ورغم أن التقرير لم يذكر الدولة بالاسم، إلا أن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نقلت عن مصدر مطلع أن التحقيق ركز على دولة الإمارات.
وأمضت لجنة تابعة لمجلس الأمن شهورا تحقق في الهجوم بهدف تحديد الجهة المسؤولة عن المجزرة. وجاء في التقرير السري الموثق، والذي عرض على مجلس الأمن الأربعاء، أنه في وقت الهجوم، ووفقا لمصدر سري، شوهد عدد لا يعرف من طائرات الهجوم الأرضي من طراز ميراج 2000-9 تستخدم قاعدتي الخادم والجفرة الجويتين.
وقالت الأمم المتحدة إنه في عام 2017، قامت دولة الإمارات ببناء قاعدة الخادم الجوية ووفرت الدعم الجوي لقوات اللواء خليفة حفتر. وتملك الإمارات ومصر عدداً كبيراً من طائرات ميراج الحربية.
وقال ناطق باسم القوات المسلحة المصرية، إنه لا يرغب في التعليق على التقرير قبل أن ينشر بشكل رسمي، بحسب "بي بي سي".
وخلص التقرير إلى أنه من "المرجح جداً" أن الضربة الجوية نُفذت باستخدام صواريخ موجهة بدقة، أطلقتها طائرات تملكها وتشغلها دولة عضو في الأمم المتحدة تدعم بشكل مباشر قوات خليفة حفتر. ولم يذكر التقرير اسم الدولة لأن المحققين ما زالوا يجمعون الأدلة.
وحسب "بي بي سي"، فإنه يتم النظر في مسؤولية دولة الإمارات عن الهجوم، وهي الدولة الوحيدة التي تواصل معها محققو الأمم المتحدة لعلاقتها بالقواعد الجوية التي أقلعت منها الطائرات التي يعتقد أنها استخدمت في الهجوم.
وحملت حكومة الوفاق، مليشيات حفتر مسؤولية الغارة الجوية، ورغم أن قيادة قوات حفتر نفت في البدء مسؤوليتها عن القصف، إلا أن المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، اعترف ضمناً بالهجوم.
وفي سياق هذه المعلومات، أكد دبلوماسي ليبي رفيع مشاركة عدة قادة ليبيين في التحقيق الأممي الجاري بشأن الأطراف الخارجية المتدخلة في الصراع الليبي، مشيرا إلى أن فريق خبراء الأمم المتحدة انتهى إلى عدة نتائج على رأسها تورط فرنسي إماراتي في خرق قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وأكد الدبلوماسي الليبي لـ"العربي الجديد"، أن فريق الخبراء الأممي يحقق في التدخل الخارجي في ليبيا منذ مايو/أيار الماضي، ومن بين محطاته الرئيسية قصف مركز الإيواء.
وكشف الدبلوماسي نفسه أن معسكر حفتر "هو من يعرقل إتمام التحقيق بعرقلته مطالب فريق التحقيق لزيارة قاعدة الجفرة، التي تقع إلى جنوب طرابلس بنحو 550 كم للتأكد من خلوها من أسلحة وخبراء عسكريين أجانب".
ولفت إلى أن أعضاء الفريق الأممي يمتلكون أدلة وثيقة على مشاركة طائرات صينية مسيرة عن بعد في القتال الدائر جنوب طرابلس إلى جانب قوات حفتر، مشيرا إلى أنها طائرات يمتلكها الجيش الإماراتي.
وقال إن "فريق الخبراء استلم تقرير تحليل شظايا صواريخ من طراز Blue Arrow عثر عليها قرب أحد أحياء المدينة جنوب طرابلس أطلقت من طائرة صينية الصنع من طراز Wing Loong II"، لافتا إلى أنه دليل استندت إليه وزارة الخارجية بحكومة الوفاق عند تسليمها خطابا رسميا للصين، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تطالبها فيه بالتحقيق في "وجود الطائرات الصينية المسيرة المباعة للإمارات"، مؤكدة لبكين أنها طائرات تقصف المدنيين الليبيين.
