رسائل قطر في "منتدى الدوحة": الأزمة الخليجية لم تعد ملحّة

16 ديسمبر 2018
أمير قطر: الحوار يجسر الهوة بين الفرقاء(كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -
تناولت كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في افتتاحه أمس السبت منتدى الدوحة الثامن عشر، جملة من القضايا والتحديات التي تشغل العالم. وبعد أن شدد على احترام التعدد، وإعلاء قيمة الحوار، والاهتداء بالقيم الجامعة في حل المشكلات والأزمات، اختتم الأمير كلمته بالإتيان على أزمة الخليج الراهنة، والمتمثلة بحصار دولة قطر.  وهنا أكد الأمير على أن استعداد قطر للحل والحوار مع السعودية لم يتغير، وغير مرتبط بقضية الصحفي جمال خاشقجي، ولن تستغل هذه القضية. ما يعني أن القيادة السياسية في الدوحة تنظر إلى هذه الأزمة بالمنظار نفسه الذي تحتكم إليه في تشريح قضايا العالم كلها، وهو المنظار الذي ينبذ الإقصاء، ويؤكد الحوار والوسائل السلمية في حل النزاعات سبيلاً إلى إنهاء أي خلاف، وأي تأزم، في أي شأن.

وقد يحمل إنهاء الشيخ تميم كلمته بالإتيان على أزمة الخليج، إشارة إلى أن هذه الأزمة لم تعد شديدة الإلحاح لدى صانع القرار القطري، وأن سعي الدوحة إلى حل الأزمة بإنهاء الحصار الذي فرضته الإمارات والسعودية والبحرين عليها لا يعني أن دولة قطر غير معنيّة بقضايا العالم ومشكلاته والمستجدات المتتابعة فيه، بل على العكس، فهي تساهم بما تستطيعه من وسائل لإيجاد السبل التي تساعد في حل هذه المشكلات، استرشاداً برؤيتها التي تقوم على أولوية الاستقرار في الدول، وضرورة تمتع المجتمعات بالأمن والعدالة وتنمية مقدراتها وإمكاناتها. وقد لاحظ ضيوف منتدى الدوحة، والذي أطلق في عام 2000، وهم رؤساء دول ووزراء وخبراء ورجال سياسة واقتصاد وإعلام، هذا الأمر الجوهري في كلمة أمير قطر، والتفتوا إلى الدلالة غير الخافية في أن تكون أزمة الخليج الراهنة آخر قضايا هذه الكلمة.

قبل تجديده الترحيب بالمنتدين، ومخاطبته لهم بأنه يأمل أن تسهم أعمال منتدى الدوحة في "بلورة الرؤى بشأن كيفية التعامل مع القضايا والموضوعات المهمة المطروحة للنقاش فيه"، وبعد تأكيده أن "الحوار هو الذي يجسر الهوة بين الفرقاء، مهما اشتدت الخلافات، وهو نقطة الابتداء ونقطة الانتهاء في هذا الزمن الصعب"، قال أمير قطر إن ذلك ينطبق على أزمة الخليج المتمثلة بحصار بلاده، الأزمة التي "لم يتغيّر موقفنا في حلها، برفع الحصار، وحل الخلافات بالحوار القائم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، فمسألة التعايش وحسن الجوار بين الدول منفصلة عن أية قضايا أخرى".

والرسالة هنا شديدة الوضوح لمن يراهن من أهل الحكم والقرار في أبوظبي والرياض على أي تراجع من الدوحة عن ثوابتها المبدئية في معالجة الأزمة، ذلك أن القيادة القطرية أبدت، في شهور الحصار الثمانية عشر التي مضت، مقادير كافية من المرونة بشأن الاستعداد للحوار، من دون أي تنازل عن مبدأ عدم التدخّل في شؤون بلادها الداخلية. وهذا بالضبط هو الأساس التي تقوم عليه جهود أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في وساطته من أجل إنهاء الأزمة التي قامت على اتهامات لم يقدّم أي من أطراف الحصار الأربعة أي دليل عليها إلى الوسيط الكويتي.

