ماذا يعني دعم ترامب لـ"التحالف العلماني الإسلامي" في تونس؟

16 يناير 2019
تؤكد "النهضة" التزامها بالديمقراطية والتعاون مع العلمانيين (حسام زواري/الأناضول)
+ الخط -
بعد مضي ثماني سنوات من الثورة التونسية، تُطرح تساؤلات عن النظرة الأميركية لتونس وماذا تنوي القيام به خلال المرحلة المقبلة؟ السفير الأميركي الجديد في تونس دونالد بلوم، الذي حظي أخيراً بتزكية مجلس الشيوخ الأميركي، قدّم بعض الأجوبة على هذه التساؤلات، ففي رده على سؤال عن الأهداف التي سيعمل على تحقيقها في وظيفته الجديدة، أعلن أنه سيدعم التحالف العلماني الإسلامي الذي يستند إليه الائتلاف الحكومي التونسي الحالي. يعني ذلك أن الذين توقّعوا أن تغيّر إدارة دونالد ترامب موقفها من حركة "النهضة"، وتعطي الضوء الأخضر لتغيير المشهد السياسي التونسي بشكل جذري مثلما حصل في مصر، لم يصيبوا في تقديراتهم.

ما ذكره بلوم يكشف أن الإدارة الأميركية تجنّبت إرباك الوضع الراهن في تونس، وذلك حفاظاً على الاستقرار السياسي كونها لم تجد المبرر الكافي لرفع الفيتو في وجه حركة "النهضة"، على الرغم من كل ما يقال في شأنها من قبل خصومها. كما أن الأطراف الرئيسية في الولايات المتحدة مستمرة في اعتقادها بأن الحالة التونسية مختلفة كثيراً عن الحالة المصرية، على الرغم من التعميم الذي يستند إليه خصوم الحركة داخل البلاد وعلى الصعيد الإقليمي.
وتخوّفت حركة "النهضة" من الانقلاب الذي قام به ترامب على حركات الإسلام السياسي، واعتبارها عدواً لا يجب التهاون في محاربته، اعتقاداً منه بأنه لا يوجد حزب إسلامي متطرف وآخر معتدل. وبما أن هذا الموقف يتطابق مع وجهة نظر دولة الإمارات بالخصوص، فقد تخوّف زعيم "النهضة" راشد الغنوشي من أن يؤدي ذلك إلى محاولة عزل حركته والعمل على تقزيمها والتحريض عليها، وقد يصل الأمر، حسب اعتقاد الغنوشي، إلى دعم خصومها في الداخل من أجل إخراجها من السلطة وربط مصيرها بمصير الجماعات السلفية التي تورطت في العنف والإرهاب.

وفي مسعى من قيادة "النهضة" لعدم حصول هذا السيناريو، كثّف الغنوشي وبعض قيادات الحركة من زياراتهم إلى الولايات المتحدة، والاتصال ببعض اللوبيات المؤثرة في البيت الأبيض والخارجية والكونغرس، من أجل إقناع صانعي القرار هناك بأن "النهضة" ملتزمة بالديمقراطية وبدعم الاستقرار في تونس، وحريصة على التعاون والتوافق مع العلمانيين الذين تثق فيهم الإدارة الأميركية، وفي مقدمتهم الرئيس الباجي قائد السبسي. ويمكن القول إن الحركة نجحت إلى حد ما في مسعاها، وتجنّبت بذلك الدخول في خلافات حادة مع واشنطن.
وبما أن الغنوشي هو المتحكّم في العلاقات الخارجية لحركته، ويقود أيضاً ما يسميها الدبلوماسية الشعبية في رده على اتهامات المعارضة التي تعتبر جولاته خارج تونس بمثابة الدبلوماسية الموازية للدبلوماسية الرسمية، فقد كان حذراً في تصريحاته بشكل عام حتى لا يثير غضب الإدارة الأميركية. لهذا وفي موقفه الرافض لما سمي بـ"صفقة القرن"، عمل على انتقاء عباراته، ولم يتورط في الهجوم على الرئيس الأميركي بشكل مباشر ومسيء له.


ولم يكتفِ السفير بلوم بالدعوة إلى دعم التحالف العلماني الإسلامي في تونس، وإنما اعتبر أيضاً أن التوترات التي تحصل بين الطرفين من حين إلى آخر هي جزء طبيعي من مسار الانتقال الديمقراطي، وأن ذلك لم يحل حتى الآن دون استمرار أطراف التحالف في العمل ضمن حكومة واحدة.
يُفهم من تصريحات السفير الأميركي أن واشنطن تلتقي مع وجهة نظر حركة "النهضة" حول أهمية الاستقرار الحكومي وصولاً إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها. وفي هذا السياق، قال رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، رضوان المصمودي، المكلف من قبل "النهضة" بتمثيلها لدى الأوساط الأميركية، إنه شخصياً لم يفاجأ بهذه التصريحات. وأكد المصمودي لـ"العربي الجديد"، أن "السياسة الخارجية الأميركية لها ثوابت، ولا يستطيع أي رئيس بما في ذلك ترامب، أن يقوم بتغييرها بمفرده، لأن هناك مؤسسات أخرى تتدخّل بدورها في صناعة هذه السياسة والدفاع عنها، مثل الكونغرس الذي لا يزال متمسكاً بدعم التعاون مع تونس". وأضاف: "عندما أراد وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون أن يقلّص من حجم المساعدات المقدّمة لتونس، اعترض الكونغرس على ذلك، وبدل التقليل من حجمها حصل العكس، إذ شهدت ارتفاعاً نسبياً لكنه هام على الصعيد الرمزي".

ولفت إلى أنه "خلافاً لما تسعى إليه بعض اللوبيات المدعومة من الإمارات، لا تزال مختلف المؤسسات الأميركية تؤكد الثقة بحركة النهضة وبالانتقال الديمقراطي في تونس". وحتى مسألة تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر التي قيل إن السفير الأميركي السابق جاكوب والس قد اتهم حكومة الترويكا بتسهيلها، قبل أن يؤكد هذا الأخير أن وسائل الإعلام التونسية قد أخطأت في نقل أقواله، لم يترتب على تلك التصريحات أي تأثير على الإدارة الأميركية، على الرغم من أن متابعة هذا الملف من بين اهتمامات سفارتها بتونس.

لا تستطيع تونس بحكم حجمها وموقعها وقلة مواردها أن تحافظ على أمنها واستقرارها من دون الاستعانة بالخارج وتأمين علاقة إيجابية بالدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة وفرنسا. هكذا يتأكد أنه بعد ثماني سنوات من التحوّلات السياسية واستمرار الاحتقان الاجتماعي والهشاشة الاقتصادية واتهام "النهضة" من قِبل خصومها بالتحكّم في مفاصل الدولة وبامتلاكها جهازاً سرياً، فإن الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لا تنوي تغيير سياساتها، وستكون الاستمرارية السمة الملازمة لعلاقاتها بالديمقراطية التونسية الناشئة خلال الفترة القريبة المقبلة.

المساهمون