حلّ "المؤتمر الوطني" السوداني: مسار الثورة يتواصل

27 نوفمبر 2019
خرجت عشرات المواكب المطالبة بحلّ "المؤتمر الوطني" (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -
في خطوة مهمة على طريق استكمال أهداف الثورة السودانية باقتلاع نظام عمر البشير بشكل كامل، أجاز مجلس الوزراء السوداني، أمس الثلاثاء، مشروع قانون يسمح بحل حزب "المؤتمر الوطني". وجاءت إجازة هذا المشروع الذي أعدّه تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في جلسة استثنائية عقدتها الحكومة أمس، تخللها إقرار مشروع تفكيك نظام البشير، الذي يتضمّن إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة، ومشروع قانون إعادة بناء المنظومة القانونية والعدلية الذي يهدف إلى إعادة بناء الأجهزة العدلية وتهيئتها للانتقال للمرحلة الجديدة، ومشروع تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/ حزيران 1989 وإزالة التمكين، والذي يتضمن حل حزب "المؤتمر الوطني". وقال وزير الثقافة والإعلام، المتحدث باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، في تصريحات إعلامية، إن القوانين الثلاثة ستكون سارية بمجرد إجازتها خلال اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، سيُعقد في اليومين المقبلين.
وأُسس حزب "المؤتمر الوطني" بنسخته الحالية ومسماه الحالي، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكن في حقيقته ما هو إلا امتداد لحزب "الجبهة الإسلامية" التي أسسها الراحل حسن الترابي في العام 1985، والتي هي أساساً امتداد لحركة "الإخوان المسلمين" التي دخلت البلاد من مصر في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

ونجحت "الجبهة الإسلامية" في العام 1989 في استلام السلطة عبر خلية سرية تابعة لها داخل الجيش السوداني كان يقودها عمر البشير، أطاحت عبر انقلاب عسكري بحكومة الصادق المهدي المنتخبة (1986-1989)، فقامت السلطة الجديدة بتأسيس حزب "المؤتمر الوطني"، وكانت الكلمة فيه لعراب الحركة الإسلامية الشيخ حسن الترابي.

في العام 1999، تسبّبت الخلافات بين الأمين العام للحزب، حسن الترابي، وعمر البشير، في حدوث أكبر انشقاق داخل "المؤتمر الوطني" انتهى بتأسيس الترابي حزباً جديداً هو "المؤتمر الشعبي"، بينما سيطر البشير تماماً على القرار في "المؤتمر الوطني" الحاكم، وذلك حتى إبريل/نيسان الماضي حين سقط نظامه عبر ثورة شعبية قادها تحالف "الحرية والتغيير" المعارض.

ومنذ ذلك الحين، توالت الدعوات لحل "المؤتمر الوطني"، وخرجت عشرات المواكب الضاغطة لحظر نشاطه ومصادرة ممتلكاته لصالح الدولة. لكن المجلس العسكري، تمسّك بالسماح للحزب بممارسة نشاطه فقط، مع منعه من المشاركة في عملية الترتيبات الانتقالية التي انتهت بتشكيل سلطة مدنية بشراكة بين المدنيين والعسكر.


وقال عضو اللجنة القانونية في تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، محمد الحسن عربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ حلّ حزب "المؤتمر الوطني" هو واحد من أهم مطالب الثورة والجماهير، ويراه التحالف إحدى أهم الخطوات التي يجب اتخاذها ضمن خطوات تفكيك النظام البائد، موضحاً أنّ كل ما يقوم به "الحرية والتغيير" في هذا الجانب يستند إلى الوثيقة الدستورية. 

وأوضح عربي أنّ مشروع القانون، الذي أقر أمس، يتضمّن فصلاً كاملاً ينصّ بصريح العبارة على حلّ حزب "المؤتمر الوطني" ومصادرة ممتلكاته وحلّ الهيئات والمنظمات التي تُعتبر واجهة للحزب ومصادرة ممتلكاتها، مع النص على إعفاء وفصل الموظفين في الخدمة المدنية والنيابة العامة والسلطة القضائية الذين حصلوا على الوظيفة عن طريق التمكين والولاء للنظام أو استخدموا الوظيفة نفسها لتمكين النظام. وأضاف أنّ مشروع القانون ينص كذلك على ملاحقة الأموال المنهوبة وحلّ النقابات والاتحادات المهنية وإلغاء قوانينها واستبدالها بقانون جديد، لافتاً إلى أنّ المشروع اقترح تشكيل لجنة تُمنح سلطات واسعة وتتألف من تحالف "الحرية والتغيير" ومجلسي الوزراء والسيادة، مهمتها الأساسية متابعة إزالة النظام السابق تماماً.
ورأى عربي أنّ قرار حلّ "المؤتمر الوطني" سيضع مسار الثورة في الاتجاه السليم، وستكون له جملة من الآثار الاقتصادية الإيجابية، كما يؤكد جدية الثورة بالالتزام ببرامجها، ويعطي إشارة واضحة بأن لا مجال للتراجع أو النكوص عن الأهداف الثورية المعلنة.

