نتنياهو في مواجهة مسار بايدن للتعاطي مع النووي الإيراني

30 ابريل 2020
"صدام حتمي" سيقع بين بايدن ونتنياهو (Getty)
+ الخط -
على الرغم من اهتمام الإعلام الإسرائيلي بتعهد مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن، بالإبقاء على السفارة الأميركية في القدس المحتلة، فإن نتائج استطلاعات الرأي المتواترة التي تؤكد تفوقه على الرئيس دونالد ترامب تشي بتحدٍّ كبير سيواجه الاستراتيجية التي بلورها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمواجهة البرنامج النووي الإيراني.

فنتنياهو الذي تباهى بدوره في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الذي وقعته إيران مع الدول العظمى، وفرض قائمة من العقوبات القاسية عليها لإجبارها على التوصل إلى اتفاق آخر يتضمن قيوداً أكثر تشدداً على البرنامج النووي، يخشى خسارة هذا "الإنجاز" في حال وصول بايدن إلى سدة الرئاسة، على اعتبار أن الأخير، الذي كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما الذي وقع على الاتفاق عام 2015، يؤيد مواصلة واشنطن التزامه.

وقد توقع المحلل العسكري شموئيل مئير أنّ "صداماً حتمياً" سيقع بين بايدن ونتنياهو على خلفية الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، على اعتبار أن المرشح الديمقراطي يرى أنه يجب تعزيز الاتفاق مع إيران وإطالة أمده، فيما ترى الحكومة الإسرائيلية، والإدارة الأميركية الحالية، أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وأنه يجب مواصلة الضغط على طهران حتى ترضخ وتوافق على التوصل إلى اتفاق جديد.

ولفت مئير، في تحليل نشرته "هارتس"، اليوم الخميس، إلى أن التغيير الوحيد الذي يطالب بايدن بإدخاله على الاتفاق النووي الأصلي مع إيران يتمثل بإطالة أمد العمل بهذا الاتفاق الذي يفترض أن ينتهي عام 2031؛ بحيث تتواصل القيود المفروضة على مستوى تخصيب اليورانيوم والحد من قدرة إيران على تطوير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب؛ وذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل عنها.

وأشار مئير، الذي سبق أن عمل محللاً في لواء الأبحاث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، إلى أنّ التحدي الذي يواجه نتنياهو في حال صعود بايدن لا يتمثل فقط بموقف الديمقراطيين من الاتفاق النووي، بل أيضاً إلى حقيقة أنّ بايدن، بخلاف الإدارة الحالية، يرى في احترام الدبلوماسية الدولية إحدى أدوات السياسة الخارجية الأميركية، ما سيجعله يولي أهمية كبيرة لموقف القوى الدولية والمنتديات العالمية التي تشكل ركائز النظام العالمي من القضايا مثار البحث، وضمنها الاتفاق النووي مع طهران، في حين أن شعار "أميركا أولاً" جعل ترامب يتنصل من التزامات واشنطن تجاه هذه القوى وتلك المنتديات.

وحسب مئير، فإن إيمان بايدن بأهمية العلاقة مع أوروبا تحديداً، سيعزز من دافعيته لاحترام الاتفاق النووي مع إيران. ويرى مئير أنّ من ضمن المؤشرات التي تدل على أن بايدن سيتبنى موقفاً مغايراً من موقف ترامب في ما يتعلق بالاتفاق مع إيران، حقيقة أنه دعا ترامب، خلال الانتخابات التمهيدية، إلى تخفيف العقوبات على إيران لتمكينها من مواجهة وباء كورونا، إلى جانب توجيهه انتقادات لاذعة إلى قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.

ومستنداً إلى مقابلة أجرتها معه "نيويورك تايمز"، يوضح مئير أن بايدن حرص على تأكيد الخيار الدبلوماسي عبر التعاون مع أوروبا لإلزام إيران ببنود الاتفاق النووي الأصلي، مشيراً إلى أنه لمّح إلى رفضه فكرة استخدام العمل العسكري ضد إيران كخيار لمنعها من تجاوز الاتفاق، وهو ما يتعارض مع العقيدة الأمنية لنتنياهو وأطراف عديدة داخل إدارة ترامب.

وحسب بايدن، فإن مجموعة الخروقات التي قامت بها إيران للاتفاق النووي، رداً على العقوبات المفروضة عليها، لا تحول دون عودة الولايات المتحدة إلى التزامه، على اعتبار أن طهران حرصت على رفع نسبة تخصيب اليورانيوم قليلاً، وبشكل لا يمكنها من الحصول على كمية المادة المشعة اللازمة لتركيب قنبلة نووية.

ومما يوفر فرصة لنجاح المقاربة التي يتشبث بها بايدن، كما يرى مئير، حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تواصل، على مدى 24 ساعة في اليوم، الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية.

ويرى مئير أنه على الرغم من موقف نتنياهو، فإن المسار الذي يقترحه بايدن للتعاطي مع الاتفاق النووي الإيراني، يخدم المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل، على اعتبار أن العودة إلى الاتفاق الأصلي تحول دون انضمام إيران إلى نادي الدول النووية.

من هنا، فإنه يقترح أن تبادر إسرائيل إلى فتح قنوات الاتصال بشكل مسبق مع فريق بايدن للتوافق على استراتيجية موحدة للتعاطي مع النووي الإيراني.

وعلى الرغم مما أشار إليه مئير، لا يوجد ما يدل على أن نتنياهو سيقبل بالمسار الذي يتشبث به بايدن في التعامل مع الاتفاق مع إيران؛ على اعتبار أنه معني بالتوصل إلى اتفاق جديد لا يضمن فقط تصفية البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، بل أيضاً يشمل تفكيك الترسانة الصاروخية لطهران؛ إلى جانب التزامها الانسحاب من ساحات التماس مع إسرائيل، ولا سيما في سورية ولبنان ووقف دعمها للقوى التي تناصب تل أبيب العداء، ولا سيما حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

ومع ذلك، فإن قدرة نتنياهو على المناورة في مواجهة بادين ستتوقف أيضاً على نتائج الانتخابات الجزئية لمجلس الكونغرس؛ على اعتبار أن احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في مجلس الشيوخ سيحول دون إقرار الاتفاق الأصلي من قبل الكونغرس. وإذا ترافق فوز بايدن بانقلاب على موازين القوى داخل مجلس الشيوخ لمصلحة الديمقراطيين، فإن فرص تل أبيب على تغيير موقف الإدارة الأميركية الجديدة ستكون محدودة للغاية، وفق ما يرى مئير.

من ناحية ثانية، إنّ سلوك ممثلي حزب "كحول لفان" بقيادة بني غانتس وقيادة الجيش والمؤسسة الأمنية في تل أبيب سيكون حاسماً في التأثير بموقف نتنياهو من النووي الإيراني في حال فوز بايدن.

ولم يعد سراً أنّ نتنياهو حاول إقناع المؤسسة العسكرية والاستخبارية في 2012 بتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، لكن عندها جوبه برفض شديد من قبل رئيس "الموساد" في ذلك الوقت مئير دغان، وغابي أشكنازي رئيس الأركان، الرجل الثاني في "كحول لفان"، والمرشح لتولي منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة.

المساهمون