انتخابات بيروت: التغيير مطلوب والاحتكار مرفوض والحراك لم يمت

11 مايو 2016
حصلت "بيروت مدينتي" على 40% من الأصوات (حسين بيضون)
+ الخط -
لم ينتظر الناشطون في حملة "بيروت مدينتي" صدور النتائج النهائيّة للانتخابات البلدية في بيروت وإعلان النتائج الرسميّة، حتى تبدأ مرحلة المراجعة. في شارع بدارو، حيث يقع مقر الحملة، اجتمع ليل الاثنين ــ الثلاثاء، عشرات الناشطات والناشطين، وبحثوا نقاط قوة وضعف حملتهم. وعلى شرفات المكتب، كانت عملية حساب الأصوات، وتبادل المعلومات مستمرة. كان الكلام واضحاً: هناك عمليّة تزوير فاضحة تم وضع حدّ لها. ليس تفصيلاً أن اللائحة استعادت نحو خمسة آلاف صوت، في عمليّة إعادة الفرز.

بعد طول انتظار، أُعلنت نتائج الانتخابات البلدية في بيروت. شكّلت هذه النتائج صدمة لتيار المستقبل، الذي ردد مسؤولون بارزون فيه قبل يوم من الانتخابات أن لائحة "بيروت مدينتي" سوف تحصل على ما معدّله ثمانية آلاف صوت، وإذ بها تنال ما يزيد على ثلاثين ألف صوت (نسبة أربعين في المئة من أصوات الناخبين). لم تنحصر أصوات الناخبين بطائفة واحدة، وقد استطاعت "بيروت مدينتي" التفوق على منافستها "لائحة البيارتة" في المناطق المسيحيّة، وحصلت على نحو 30 في المئة من الأصوات في المناطق السنية (على الرغم من أن صبغة اللائحة ليست مسيحية بشكل عام، بل علمانية راعت المناصفة؛ 12 مرشحاً مسيحياً و12 مرشحاً مسلماً جرياً على العرف المتبع). وقد عبّر رئيس اللائحة إبراهيم منيمنة عن هذا الأمر بوضوح في مؤتمر صحافي عقدته الحملة ظهر أمس، إذ توجه لأهالي بيروت بالقول: "لا تصدِّقوا السلطة، فلائحتنا لم تحصد هذا العدد من الأصوات من طائفة أو دائرة واحدة، بل كانت الأصوات التي نالتها "بيروت مدينتي" موزعة على كل الدوائر والطوائف، فنحن دعاة عمل مدني ديموقراطي لا طائفي".

في النتائج السياسيّة المباشرة، كرّست هذه الانتخابات الخلاف بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانيّة. فقد اتهم "المستقبل" حليفه المفترض بأنه لم يسعَ إلى دعم "لائحة البيارتة". وقد عبّر الرئيس سعد الحريري بوضوح عن موقفه في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس، فقد اتهم الحريري "بعض الحلفاء" بالسعي للترشح ضمن "لائحة البيارتة" من دون منحها الأصوات في صناديق الاقتراع، "وهو ما كاد يُهدّد المناصفة في بيروت"، على حدّ قوله، وذلك في إشارة إلى أن خرق لائحته كان احتمالاً كبيراً. وقد تطوّر هذا الخلاف السياسي، بسبب نتائج زحلة، خصوصاً أن الأرقام تُشير إلى أن مرشحي القوات اللبنانية حصلوا على أربعة في المئة فقط من الأصوات السنيّة في المدينة، التي صبت بالكامل إلى خصوم القوات.

لكن هذه الاتهامات لا تبدو دقيقة بشكل كبير. فأرقام دائرة "بيروت الأولى"، التي تضم غالبية مسيحيّة، تُشير إلى أن "لائحة البيارتة" حصلت على عدد متقارب من الأصوات، فقد نال معظم المرشحين أكثر من ستة آلاف صوت، وهو ما يدلّ إلى غياب التشطيب الواسع. فلو انتخب مرشحو القوات اللبنانيّة لصالح اللائحة المنافسة، لأبقوا على اسم مرشحهم، ولظهر التشطيب بوضوح. لذلك، يُمكن القول إن من انتخب "بيروت مدينتي" في الأشرفية هم ناخبون مقتنعون بهذا الخيار المدني، وأن الأحزاب المسيحيّة لم تضغط باتجاه رفع نسب التصويت لدى ناخبيها، كما فعلت في زحلة، حيث دُقت أجراس الكنائس (علامة لإعلان الاستنفار) وتولّى رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع التواصل مباشرة مع الماكينات الانتخابيّة، والتوجه للناخبين عبر وسائل الإعلام لرفع نسبة التصويت.