وأوضح أنّ قرار الحل يتناغم مع خطوات أخرى تم اتخاذها، أهمها التحقيق الذي بدأ بواسطة النيابة حول الانقلاب العسكري الذي قاده البشير في العام 1989، ومن خلال لجان تحقيق أخرى شكلها النائب العام في جرائم مثل إعدام 28 ضابطاً في العام 1990 وقتل المتظاهرين السلميين في سبتمبر/أيلول 2013، إضافة إلى لجنة التحقيق عن مجزرة بورتسودان عام 2005 ولجان أخرى للمفقودين، مبيناً أنه في السياق ذاته سيتم اختيار ولاة مدنيين للولايات بدلاً من العسكريين الحاليين.

ولم يستبعد عربي بروز ردود فعل خجولة من قِبل "المؤتمر الوطني" على قرار حله وحظر نشاطه، مشيراً إلى أنّ أنصار الحزب يعلمون تماماً أنّ حزبهم تحوّل إلى مؤسسة قمعية فاسدة استحقت الحلّ وأن الشعب السوداني نفسه أصدر قراره الخاص بذلك، مؤكداً أنّ الثورة قادرة ومستعدة للتصدي لأي رد فعل من قِبل الحزب البائد. وحثّ عربي من اعتبرهم غير المجرمين داخل "المؤتمر الوطني" والذين لم يتورطوا في الدماء ونهب الأموال، على الاستجابة لمناشدة سابقة لتحالف "الحرية والتغيير" بالانخراط في العمل السياسي وتحمّل المسؤولية والتعاون مع السلطات المختصة من أجل تحقيق العدالة واسترداد الأموال المنهوبة وبدء حياتهم السياسية من دون ديون سياسية وجنائية.

وفي السياق نفسه، كانت منظمة "زيرو فساد"، وهي جسم تطوعي، قد أودعت طلباً أمام مسجل الأحزاب، يقضي بحلّ "المؤتمر الوطني" بحجة استخدامه القوة المسلحة في السيطرة على الحكم، وتهديده المتظاهرين السلميين في الأشهر الماضية، باستخدام كتائبه للحيلولة دون سقوط النظام. غير أنّ المسجل لم يستجب للطلب وشطبه، ما دفع المنظمة للجوء إلى محكمة الطعون الإدارية في الخرطوم للطعن في قرار المسجل.

وكشف رئيس منظمة "زيرو فساد" نادر العبيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ محكمة الطعون الإدارية قبلت الطعن وأمرت بإعادة الأوراق لمسجل الأحزاب السياسية للمضي في إجراءات حلّ "المؤتمر الوطني"، مشيراً إلى أنّ الدعاية الإعلامية لحزب البشير سعت عبر الإعلام لتحويل القرار لصالحها وحاولت تشويهه وتصويره وكأنه جاء لصالح الحزب.

وأضاف العبيد أنّ قرار المحكمة واضح ووصف قرار مسجل الأحزاب بأنه "معيب ويخالف المادة 14 من قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية"، مؤكداً أنّ المنظمة ستقدّم كل المستندات المطلوبة في الفترة المقبلة، حتى تقنع مسجل التنظيمات الحزبية بالتحري والتوصية للمحكمة الدستورية بحل الحزب.

من جهته، رأى القيادي في الحزب "الشيوعي" السوداني، كمال كرار، أنّ "إجراءات حلّ حزب البشير تأخرت جداً، لأنّ ذلك الحزب هو رمز للتمكين والفساد والاستبداد واستغلال موازنة الدولة لأجندته الحزبية والأيديولوجية"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا الإجراء "هو فرصة لاسترداد الأموال المنهوبة".

ونفى كرار وجود تناقض بين شعارات الثورة في الحرية والعدالة وقرار حلّ "المؤتمر الوطني" الذي كان حاكماً، وأوضح أنّ "كل أصول الحزب في حقيقتها هي أصول الدولة وملك للشعب السوداني"، لافتاً إلى أنّ تأخير استردادها لنحو 7 أشهر "مكّن رموز النظام من إخفائها وتحويل ملكيتها لجهات أخرى".

أمّا الكاتب الصحافي المقرب من دوائر "المؤتمر الوطني"، عبد الماجد عبد الحميد، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الحزب "لن يقاوم كثيراً فكرة حلّه من الناحية السياسية، لإدراكه أنّ الخطوة طبيعية وجاءت بعد ثورة شعبية ضده"، مشيراً إلى أنّ "المقاومة الوحيدة ستكون قانونية ضدّ مصادرة الممتلكات".

لكن عبد الحميد أشار إلى أنّ أمام "المؤتمر الوطني" فرصة للعودة إلى المشهد السياسي بلافتة حزبية جديدة ربما تجمع كل التيارات الإسلامية التي تفرقت خلال سنوات حكم البشير، وأن تلك الواجهة ستعمل على إحداث تغيير على مستوى الأفكار والتنظيم، مؤكداً أنّ قناعة الحزب بالحلّ ربما تجد قبولاً وسط القواعد التي تعتقد أنه كان في حدّ ذاته عقبة أمام التطور الطبيعي للحركة الإسلامية في السودان.