مواجهة سلمية في ليبيا: "إجماع" لإبعاد الاقتتال عن طرابلس

02 ابريل 2016
تظاهرات داعمة للسراج في طرابلس (طه جواشي/فرانس برس)
+ الخط -
أسقط الفرقاء الليبيون في طرابلس، حتى الآن، كل التوقعات بمواجهة مسلحة بين أنصار رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج ومعارضيه، مع تراجع خطابات التهديد أمام توالي رسائل التهدئة ودعوات الحوار، لتتّجه الأوضاع إلى ما يمكن وصفه بـ "مواجهة سلمية" تتمسك فيها حكومة الغويل بموقفها من حكومة السراج، فيما يواصل الأخير مساعيه للإمساك بزمام الأمور وتثبيت سلطة حكومته على الأرض، وهو ما حاول أمس تكريسه من خلال أدائه صلاة الجمعة وسط طرابلس أو من خلال استمرار اجتماعاته بقوى ليبية فاعلة. وساد العاصمة هدوء حذر للغاية بين الطرفين المتنازعين، غير أن مراقبين للشأن الليبي يشيرون إلى هشاشة الوضع، وإمكانية انقلابه في أية لحظة إلى صيغ أخرى أكثر عنفاً.
وباتت الكثير من الأوراق في يد السراج بعد تطورات سياسية وضعت الأطراف الأخرى أمام الرأي العام الليبي والدولي، في موضع الداعم للحوار والرافض لإراقة الدماء الليبية، وتجنّب الاقتتال بين أفراد الشعب الواحد، ولكنها عكست في الوقت نفسه في رأي البعض، تسليماً بالأمر الواقع وبالمشهد الليبي الجديد الذي يمسك السراج بخيوطه.
الخطوة المفاجئة تمثّلت في إعلان متزامن لحكومة الإنقاذ التي يقودها خليفة الغويل، والمؤتمر الوطني الذي يرأسه نوري بوسهمين، عبر إصدار بيانين متزامنين يؤديان إلى النتيجة نفسها، وهي الدعوة للحوار ونبذ العنف. وأكد الغويل أنه لن يستخدم القوة ولن يحرّض على القتال بين الليبيين، مضيفاً في بيان نُشر على الموقع الرسمي للحكومة، لم يحمل توقيعه الشخصي، أنه "غير حريص على السلطة وسيبقى مدافعاً عن مبادئ ثورة 17 فبراير التي تنادي بدولة القانون ونبذ الدكتاتورية". وشدّد الغويل على أن اعتراضه على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "سيكون بالطرق السلمية والقانونية ومن دون استخدام القوة أو التحريض على القتال والصراع بين أبناء الوطن الواحد". وطالب بـ"إعطاء الفرصة لأبناء الوطن الخيرين من الثوار ومؤسسات المجتمع المدني والأعيان والعلماء لتقرير ما يرونه مناسباً لحقن الدماء وإيجاد مخرج من الأزمة التي تمر بها البلاد".
بموازاة ذلك، دعا المؤتمر الوطني العام، الذي يرأسه نوري بوسهمين، إلى الحوار والعمل على توسيع دائرة التوافق حول بعض القضايا الخلافية، خصوصاً ما أشار إليه مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني، مؤكداً أنه كان ولا يزال داعماً للحوار الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة. وأشار المؤتمر في بيان، إلى أن "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، لم يحظَ بالقبول والتوافق النهائي بعد، وعليه أن يسلك طريقاً يحظى فيه بالقبول ويكسب الشرعية وألا ينتهج منهج الانقلاب والعنف". وأكد أنه "إذا ادعى المجلس الرئاسي، امتلاكه السلطة أو قام بالاعتداء على مؤسسات الدولة أو المس بسير العمل فيها، فإنه يعد منقلباً على الشرعية والإعلان الدستوري"، معلناً أنه "يدعم الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة بين الليبيين". ودعا إلى ضبط النفس وتجنّب إراقة الدماء، محذّراً مما سماه بـ"الاصطفاف المسلح الذي سيجر البلاد إلى الانفلات والحرب الأهلية وإلى فوضى يصعب معالجتها".

