وكشف مسؤول عراقي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ التقرير الأمني الشامل ستقدّمه الحكومة، عبر مذكرة سرية تقيّم فيها وضع القوات العراقية الحالي، من ناحية قتالية ولوجستية، ومدى قدرتها على إدارة أمن البلاد وحفظ سيادتها بمفردها، فضلاً عن توضيح الحاجة للقوات الأجنبية لا سيما الأميركية.
وأشار المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ القوات الأميركية في العراق تمتلك أكبر عدد من حيث الأفراد العسكريين؛ يتوزّعون على 9 قواعد ومعسكرات في شمال وغرب ووسط البلاد، غالبيتها تتشارك فيها الحضور مع الجيش العراقي.
وشهد العراق، خلال الأسابيع الماضية، زيارات مكوكية لمسؤولين أميركيين؛ أبرزهم باتريك شاناهان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، والجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة الأميركية الوسطى، بينما يترقبّ، خلال الفترة المقبلة، وصول ماثيو تولر السفير الجديد إلى بغداد، خلفاً لدوغلاس سيليمان الذي غادر بعد انتهاء مهمته كسفير لبلاده في العراق لمدة عامين ونصف العام.
وبحسب مسؤولين في بغداد، فإنّ هذه الزيارات ركّزت على ملف الوجود الأميركي في العراق، وكذلك انسحاب القوات الأميركية من سورية، عبر الأراضي العراقية، فضلاً عن تطوير قدرات الجيش العراقي القتالية.
وفي هذا السياق، كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، عن مباشرة الحكومة العراقية بتجهيز تقرير شامل عن وضع القوات الأجنبية، وعددها، وأماكن وجودها، ودورها والمهام التي تؤديها، لا سيما الأميركية التي تضطلع حالياً بمجال التدريب والتجهيز العسكري واللوجستي.
ولفت إلى أنّ "القوات الأميركية تتولّى كفالة السلاح الأميركي المستخدم من قبل الجيش العراقي، لا سيما سرب مقاتلات "إف 16" والدبابات والدروع وذخيرتها، مع تأمين الأجواء العراقية ورصد التحرّكات المريبة، وتجهيز العراقيين بصور جوية دقيقة بهذا الخصوص".
وأوضح المسؤول العراقي أنّ "التقرير الحكومي، سيعرض أيضاً إيجابيات بقاء القوات الأميركية في العراق، من نواحٍ أخرى غير عسكرية، حيث تقدّم تلك القوات ضمانات لشركات غربية ومنظمات أجنبية إنسانية تعمل حالياً في العراق، وقد تنسحب مع خروج القوات الأميركية من البلاد".
وأكد أنّ "التقرير سيكون سرّياً، ويحتوي على أرقام وتفاصيل مهمة عن وضع المؤسسة العسكرية العراقية والمنظومة الأمنية، فضلاً عن التحديات الإرهابية والخارجية الأخرى".
ورجّح المسؤول أنّ "التقرير النهائي لن يُشجع البرلمان على إقرار أي قانون ملزم بإخراج الأميركيين من العراق بسرعة، وفي حال توجّه البرلمان لذلك فهو سيتحمل مسؤولية القرار، لا الحكومة العراقية ولا المؤسسة العسكرية"، على حد قوله.
وأعرب عن اعتقاده أنّه "في النهاية سيُصار إلى إعداد قانون لتنظيم الوجود الأجنبي في العراق، يتضمن توصية للحكومة بمراجعة وضع القوات العراقية وجاهزيتها كل ستة أشهر، ورفعه للبرلمان بغرض اتخاذ الموقف المناسب".
وكانت السفارة الأميركية في بغداد قد أكدت، الأربعاء الماضي، أنّ وجود قوات بلادها في العراق هو بناء على موافقة بغداد، لافتة إلى أنّها درّبت 190 ألف عنصر أمن عراقي.
وقال القائم بأعمال السفارة الأميركية جوي هود، في كلمة بالمؤتمر الدولي الرابع لمكافحة إعلام "داعش" وفكره، في بغداد، إنّ "داعش لا يزال يشكّل خطراً في العراق، وهناك من يساند داعش في ترويج الأفكار المنحرفة والتضليل الإعلامي"، مضيفاً أنّ "القوات العراقية هي من حرّرت المدن العراقية من داعش، وتواصل العمل مع شركائها في التحالف الدولي في محاربة داعش".
Twitter Post
|
وأكد هود أنّه "لا وجود لقواعد أميركية في العراق، ونعمل داخل قواعد عراقية وبالتنسيق مع الحكومة العراقية وبطلب منها"، مشدداً على "عدم مساس السيادة العراقية بأي ضرر، ونريد عراقاً قوياً قادراً على الدفاع عن نفسه".
ماذا تقول الكتل السياسية؟
تؤكد جهات سياسية أنّ وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، الذي زار بغداد أخيراً، ضغط باتجاه بقاء القوات الأميركية.
وقال النائب كريم المحمداوي عضو لجنة الأمن في البرلمان العراقي، في تصريح صحافي، إنّه "تمت خلال زيارة شاناهان ممارسة ضغوطات باتجاه منع تمرير قانون إخراج القوات الأميركية".
وأضاف أنّ "الجانب الأميركي مارس ضغوطاً على الحكومة لأجل بقاء قواته، فضلاً عن الزيارات الأخرى"، من دون مزيد من التفاصيل.
ودفعت كتل سياسية، خلال الفترة السابقة باتجاه تشريع القانون، وإخراج القوات الأميركية من العراق، وتسبب ذلك بانقسام سياسي بين الكتل. غير أنّ هذه الكتل، ومنها قيادات مليشيا "الحشد الشعبي"، أبدت مرونة تجاه بقاء تلك القوات، بعد اتصالات غير مباشرة مع الجانب الأميركي.
وتحدّث زعيم مليشيات "الحشد الشعبي" هادي العامري، أخيراً، عن إمكانية بقاء القوات الأميركية بالعراق، وفق قانون برلماني.
وفي المواقف، قال فاضل الربيعي عضو حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "هناك توافقاً على أنّ الوجود الأميركي والأجنبي في العراق يجب أن ينتهي بشكل أو بآخر، لكن ننتظر من الحكومة تقييماً عملياً للوضع العام في البلاد، وعلى إثر هذا التقييم سيتم التوصل لصيغة قانونية".
وأعرب عن أسفه لـ"وجود كتل سياسية ترفض خروج الأميركيين، بدعوى الخوف من التمدد والنفوذ الإيراني"، والذي اعتبره الربيعي بأنّه "غير موجود".
ولفت إلى أنّ "الكرة الآن بملعب الحكومة، وخلال الفصل التشريعي المقبل سيتم طرح الموضوع، وهو على رأس أولويات الكتل السياسية البرلمانية"، مشيراً إلى "عدة سيناريوهات حول القانون أقلها هو وضع جدول زمني لخروج القوات الأجنبية من العراق، بحيث يتم التوافق عليه وإلزام الحكومة به"، معتبراً أنّ "الحديث عن عدم جاهزية القوات العراقية غير مقنع، ونجدها الآن في أفضل حالاتها".
وكشف القيادي في تحالف "الإصلاح" النائب مضر خزعل، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، مساء الخميس، عن أنّ "غالبية الكتل السياسية، خوّلت الحكومة بملف إخراج جميع القوات الأجنبية من الأراضي العراقية".
وأكد النائب عن تحالف "البناء" منصور البعيجي أنّ تحالفه والكتل السياسية الرافضة للوجود الأميركي على الأراضي العراقية، تعتزم استضافة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحت قبة البرلمان، لاستيضاح موقف الحكومة الرسمي.
وقال البعيجي، في بيان صحافي، يوم الخميس، إنّ "على الحكومة متمثلة بعبد المهدي أن تحدد موقفها تحت قبة البرلمان من هذا الوجود الأميركي هل هي من طلبت هذا الوجود أم لا".
وأضاف أنّ "على الحكومة أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار قرار الكتل السياسية الرافض للوجود الأميركي على أراضينا، وأن تعمل على تنفيذ هذا الرفض على أرض الواقع، من خلال إبلاغ الجانب الأميركي بالخروج أسرع وقت دون أي قيد أو شرط".
مراحل عدة تنتظر القانون
قال الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "القوات الأميركية ستبقى في العراق، كون الحكومة تعي جيداً آثار انسحاب القوات الأجنبية حالياً على المستوى الأمني وحتى السياسي، وهي تسمع بين حين وآخر حديثاً عن مخاوف الكرد والسنة من تغوّل إيران في العراق بعد خروج الأميركيين"، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ "الدعم الأميركي بشكل عام سيتوقف عن العراق أو يتراجع إلى أدنى مستوى له منذ عام 2003".
وأعرب الحمداني عن اعتقاده بأنّ "واشنطن قد تعفي العراق من العقوبات المفروضة على طهران، وتمنحه خيارات كثيرة، وقد يكون هذا شكلاً من أشكال المساومة في ملف الوجود الأميركي بالعراق".
ويتطلّب تمرير القانون داخل البرلمان العراقي، جملة من المراحل، بحسب الدستور والنظام الداخلي للبرلمان، أولاها أن يُقدم المشروع لرئاسة البرلمان مشفوعاً بتواقيع النواب الذين يتبنّون القانون، بما لا يقل عن 50 نائباً، ومن ثم تقوم رئاسة البرلمان بمخاطبة الحكومة وإخطارها بوجود مشروع القانون، ومطالبتها بتقديم صورة كاملة عن حاجتها للقوات الأجنبية من عدمها، أو حتى استضافة رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش في جلسة غير علنية كما ينصّ عليه نظام البرلمان الداخلي بالقضايا الأمنية، التي تتعلق بأمن الدولة.
ويأتي هذا كله قبل الشروع بالقراءة الأولى للقانون، التي ينتج عنها تشكيل لجنة لصياغته أو تعديله على ضوء المناقشة التي تعقبها مناقشة ثانية، ثم الذهاب للتصويت على القانون، الذي يجب أن يمرر بالنصف زائداً واحداً من مجموع الحاضرين في الجلسة البرلمانية.