اقرأ أيضاً: الانتخابات البلدية في بيروت والبقاع: تجاوزات ورشاوى

في المقابل، تُشير نسبة التصويت في دائرة "بيروت الثالثة"، إلى وجود نسبة تشطيب عالية، إذ وصل الفارق بين أعضاء "لائحة البيارتة" المسلمين والمسيحيين إلى عدة آلاف، وهو ما يؤكد الكلام الذي انتشر عن وجود ظاهرة لتشكيل لائحة مؤلفة من أكثرية مسلمة (60 في المئة)، مقابل 40 في المئة من المسيحيين، "لأن ذلك يُشبه التقسيم الطائفي في بيروت" كما ردد كثيرون ومنهم مرشحون على لوائح أخرى مثل المرشح عبد الله براج.
ما يظهر أن هناك نسبة من ناخبي تيار المستقبل، امتنعوا عن الالتزام بالشعار الأساسي الذي رفعه الحريري، أي المناصفة الطائفية.

ويفتح هذا الأمر الباب على نسبة التصويت السني، التي حصلت عليها لائحة "بيروت مدينتي"، أي نحو ثلاثين في المئة. هذا الرقم ليس بقليل، ويعني أن الشارع السني مستعد للتصويت لخيارات مختلفة عن الحريري إذا ما وجد بديلا مقنعا، وإذا لم تأخذ المعركة الطابع المذهبي.

وكان واضحاً الالتزام الشيعي بـ"لائحة البيارتة"، وهو ما يؤكّد أن الخلاف السني ــ الشيعي، ليس بالضرورة عاملاً مؤثّراً بشكلٍ كبير، إذا لم تتم تغذيته من قبل القوى السياسيّة لحسابات انتخابية. وإلى جانب هذه الملاحظات السياسيّة المباشرة، فإن هذه الانتخابات أكّدت جوانب أخرى ذات طابع اجتماعي ــ سياسي. فبيروت، بمختلف أطيافها، أكّدت أنها لا تُعادي المساواة الجندرية. فلائحة "بيروت مدينتي" تألفت مناصفة من الرجال والنساء، وهذا لم يخلق حاجزاً أمام الناخبين، بل شكّل دافعاً، فقد حلت ست نساء في المراتب العشر الأولى بين أعضاء اللائحة لجهة الحصول على الأصوات. كما أن المرشحة على "لائحة البيارتة" يسرى صيداني، حصلت على العدد الأكبر من الأصوات بين زملائها. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن هذه المدينة تؤيّد دخول النساء الحياة السياسيّة.
كان واضحاً أن لائحة "بيروت مدينتي" تخرج من رحم الحراك المدني الذي لجأت السلطة السياسيّة لقمعه بشدة في الصيف الماضي على خلفية أزمة النفايات التي غرقت فيها العاصمة وبقية المناطق. هنا يُمكن اعتبار هذه الانتخابات تسييلاً لهذا الحراك، وترجمة له عبر صناديق الاقتراع. فنسبة الأربعين في المئة من الناخبين، أي من صوّت لـ"بيروت مدينتي"، انتخب الوجهة المدنية التي وقفت في وجه النفايات التي احتلت شوارع بيروت سبعة أشهر، ولا تزال رائحتها تُذكّر سكّان بيروت بشكلٍ يومي بما عانوه، نتيجة سياسات الحكومة وتقصير بلدية بيروت. هو انتخاب لرغبة مدينيّة، بسيادة حكم القانون وحماية الحريات الفردية والعامة، وتأمين الاستقرار الأمني والسياسي الذي يسمح ببث بعض الروح في الحياة الاقتصادية، وتأمين الحدّ الأدنى من الخدمات العامة، مثل المساحات الخضراء والنقل العام.

ومثلما خرجت من رحم الحراك، فقد حملت "بيروت مدينتي" سماته: استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل فعال، والمدنية ومبدأ التطوع، والنقص الحاد في التنظيم، وهو ما تُرجم من أخطاء في الماكينة الانتخابيّة للحملة. وللإنصاف، يجب الإشارة إلى أن عمل الماكينات الانتخابيّة في لبنان معقّد وصعب، ويحتاج لتراكم خبرات، خصوصاً أن القانون اللبناني يتطلب وجود إمكانات بشريّة ومالية كبيرة لتنظيم وإدارة الماكينة الانتخابية.

اقرأ أيضاً: عرسال تنتفض انتخابياً وتكذّب المحرّضين
المساهمون