لبنان "في العناية الفائقة": الاقتصاد يطوق السياسة

06 سبتمبر 2018
خسر لبنان دوره السياحي والاقتصادي (Getty)
+ الخط -
في لبنان لا حديث إلا عن ضرورة تأليف الحكومة العتيدة. بات الملف الشغل الشاغل للطبقة السياسية، على الرغم من أن أي خرق لم يسجل، فيما المراوحة هي السمة التي تطغى على حركة رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، بسبب التعنت والمحاصصة التي باتت تكبل المساعي والبلد. لكن على هامش الحكومة، الكل يدعو إلى تسريع التأليف، استناداً إلى مخاوف جدية على الوضع الاقتصادي، يتحدث عنها الجميع من دون استثناء، بعض في العلن، وبعض في السر، خوفاً من زعزعة الاستقرار في بلد يعيش منذ سبعة أعوام على حافته. ولم يقدم التقرير الأخير الذي نشرته مجلة "إيكونوميست"، محذرة فيه من الانهيار، جديداً لا تدركه الطبقة السياسية في لبنان. الفارق الوحيد أن الكلام الذي كان يسمعه المسؤولون في لبنان سراً، خلال بعض المؤتمرات الدولية واللقاءات الدبلوماسية الخارجية، بات على أوراق المجلات والصحف العالمية، وبطريقة وصلت حد السخرية.

وتقول مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "التقرير شغل الطبقة السياسية برمتها، لأنه ضرب صورة لبنان التي تدعي أنه نموذج في المنطقة"، مشبهاً التقرير الذي نشر بأزمة النفايات عندما نشرت صور لبنان في كل صحف العالم، ضاربة صورته كبلد سياحي. لكن بعيداً عن شكليات الصورة، تقول المصادر إن "أحداً في لبنان لا يجرؤ على الحديث علناً عن مدى سوء المرحلة التي وصل إليها لبنان، خوفاً من انعكاس ذلك قلقاً في الشارع، يؤدي بحد ذاته إلى أزمة". لكن في المقابل بات كل مسؤول لبناني يحذر من الانهيار، من وزير المالية علي حسن خليل، وصولاً إلى رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير. وانضم رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى المحذرين، إذ نقل نواب عنه قوله، خلال لقاء الأربعاء أمس، أن "أي طرف لا يستطيع أن يصل إلى ما يراه أو يريده في تشكيل الحكومة، وعلى الجميع دون استثناء أن يقدموا التنازلات لمصلحة الوطن والخروج من هذه الأزمة. فلبنان اليوم في غرفة العناية والوضع الاقتصادي خطير ولا يمكن تجاهل هذا الواقع، مع الإشارة إلى أن لبنان غير تركيا وإيران".

قلة في أروقة السياسة في لبنان لا تعترف بواقع بات أكيداً، لكن على الرغم من ذلك تعمدت بعض وسائل الإعلام، إضافة إلى بعض الشخصيات السياسية، الحديث عن تقرير "إيكونوميست" بأنه تهويل اقتصادي ومالي، وبأن التقارير الدولية والمحلية تؤكد استقرار البلاد. ويستند من يشيع الاطمئنان إلى بعض الآمال المعلقة، وتحديداً، تقول المصادر، المتعلقة بإعادة إعمار سورية، إضافة إلى تنفيذ إصلاحات مؤتمر "سيدر" ودخول مشاريعه التي تناهز قيمتها الـ12 مليار دولار حيز التنفيذ. ووفق ذلك ثمة من يدعو إلى الإسراع في تأليف الحكومة. وتعتبر مساعي تأليف الحكومة الخطوة الأولى في تلمس مدى جدية الطبقة السياسية، خصوصاً أن تقرير الـ"إيكونوميست" كان قد سخر من المساومة في توزيع الحصص والغنائم حكومياً فيما البلد يقترب من الانهيار. والحديث عن الفساد والمحاصصة أيضاً ليس جديداً. ومراراً سمع لبنان من البنك الدولي، والدول الكبرى، وكذلك خلال مؤتمر "سيدر"، كلاماً بخصوص الإصلاح والفساد. وحتى في الداخل اللبناني بات أي خطاب لأي زعيم لا يخلو من الإشارة إلى الفساد، وصولاً إلى بعض الوجوه الاقتصادية، مثل رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة، محمد شقير، الذي أكد أخيراً أن البلد لا يمكن أن يستمر بهذا الكم من الفساد.

