وتحدّثت مصادر تركية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أمس السبت، عن التطورات الأخيرة في ريف حماة الشمالي، وتقدّم فصائل المعارضة، رابطة ما يجري على أرض الميدان بمباركة من تركيا بعد فشل كافة الجهود المكثفة مع الجانب الروسي خلال الفترة السابقة، لفرض وقف إطلاق نار في المنطقة، والعودة إلى الوضع السابق، أي ما قبل الحملة العسكرية الأخيرة التي بدأها النظام السوري منذ نحو شهر، وحقق فيها تقدماً لكيلومترات عدة في تلك المنطقة. وبحسب المصادر، فإنّ الجانب الروسي أصرّ على موقفه القائم على فرض أمر واقع جديد في المنطقة واعتراف الجانب التركي بالحدود المستجدة، قبيل الاستمرار بالتفاوض، وهو ما رفضته تركيا والفصائل بشكل قاطع.
وأضافت المصادر أنّ الضوء الأخضر التركي لا يعني بالضرورة الالتفاف على مسار أستانة، أو الانسحاب منه على المدى القريب، ولكن ما يجري قد يندرج في إطار الفرصة الأخيرة لإنقاذ "أستانة"، خصوصاً أنّ المسار حقق أهدافه من الناحية السياسية بجمع فصائل المعارضة في منطقة خفض التصعيد الرابعة، وفرض خط أحمر دولي على المنطقة. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن روسيا تحاول الالتفاف على ذلك، بحجة محاولة تأمين مطار حماة العسكري، وقاعدة حميميم التابعة لها في ريف اللاذقية، متذرعةً بوجود تنظيمات إرهابية، بحسب المصادر.
كذلك أشارت المصادر إلى أنّه، حتى الآن، لا يمكن اعتبار أنّ الحملة العسكرية الحالية للنظام بدعم روسي قد تمتدّ إلى عمق إدلب، كما لا يمكن القول إنّ العمل العسكري للفصائل قد يكون غير محدود، بل هو من أجل استرجاع المناطق التي قضمها النظام بعد تطويق كفرنبودة، لإجباره على الانسحاب من جهة، ولإيصال رسالة واضحة بأن أي تجاوز للاتفاقات من قبل النظام وموسكو، سيقابل بخطوات مماثلة من قبل الفصائل، لا سيما بعد أن تقدمت الأخيرة إلى مناطق جديدة لم تكن في دائرة المواجهات. واعتبرت المصادر أنّ الزجّ بأسلحة نوعية في المعركة، منها مضادات الطيران، والتي ساعدت الفصائل على إحراز تقدم، تضمن رسالة واضحة عن الحزم التركي في شمال غربي سورية.
ورداً على سؤال حول سبب فشل التفاهم التركي الروسي على هذه المنطقة، أفادت المصادر التركية بأنّ روسيا طالبت على مدار نحو عام بالحصول على مناطق من ريف إدلب الجنوبي، بما يشمل الطرق الدولية، ومدينة جسر الشغور لتأمين المنطقة، مقابل منح تركيا السيطرة على بضع قرى في منطقة تل رفعت. وأضافت أنّ الجانبين تفاوضا لفترة طويلة، ولكن لم تفض المباحثات إلى نتيجة أو اتفاق، الأمر الذي دفع روسيا إلى المضي قدماً منفردة في الحملة الأخيرة، وهو ما أدى حالياً إلى معركة استنزاف، أو ربما تسمى معركة كسر العظم. علماً أنه لم تؤد الاتصالات المتبادلة بين رئيسي البلدين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، إلى التوصل لأي اتفاق نهائي بوقف إطلاق النار.
ولم تبد المصادر التركية تفاؤلاً بقرب التوصل إلى اتفاق تركي روسي، كما أنها لم تظهر تشاؤماً بشأن هذا الأمر، على اعتبار أنّ المجتمع الدولي حالياً يقف إلى جانب تركيا في ما يخص موضوع إدلب، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي وأميركا، وهو ما يضع الجانب الروسي تحت تأثير ضغوط كبيرة. ومن وجهة نظر المصادر التركية التي تحدثت مع "العربي الجديد" ستحرص روسيا على استمرار مسار أستانة، لأنّ أي انهيار لهذا المسار قد يعرّض مكاسبها في سورية إلى مخاطر كبيرة، خصوصاً أنّ التفوّق لقوات النظام يعود لقوة سلاح الجو الروسي، واعتماد سياسة الأرض المحروقة، فيما القوة الميدانية بلا منازع هي إلى جانب فصائل المعارضة.
وأعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة مساء أول من أمس الجمعة، بدء المرحلة الثانية من المعركة على مواقع قوات النظام والمليشيات التابعة لها بريف حماة الشمالي، تحت مسمّى "الفتح المبين". وكانت المرحلة الأولى قد بدأت مساء الخميس، باندفاعة كبيرة من مقاتلي الفصائل في مناطق تابعة للنظام في ريف حماة الشمالي، ما أدى إلى السيطرة على تل ملح، الجبين، كفرهود، مدرسة الضهرة، والجلمة وكرناز.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس السبت، بأنّ المعارك لا تزال مستعرة على جبهات ريف حماة الشمالي، حيث تقوم مليشيات النظام بالهجوم لاستعادة السيطرة على قرية تل ملح الاستراتيجية، وسط عمليات قصف جوي وبري مكثّف من قبل النظام والروس. وأشار "المرصد" إلى أنّ الفصائل انسحبت من المواقع التي تقدمت إليها في الجملة وكرناز شمال غرب حماة، فيما لا تزال تحكم سيطرتها على الجبين وتل ملح.