ويدّل بيانا حكومة الغويل والمؤتمر الوطني على مسائل مهمة عدة، أولها توجيه رسائل إلى الخارج، عبر تأكيد الطرفين على الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة، وعدم الرغبة في المواجهة، والمعارضة السلمية واللجوء إلى القانون. أما الرسائل إلى الداخل فتمثّلت في التأكيد على مبادئ الثورة، وإتاحة المجال أمام "الوسطاء الخيّرين من الثوار والأعيان". أما أهم الرسائل فكانت إلى السراج نفسه، وشكّلت اختباراً لخياراته الحقيقية، وإن كان مشروعه الفعلي توسيع دائرة التوافق أم تضييقها، وإحراجه أمام الداخل الليبي تجاه نقاط عديدة، لعل أهمها موقفه من الثورة، ومن شكل المصالحة، وإن كانت عامة لا تستثني أحداً أم جاهزة سلفاً، ومن الدستور الجديد، وإن كان متصالحاً مع منتسبي التيارات الإسلامية أم لا، إضافة إلى موقفه من قائد الجيش التابع لبرلمان طبرق خليفة حفتر، الذي تعتبره بعض "كتائب الثوار" المساندة للسراج انقلابياً، في حين يعتبره آخرون خصوصاً في الشرق، "بطلاً لا حل من دونه".
وحصلت حكومة السراج على دعم جديد من المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، الذي قال في تصريح إن "عجز مجلس النواب عن اتخاذ قرار لن يوقف حكومة الوفاق من المضي قدماً". من جهته، فإن السراج أرسل بدوره رسائل واضحة، مع إعلانه عند وصوله إلى القاعدة البحرية في طرابلس أن الشريعة ستكون مصدراً أساسياً للتشريع، وأنه يريد المصالحة ولم يأتِ ليعاقب أحداً. ولكن رسالته الأهم كانت للمواطن الليبي، حين أكد عزمه تحسين الظروف الحياتية اليومية. وقال السراج إثر لقائه مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، إن "الاجتماع كان لحل مشكلة السيولة ولتوفير السلع الأساسية والأدوية وما يحتاجه المواطن ليحيا حياة كريمة".
واجتمع السراج أيضاً بعدد من مجالس البلديات، وبدأ سلسلة من الاجتماعات مع العديد من الجهات المالية، لوضع حد لمشكلة السيولة من جهة، ولطمأنة مجلس الأمن حول مسعاه لتوحيد المؤسسة المالية الليبية، ما سيقود إلى الإمساك بأهم خيوط اللعبة الاجتماعية والسياسية، المقدرات المالية. وكان مجلس الأمن قد عبّر عن استعداده لدراسة تغيير العقوبات المفروضة على المؤسسة الليبية للاستثمار، في حال تأكد في أقرب وقت أن حكومة الوفاق تمارس إشرافاً فعالاً ومنفرداً على المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي. وكان السفير الليبي لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، قد بعث برسالة لمجلس الأمن يوم الأربعاء طالبه فيها باستثناء المؤسسة الليبية للاستثمار من العقوبات، لمنع خسائر تقدر بمليار دولار.
ويحاول السراج، الذي أدى صلاة الجمعة وسط طرابلس، تهدئة الأوضاع وتثبيت سلطته على الأرض كأمر واقع جديد، ينبغي على الجميع التعامل معه، ولكنه يعي أن عليه الرد على رسائل حكومة الغويل والمؤتمر الوطني، ليتمكّن فعلياً من السيطرة على العاصمة، قبل أن يدير رأسه في اتجاه الشرق الصامت، وغير المعني في الظاهر بما يحدث في طرابلس، في حين يواصل حفتر معاركه في بنغازي وكأن شيئاً لم يحدث في العاصمة. ولكن ملف الشرق الليبي لا يمثل في الوقت الحالي أولوية السراج، ولكنه سيكون موضوعاً ينبغي عليه أن يحسمه إذا ما تمكن من إيجاد صيغ تنهي الأزمة في العاصمة، أو تحد من تداعياتها على الأقل.