كل ذلك لا يبدو أنه يجد آذاناً صاغية، وسط ما تصف المصادر بأنه "حفلة المحاصصة" خلال المشاورات لتأليف الحكومة، بدل التباحث في سياسات اقتصادية، وخطوات جدية لانتشال البلد. لكن الأدهى، بحسب المصادر أيضاً، أن شكل الحكومة المرتقبة سيسجل نقطة سوداء في سجلها قبل انطلاقها، بما أنها ستكون من 30 وزيراً، ما يعني بعث رسالة سلبية إلى العالم والمؤسسات الدولية بأن المحاصصة أهم من أي خطوات جدية لمعالجة الوضع الاقتصادي، بما أن عدد الـ30 وزيراً غير مبرر إلا في شق المحاصصة، والبلد، باعتراف الجميع، يحتاج إلى حكومة بحد أقصى من 20 وزيراً أو حتى 15. وخلال مؤتمر "سيدر" تعهد لبنان بمحاربة الفساد، لكن حتى اللحظة لا يبدو أنه التزم بأي خطوة جدية للقيام بهذا الأمر. وتستدل المصادر بخطوة استحداث وزارة دولة لشؤون محاربة الفساد، وبأنها خلال كل الفترة الماضية لم تقدم جديداً يمكن من خلاله التأكيد أن البلاد تنتقل إلى مرحلة جديدة، خصوصاً أن أحداً غير مقتنع بأن الطبقة السياسية، المتورطة في الفساد، يمكن أن تكافح الفساد، أو بتعبير آخر: "هل تحارب الطبقة السياسية نفسها".

وحتى الحديث عن إعمار سورية، يبدو واضحاً أن فيه الكثير من الآمال غير الواقعية. وتقول المصادر إنه بعيداً عن السياسة التي ستحدد مسبقاً تقاسم جبنة إعمار سورية بين الدول الإقليمية والدولية المشاركة في الصراع، يبدو الحديث عن استفادة لبنان من إعمار سورية مبالغاً فيه كثيراً، وكأن لبنان سيتحول إلى هونغ كونغ بين ليلة وضحاها، فيما الحقيقة تقول إن المستفيدَ الأكبر، في حال جرت رياح السياسة كما يشتهي البعض، بعضُ المستثمرين المحسوبين على الطبقة السياسية في لبنان. لكن في المقابل لا يبدو البلد بحالته الحالية بيئة خصبة ليكون منطلقاً لإعمار سورية، خصوصاً أن غالبية مرافق الدولة ومؤسساتها والبنى التحتية تعاني جدياً، وقاب قوسين أو أدنى من الانهيار، انطلاقاً من أزمة الكهرباء المستعصية والمستنزفة، وصولاً إلى مطار بيروت الدولي، وخدمات الإنترنت والاتصالات، وشبكة الطرق، والجامعة اللبنانية. وقد يندر أن تجد في لبنان مرفقاً أو قطاعاً بخير.

وتحدث تقرير "إيكونوميست" بإسهاب عن الأزمة اللبنانية، وعن العقارات، والمصارف، والمالية، والمديونية، لكن بنظر المصادر فإن ما يمر به البلد حالياً قد يكون أدق مرحلة في تاريخه اقتصادياً، خصوصاً أن لبنان خسر كل الأدوار التي كان رائداً فيها في المنطقة، لمصلحة دبي وغيرها اقتصادياً، واسطنبول سياحياً. وحتى دوره كملجأ للمضطهدين، وواحة لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، فقد خسره لمصلحة تونس. وتقول المصادر إن هذا يعني ضرورة البحث عن دور جديد للبنان، أو العمل على خط متواز لاستعادة بعض ما خسره البلد، على الرغم من أن هذا يبدو مستحيلاً في ظل هذه الطبقة السياسية، منتقدة حديث البعض وآماله عن عودة السياحة إلى لبنان متى عاد الهدوء إلى سورية، مذكرة أن أزمة السياحة ليست مرتبطة لا بسورية ولا بانقطاع السياح العرب، خصوصاً من الدول الخليجية، عن لبنان بسبب الأزمات السياسية الأخيرة، بل مرتبطة أساساً بأن البلد بات طارداً للسياح، وليس بلداً جاذباً، لا على صعيد البنى التحتية، ولا على صعيد البيئة، ولا أيضاً على صعيد ارتفاع الأسعار.

المساهمون