ووصفت مصادر في فصائل المعارضة ما جرى يومي الخميس والجمعة بـ"الضربة الموجعة" لقوات النظام والمليشيات التابعة لها في ريف حماة، إذ قتل فيها أكثر من 80 عنصراً من هذه القوات، وفق المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، النقيب ناجي مصطفى. وأكدت مصادر في "جيش العزة"، أبرز الفصائل المقاتلة في ريف حماة الشمالي، أنّ مقاتلي هذا الجيش دمروا أمس السبت 4 دبابات لقوات النظام على محور كفرهود-تل ملح.
ولمنطقة تل ملح أهمية استراتيجية كونها إحدى طرق إمداد النظام بين محردة والسقيلبية، فضلاً عن مرور طريق رئيسي بين حماة واللاذقية عبر هذه المنطقة. كما أن تل ملح تطلّ على العديد من المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات النظام، وفق ما أوضحت مصادر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد".
في الأثناء، واصلت قوات النظام وروسيا قصفها المدفعي والصاروخي والجوي على قرى وبلدات ريف محافظة إدلب، إذ أغارت طائرات النظام الحربية، أمس، بعدد من الصواريخ الفراغية، على قرى وبلدات الهبيط، كفرعويد، كرسعة، معرتحرمة، وأطراف حاس بريف إدلب الجنوبي، مخلفةً أضراراً مادية، من دون وقوع إصابات في صفوف المدنيين.
وأشار ناشطون محليون، تحدثوا مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الطائرات المروحية التابعة للنظام ألقت عدداً من البراميل المتفجرة على منطقة الحامدية، جنوب مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، فيما استهدفت الطائرات الروسية بلدتي ترملا وكوكبة، الواقعتين في منطقة جبل شحشبو بريف إدلب الجنوبي.
في موازاة ذلك، أكّدت مصادر مطلعة أنّ خلافات دبّت بين مليشيات النظام على وقع هزائمها المتلاحقة في ريف حماة الشمالي، مشيرة إلى أنّ مليشيات الدفاع الوطني التي تضم مسلحين يوصفون بـ"الشبيحة" وجّهت اتهامات بالتخاذل إلى عناصر "المصالحة"، وهم عناصر كانوا ضمن فصائل المعارضة السورية المسلحة، وانضموا إلى قوات النظام إثر عمليات "التسوية" التي تمّت في درعا وريفي دمشق وحمص ومناطق أخرى، ويقاتلون اليوم تحت مظلة الفيلق الخامس التابع للروس مباشرة.
وأوضحت المصادر أنّ الخلاف بين الطرفين بدأ عقب تفجير الفصائل سيارة مفخخة على محور بلدة كرناز أول من أمس الجمعة، ما أدى إلى مقتل وإصابة ما يقارب الأربعين عنصراً من مليشيات "الدفاع الوطني"، التي تضمّ مسلحين من مناطق موالية للنظام في ريف حماة، أبرزها محردة والسقيلبية، وقرى للطائفة العلوية.
وبحسب مصادر من مدينة حماة، فقد وصل إلى المشفى الوطني في المدينة الجمعة قرابة مئتي عنصر من قوات النظام، ما بين جريح وقتيل معظمهم من المنتسبين إلى مليشيات "الدفاع الوطني".
واستعادت الفصائل المعارضة زمام المبادرة مرة أخرى بعد شهر من التراجع أمام قوات النظام خسرت خلاله العديد من المناطق، هي: مدينة قلعة المضيق، بلدة كفرنبودة، وقرى الجنابرة وتل هواش والجابرية والتوبة والشيخ إدريس والكركات والمستريحة والتوينة والشريعة وباب الطاقة والحويز والحمرا. واتبعت فصائل المعارضة السورية تكتيكاً جديداً في القتال من خلال الاندفاع إلى المناطق التي لم يكن يتوقّع النظام أن تضربه الفصائل فيها، إذ لم تضع الأخيرة ثقلها في استعادة ما خسرته خلال الشهر الفائت، بل هاجمت مناطق لم تهاجمها منذ سنوات.
وفي هذا الصدد، قال القيادي في "الجيش السوري الحر"، مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "إلى حدّ ما يمكن القول إننا دخلنا مرحلة جديدة"، مضيفاً "باتت الفصائل قادرة على سحب المليشيات الموالية لروسيا إلى عمليات استنزاف، ومنع الاحتلال الروسي من فرض رؤيته وإرادته وحصر قواته في مناطق محددة". وأضاف "ندرك أنّ المعركة لن تكون سهلة، ولكن عامل الوقت بات في صالحنا"، متابعاً "المعركة الآن باتت بين الشعب السوري، وقوى الاحتلال المتمثل بالروس والإيرانيين". وأكد سيجري أنّ تطورات الموقف العسكري المتلاحقة تؤكّد استمرار الخلاف التركي الروسي حيال الأوضاع في شمال غربي سورية.
وفي السياق، أكّدت مصادر في فصائل المعارضة لـ "العربي الجديد" أنّ "الموقف العسكري لصالحنا"، مشيرةً إلى عدم قدرة فصائل المعارضة السورية في الوقت الراهن على تهديد مدينة حماة، مضيفةً "الاشتباكات تجري بعيداً عن المدينة، وحول المناطق التي خسرناها خلال الشهر الفائت". ومن الواضح أنّ فصائل المعارضة السورية تحاول تكرار هجوم لها تمّ في عام 2016، وصلت من خلاله إلى تخوم مدينة حماة وسط سورية، بعد أن سيطرت على مدن مهمة شمال المدينة، منها مدينة طيبة الإمام، وبلدة حلفايا وقمحانة. ولكن المعارضة تراجعت بعد ذلك عن هذه المواقع بسبب القصف الجوي الكثيف من الطيران الروسي.