وتقدّمت في كلمة الشيخ تميم بن حمد القضية الفلسطينية وأوضاع العراق وانتفاضات الربيع العربي، وكذلك قضايا البطالة ومشكلات الهجرة والأمن المجتمعي والأمن الغذائي، وكذلك رفض العنصرية ونبذ التطرف والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، على أزمة الخليج، ما قد يكون من أسبابه، إضافة إلى الرسالة التي يشتمل عليها هذا الأمر، أنه ليس متوقعاً أن تشهد هذه الأزمة انعطافة نحو حل ما، في المدى الزمني المنظور. والشواهد على ذلك غير قليلة، ولا تتوقف، ومن ذلك مسارعة وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، إلى التغريد معقّباً على كلمة أمير قطر، باتهام الدوحة مجدداً بـ"عدم الكفّ عن التآمر"، وبأنها تهاجم دول الخليج وقياداتها على مدار الساعة.


كما دخل وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على خط الهجوم على الدوحة، متهماً قطر بازدواجية المعايير، قائلاً عبر "تويتر" إن "أمير قطر يرفض التدخل في شؤونه الداخلية ويتمسك عبر سياسات بلاده بالتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه ودول المنطقة". وادعى أن "المحاولات المستميتة لتوسل الحلول عبر العواصم الغربية لم تنجح، ولم تكن في حد ذاتها سياسة مقنعة، ومع هذا تستمر الدوحة تحت الحماية التركية والإيرانية في العمل ضمن نفس النسق اليائس".

ولم يكن المراقب للحظة الخليجية الحالية الساخنة في حاجة إلى منصة "تويتر" لمصادفة كلام الوزيرين البحريني والإماراتي ليعرف أن الأجواء على جمودها، وأن "حلحلة" الأزمة الخليجية ما زالت أمراً مستبعداً. الأمر الذي أوجزه وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مشاركته في منتدى الدوحة نفسه، بعد كلمة الأمير الشيخ تميم، ما قد يجيز الذهاب إلى أن الوزير إنما بادر إلى تفصيل أوفى بشأن اللحظة السياسية كما هي. وقد حسمت كلمة الأمير أن لا تغيير في موقف قطر، وهو الاستعداد التام للحوار، مع رفع الحصار، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

أوجز الوزير القطري وصف الوضع القائم بين بلاده ودول الحصار بأن هناك عناداً كبيراً من هذه الدول، وأن دولة قطر تابعت مساراتها على جميع الأصعدة، وفتحت مسارات اقتصادية جديدة، وخطوطاً بحرية وجوية جديدة، في وجه الحصار. كما أكد مجدداً أن "الحوار هو الوسيلة لردم الهوة بين دول مجلس التعاون الخليجي، على أساس سيادة كل دولة وصالح كل دولة، وهو مسار الحل". واستمع حضور منتدى الدوحة وضيوفه من الوزير محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى تشخيص لحالة مجلس التعاون، الذي "ليس لديه القوة"، و"يجب أن يتفق الجميع على القواعد الملزمة وتتّبع آلية واضحة لفض النزاعات، وتكون مسؤولة عما تقوم به".

ولعلها المرة الأولى التي تنتقد فيها الدوحة عدم الاكتراث الكافي من الدول الغربية بما أحدثته دول الحصار من انتهاكات لحقوق الإنسان في الإجراءات التي اتخذتها بحق أبناء مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً من الشعب القطري، الذي قال الوزير إن الجرح أصبح عميقاً بين أفراده، وليس من السهل تضميده سريعاً. وأضاف الوزير "ما أزعجنا في بداية الحصار أن القيم التي تروّجها الدول الغربية تم التخلي عنها، لا سيما ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان".
وكان منتدى الدوحة قد أطلقه أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في العام 2000، "منصة حوار عالمية"، واختار لدورته الثامنة عشرة التي تُختتم اليوم الأحد عنوان "صنع السياسات في عالم متداخل".