وتابع الدبلوماسي بالقول إن الأمم المتحدة "باتت على يقين بأن دعم حلفاء حفتر لم يكن سياسيا فقط، بل تجاوزه إلى الدعم العسكري المباشر"، مؤكدا أن "حججا قدمتها دولة الإمارات من جانبها لتبرير وجود طائرات من طراز ميراج 2000-9 الإماراتية في ليبيا".
وأوضح أن "الإمارات أبرزت عقدا أبرمته مع ليبيا 2012 لشراء طائرات الميراج المطورة في الإمارات لكن الجانب الليبي أثبت عدم تمام تلك الصفقة التي كانت بموجبها ستسلم أبوظبي الطائرات إلى ليبيا عام 2015 لكنها أنزلتها في قاعدة الخادم لدعم حفتر"، لافتا إلى أنها صفقة أجبرت ليبيا على توقعيها بضغط فرنسي ضمن صفقة فرنسية إماراتية تبيع باريس بموجبها عددا من طائرات رفال للإمارات".
وذكر الدبلوماسي أن "طائرات الميراج الإماراتية التي حطت في الخادم هي "من طراز 2000 ead المقاتلة وطراز 2000 rad ذات المهام الاستطلاعية".
وعن تسريبات "بي بي سي" بشأن إمكانية تورط الإمارات في قصف ملجأ للمهاجرين في تاجوراء، أكد الدبلوماسي أن الأمم المتحدة "كانت مرتبكة بشأن الحادثة، فقد اتهمت في السابق حراسات المركز بإطلاق النار على مهاجرين حاولوا الفرار بعد القصف، ثم أعلنت أنها غير متأكدة من الجهة التي قصفت المركز، رغم أن الاعتراف سيد الأدلة، فقيادة حفتر اعترفت بأنها قصفت المكان".
وأكد أن فريق الخبراء "متأكد من أن حفتر متورط في قصف المقر، لكن قادة بالجيش الليبي من منظومة الرادارات قدموا أدلة مشابهة لما عند فريق التحقيق الأممي تثبت أن قصف المركز نفذته طائرة ميراج من طراز 2000 ead وهو طراز متعدد الأغراض ومن الثابت أن الإمارات وفرت لحفتر في قواعدها بليبيا هذا الطراز".
وفيما قلل الدبلوماسي الليبي من شأن تأثير إثبات تورط الإمارات ودول أخرى في دعم حفتر عسكريا على مسار الأحداث في ليبيا في الوقت الحالي، لافتا إلى صدور تقارير أممية سابقة أثبتت بناء الإمارات قاعدة متكاملة لها في شرق ليبيا، إلا أنه لفت إلى تغيرات جديدة في المشهد الليبي.
وقال إن "التغير الأميركي جاء بسبب انخراط روسي في ليبيا مقلق بالنسبة لها، ولذا فهي تركز بشكل كبير على ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن بشأن تدفق الأسلحة إلى ليبيا"، لافتا إلى وجود توافق أميركي مع بعض الدول الأوروبية بشأن منع تزايد النفوذ الروسي في ليبيا.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة تعليقاً على المجزرة حينها، إن الغارة الجوية يمكن أن ترقى إلى مستوى جريمة حرب، لأنها "قتلت فجأة الأبرياء الذين أجبرتهم ظروفهم القاسية على أن يكونوا في هذا المأوى". وأضاف: "عبثية هذه الحرب الدائرة وصلت بهذه المقتلة الدموية الجائرة إلى أبشع صورها وأكثر نتائجها مأساوية".
ولقي الحادث المروع شجباً واستنكاراً محلياً ودولياً واسعاً، إذ طالبت الأمم المتحدة وعدد من الدول بضرورة فتح تحقيق عاجل ومستقل لمعرفة الجهة المسؤولة عن القصف، فيما طالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات دولية أخرى بضرورة بدء التعاون مع السلطات الليبية لإعادة المهاجرين لأوطانهم، وحث دولهم على استقبالهم وإغلاق مراكز الإيواء في ليبيا.
وتخضع ليبيا لحظر الأسلحة منذ عام 2011. ووقعت دولة الإمارات في أغسطس/ آب الماضي على وثيقة تقضي بالتزامها بالحظر بجانب المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة.