مع الانحسار المتزايد لتنظيم "داعش" في الشرق السوري، يشتد التنافس على تركته بين النظام ومليشياته من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية" من جهة أخرى. ويتجه هذا التنافس إلى التصادم خاصةً بشأن السيطرة على حقول النفط والغاز، وعلى مراكز المدن والمناطق الحدودية، في ضوء إعلان النظام المتكرر نيته فرض سيطرته على كامل المناطق السورية، بينما تسعى المليشيات الكردية إلى توسيع مناطق "الإدارة الذاتية" التابعة لها، والتي ضمت إليها أخيراً مدينة الرقة.
وبعد لغط حول سيطرة قوات النظام على حقل "العمر" النفطي، في ريف دير الزور الشرقي، والذي يعد أكبر حقول النفط في سورية، أعلنت "قوات سورية الديمقراطية" صباح أمس الأحد، بشكل مفاجئ سيطرتها على الحقل الذي أعلنت قوات النظام يوم السبت، أنها سيطرت عليه نارياً. وجاء في بيان "سورية الديمقراطية" أن قواتها تمكنت من فرض السيطرة بشكلٍ كاملٍ على حقل العمر في إطار عملية "عاصفة الجزيرة" التي تخوضها ضد "داعش". ونفت المليشيات الكردية الأنباء التي ترددت حول سيطرة قوات النظام السوري على الحقل النفطي التابع لمدينة الميادين شرق دير الزور، وذكرت أن النظام "توقف على بعد 3 كيلومترات من الحقل".
ورأى مراقبون أن سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" على الحقل النفطي بدت مفاجئة وغير مفهومة، لا سيما أن تلك المليشيات كانت حتى يوم السبت، بعيدة عنه نحو 20 كيلومتراً عقب عبورها نهر الخابور إلى الضفة الشرقية، بينما كانت قوات النظام التي تقدمت من مواقعها في قرية ذيبان شمال نهر الفرات على مقربة منه وأعلنت أنها تحاصره نارياً. وسبق لهذه "القوات" أن سيطرت على حقلي "الجفرة" للنفط و"كونيكو" للغاز مطلع الشهر الحالي، إضافة إلى سيطرتها على معظم حقول محافظة الحسكة التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط في البلاد بعد محافظة دير الزور، ما يحرم النظام من موارد هامة.
وفي إطار هذا التنافس بين الجانبين، قال الأمين القطري المساعد لحزب "البعث" في سورية، هلال هلال، إن الرقة ستعود لسيطرة النظام السوري. وخلال وجوده بريف الرقة الجنوبي في جولة تفقدية، أكد أن قوات النظام ستعيد السيطرة على كامل الرقة، من دون أن يحدد ما إذا كان ذلك سيتم عبر مواجهات عسكرية أم بطرق أخرى. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" أعلنت في بيان لها أن مدينة الرقة ستكون جزءاً من سورية "لامركزية اتحادية"، يقوم فيها أهالي المحافظة بإدارة شؤونهم بأنفسهم. في المقابل، وصف عضو البرلمان التابع للنظام السوري، صفوان قربي، موقف "سورية الديمقراطية"، بأنه دعاية إعلامية وسياسية، وشكل من أشكال استعراض العضلات، بحسب تعبيره. وقال قربي في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية إن سيطرة "سورية الديمقراطية أمر مؤقت لن يطول كثيراً، على الرغم من كل محاولات تعظيم وجود القبائل العربية ضمن تلك القوات"، مشيراً إلى أنه "لا بد من وجود إدارة محلية شعبية بعيدة عن التجاذبات السياسية، ترعى إعادة هذه المحافظة إلى الدولة السورية".
في غضون ذلك، عيّن النظام السوري العميد غسان طراف، قائداً لقوات "الحرس الجمهوري" في محافظة دير الزور، خلفاً للعميد وائل زيزفون، الذي قتل يوم السبت في منطقة حويجة صكر، بعد 48 ساعة على تكليفه مؤقتاً بتولي القيادة خلفاً للعميد عصام زهر الدين، الذي قتل أخيراً. وذكرت مصادر النظام أن طراف أرسل إلى دير الزور في مارس/آذار 2016 من أجل الإشراف على العمليات العسكرية، وهو يرأس مجموعات "القاسم" التي تشارك في معارك دير الزور كقوات رديفة، إضافةً إلى "قوات الصاعقة" التي شاركت في العمليات العسكرية سابقاً، في كل من جبال القلمون في ريف دمشق، ومدينة الشيخ مسكين في درعا. وحسب مصادر متعددة، فقد قتل 25 عنصراً من قوات النظام، خلال اليومين الماضيين، جراء معارك مع "داعش" في محافظة دير الزور بينهم عدد من الضباط.
معاناة النازحين مستمرة
وعلى الصعيد الإنساني، تتواصل محنة النازحين في محافظة دير الزور، وقد وصل البعض منهم إلى ريفي إدلب وحلب الغربي بعدما ضاقت بهم المخيمات الموجودة في المنطقة. ونشرت شبكة "فرات بوست" صوراً لأطفال ونساء من أبناء دير الزور مصابين بأمراض السحايا والجرب وأمراض لم يتم تشخيصها بعد، وهي صور وصلتها، بحسب الشبكة، من نازحين في مخيم السد بريف الحسكة الجنوبي. ووثقت منظمات طبية الكثير من حالات الإصابة بأمراض الجرب والأكزيما وأمراض أخرى لم تكشف التحاليل الطبية ماهيتها حتى الآن، في ظل عدم توفر الدواء الكافي وضعف قدرة الكوادر الطبية على التعامل مع هذه الأمراض. ويقع مخيم السد في ريف الحسكة الجنوبي ضمن منطقة صحراوية على بعد كيلومترين من نهر الخابور، ويخضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية". وقد فرّ إليه وإلى غيره من المخيمات في محافظة دير الزور آلاف النازحين من أبناء المحافظة الذين هربوا جراء المعارك وعمليات القصف الجوي والمدفعي.
وبشأن التطورات في محافظة الرقة المجاورة، التي سيطرت عليها "قوات سورية الديمقراطية" قبل أيام، برز موقف أميركي رسمي يمهد ربما لجولة جديدة من الكباش بين واشنطن وموسكو بشأن الملف السوري. فقد أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة ستبدأ قريباً مرحلة جديدة من سياستها تجاه الأزمة السورية. وأوضح ترامب، في بيان صدر عنه بمناسبة طرد "داعش" من الرقة، أن هذه المرحلة ستشمل دعم القوات المحلية وخفض مستوى العنف وتوفير ظروف السلام في سورية. واعتبر أن "دحر داعش في الرقة يمثل اختراقاً بالغ الأهمية في حملتنا العالمية لتدمير داعش وأيديولوجيته المعادية للإنسان"، وفق تعبيره.
من جهتها، شككت وزارة الدفاع الروسية في نيات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بعد إعلانها تخصيص تمويل بشكل عاجل لمدينة الرقة. وقال الناطق باسم الوزارة، إيغور كوناشينكوف، إن بلاده ترحب بتقديم المساعدات لإعادة إعمار الرقة، لكن مواقف الدول الغربية تثير التساؤلات، على حد تعبيره. وأشار إلى أن روسيا ناشدت مراراً خلال السنوات الماضية الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية لإرسال مساعدات إنسانية إلى السوريين المتضررين من الحرب، لكنها ظلت ترفض ذلك. وتساءل "ما الذي دفع الغرب الآن لتقديم المساعدات بشكل مستعجل بالتحديد لمدينة الرقة"؟ ورأى أن سبب هذه الخطوة يعود إلى "الرغبة في إخفاء آثار القصف الوحشي لطيران التحالف الدولي والأميركيين بسرعة، هذا القصف الذي دفن تحت الأنقاض في الرقة آلاف المدنيين المحررين من تنظيم داعش"، حسب تعبيره.
وقارن المسؤول الروسي مدينة الرقة بمدينة درسدن الألمانية عام 1945، التي تم تدميرها بالكامل تقريباً بالغارات البريطانية والأميركية، مشيداً بالمقابل بعملية استعادة قوات النظام السوري معظم محافظة دير الزور المجاورة للرقة بدعم جوي روسي، لكنه لم يشر إلى حجم التدمير الذي رافق هذه العملية.