مؤرخ عسكري إسرائيلي يكسر أسطورة تفوق الاحتلال بحرب يونيو

05 يونيو 2017
"الانتصار" الإسرائيلي تحقق بفضل الصدمة الجوية (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -

كانت إحدى النتائج الأولية، وربما الفورية، التي تمخّضت عنها حرب يونيو 1967 هي حالة النشوة الإسرائيلية من نتائج الحرب التي وسّعت حدود إسرائيل، وطوت كلياً خطر "إبادة الدولة اليهودية" ورمي "اليهود بالبحر" حسب تمنيات الدعاية العربية. لكنها إلى ذلك رسّخت أيضاً معتقدات عن "الجيش الذي لا يقهر" الذي تغلّب على جيوش ثلاث دول عربية مجتمعة على ثلاث جبهات قتال مختلفة. كما كان لنتائج الحرب أثرها البالغ في بلورة عقيدة الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، بشأن التفوق العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي على الجيوش العربية. وقد دفعت هذه العقيدة السادات لاحقاً إلى مسار التسوية وعقد سلام منفرد مع إسرائيل، بعد أن باتت، أيضاً كنتيجة من نتائج الحرب، أوراق الحل كلها في يد الولايات المتحدة، التي ثبّتت بعد حرب يونيو التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.

وكان هذا التحالف بدوره نتيجة من نتائج الحرب نفسها، علماً بأن الولايات المتحدة أعطت رئيس الحكومة الإسرائيلي ليفي أشكول، خلال فترة الانتظار، مع إغلاق مصر لمضائق تيران وإخراج القوات الدولية من سيناء ورفع حالة التأهب في الجيش المصري التي سبقت الحرب، تعهدات بدعم إسرائيل في حال اندلاع حرب مع الدول العربية.

وفي الوقت الذي انشغل فيه كثيرون، الأسبوع الماضي، في نشر ما جاء في محاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية قبل وخلال حرب يونيو، ولا سيما جلسة الرابع من يونيو، والتي انتهت بقرار شنّ الضربة الاستباقية على قواعد الطيران العسكري المصرية، باعتباره القرار المصيري الذي حسم لاحقاً نتائج الحرب، خرج المؤرخ العسكري الإسرائيلي المعروف، أوري ميلشتاين، قبل أسبوع وبموازاة نشر محاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية بمقال خارج عن المألوف، اعتبر فيه أن النصر الإسرائيلي في الحرب كان، في واقع الحال، هزيمة للعرب أكثر مما هو نصر عسكري بفعل الأداء العسكري الإسرائيلي خلال المعارك وفي ميادين القتال.

وقد نشر ميلشتاين مقاله منذ أكثر من أسبوع، وخصصه بصفته مؤرخاً عسكريّاً لنشر وجهة نظره بمستوى الأداء العسكري والتنظيمي لجيش الاحتلال خلال المعارك. وحرص على الإشارة إلى أنه "شارك في الحرب كمضمد عسكري مع فرقة الاحتياط للمظليين"، لينتقل مباشرة إلى الحديث عن الصعوبة التي واجهتها الفرقة أمام المنشآت المصرية المحصنة في منطقة رفح: "في أشرس معركة في اليوم الأول للقتال، سقط فيها قتلى وجرحى من نيران دبابات ستالين التي ضربت قواتنا". ثم استدرك قائلاً إن "المعركة لم تكن أكثر من تقدم للمركبات المصفحة، لم تكن هناك معركة فرقة أو كتيبة وإنما مجرد سير لمصفحات وأفراد قوات المشاة الذين أخافوا العدو ودفعوه للهرب. كان رفول (رفائيل إيتان) بطلاً وأيضاً قائد الفرقة 890 يئير تل تسور، ولكن كما أسلفت لم تكن هناك معركة وفق إطار عسكري يملك صورة متكاملة لإدارتها".



وأضاف ميلشتاين، بأنه "في الغد أبلغونا بأن الفرقة 11 فشلت في احتلال غزة، فسافرنا لرفح عبر خان يونس ودخلنا غزة الرهيبة من دون قتال، واتضح بأن القوات المصرية والفلسطينية فرت إلى سيناء. وفي اليوم الثالث للحرب سافرنا نحو الجنوب، ووصلنا إلى قنطرة من دون قتال. وخلافاً للتعليمات المسبقة لوزير الأمن، موشيه ديان، غسلنا أقدامنا بالمياه الباردة لقناة السويس".

ولفت إلى ما رآه، في حرب يونيو، وهو الذي كان متفوقاً في الدراسة كمختص في التاريخ العسكري لفرق المظليين، وفي حرب النكبة. كما يتمتع بحظوة كبيرة عند المؤسسة الأمنية التي فتحت أمامه كباحث كل الأرشيفات والوثائق العسكرية المشفرة والسرية. وقال "ما رأيته كان مغايراً عن معارك النبي صامويل والقسطل واللطرون في حرب 1948، أو معركة المطلة في حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) وكنت قد أجريت أبحاثاً عن هذه المعارك خلال دراستي. وما عاينته في حرب يونيو لم يبد لي حرباً بل هو مطاردة بالنيران الحية وراء عدو يهرب. وعندما تحدثت عن ذلك في اللواء وفي الجامعة، تعاملوا معي كما لو كنت مجنوناً. أدركت أنه كي أصمد في المؤسسة التي أنتمي إليها، من المفضل أن أصمت. ولكنني لم أتمكن من الامتناع عن التفكير والبحث".



ومضى قائلاً إنه "إذا لم تكن هذه حرباً، فلمن يعود النصر؟ لقد تحدثت أخيراً مع أكثر شخص مطّلع وخبير بهذه الحرب، ومنهم الرجل الذي كان رئيس قسم عقيدة القتال لدى الجنوب على مدار أكثر من 20 عاماً، بني عامي درور. وهو شقيق الجنرال يعقوب عامي درور. وسبق له بعد الحرب أن كتب مقالات عدة حول ما دار فيها، أثار ضجة كبيرة في البلاد".

ونوّه ميلشتاين إلى أن "درور قال له إن حرب الأيام الستة كانت نصراً كبيراً، وهي أكبر نصر في التاريخ العسكري. وفي الوقت عينه فإن أداء الجيش الإسرائيلي المهني عسكرياً في هذه الحرب كان متوسطاً وأقلّ من ذلك. ومن الناحية المهنية يمكن القول: الحقيقة هي أن العرب هُزموا أكثر مما كنا نحن قد حققنا الانتصار". وتابع: "هذا التقييم ليس دقيقاً. صحيح أن الإنجاز البري لحرب يونيو كان هائلاً، وإسرائيل سعت لتحييد التهديد المصري السوري الأردني لأمنها. وقد ذاب هذا التهديد بسهولة، بسهولة كبيرة للغاية".

وبحسب ميلشتاين ما حسم الحرب هو عملية "موكيد"، التي أبادت القوات الجوية للجيوش العربية خلال 80 دقيقة وحسمت نتائج الحرب من الناحية الاستراتيجية، لكن باقي المعارك التي خاضها الجيش كانت معارك تكتيكية ولا أهمية لها، في مقابل عدو مصدوم. مع ذلك لم تهرب كافة وحدات العدو، ففي تل فاخر في الجولان مثلاً حارب السوريون جيداً، وسقط في المعارك 34 جندياً. الأمر نفسه ينطبق على معركة جفعات هتحموشيت، في القدس، قرب بيت حنينا شمالي القدس، فقد حارب الأردنيون جيداً وسقط 36 جندياً إسرائيلياً.

ولفت إلى أنه "مع أن هذه المعارك لم تكن مهمة من الناحية الاستراتيجية، إلا أن أداء الجيش فيها كان متوسطاً وضعيفاً ومليئاً بالأخطاء. وهو ما تجلى بعد ذلك بأشهر عدة في معركة الكرامة التي انتصر فيها الجيش الأردني، وفرّ الجيش الإسرائيلي بعد أن قُتل له 31 جندياً في المعركة".

ونوّه في هذا السياق، إلى أنه "لولا الصدمة التي سببتها الضربة الجوية، لكانت تمّت إبادة قوات المدرعات الإسرائيلية في الحرب التي كانت قد وصلت إلى مشارف بور سعيد قبل الوقت المتوقع لها، ولو لم يكن المصريون تحت وقع الصدمة لأبيدت هذه القوات". وسأل ميلشتاين "كيف انتصرنا إذا؟"، قبل أن يجد الجواب "لم يكن الجيش الإسرائيلي هو المنتصر في الحرب، لأن الحرب استمرت 80 دقيقة فقط، تمكن فيها سلاح الجو من كسر روح القيادة العربية. فبعد يوم من الصدمة أصدر المشير عبد الحكيم عامر أوامره للجيش المصري بالفرار من سيناء، وسحب الأردن كل قواته إلى شرقي النهر، أما سورية التي كانت أصلاً الذريعة لشن الحرب، فقد مكنت الجيش الإسرائيلي من احتلال غالبية أراضي الجولان في الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار".