأخفي قسرياً لمدة خمسة أيام، حيث سئل من قبل الأمن الوطني عن صاحب الشركة التي يعمل بها، وعن عمله وزملائه بالجامعة. وبعد تفتيش هاتفه والعثور على ما كتبه على موقع "فيسبوك" من انتقاد لأداء وزيرة الصحة، قرّرت النيابة حبس السايس احتياطياً.
كذلك اعتُقل الطبيب هاني بكر علي كحيل (36 عاماً)، وهو جرّاح عيون في مستشفى طوخ بالقليوبية، في 10 إبريل/ نيسان 2020 من منزله في مركز طوخ، واختفى قسرياً لمدة 18 يوماً، ليظهر أمام النيابة العامة بسبب انتقاده على أحد مواقع التواصل الاجتماعي المساعدات الطبية التي أرسلتها مصر إلى إيطاليا، وإشارته إلى أحقية المستشفيات المصرية بها.
وكذلك تمّ التحقيق مع أحمد صبرة إبراهيم (44 عاماً)، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة بنها، والذي ألقي القبض عليه في 16 إبريل/ نيسان 2020 من عيادته الخاصة في بنها، واختفى قسرياً لمدة 12 يوماً.