ماذا وراء تأييد مؤسسة الأزهر الحملة ضد قطر؟

12 يونيو 2017
يختار الطيب رجاله المقربين للسفر إلى دول معينة(سامر عبدالله/الأناضول)
+ الخط -
فوّتت مؤسسة الأزهر فرصة نادرة لإرساء استقلالية نسبية عن السلطة السياسية المصرية، ومن خلفها من يدعمها سياسياً ومالياً في عاصمتين خليجيتين، وذلك عندما قررت السير في ركب الحملة العدائية التي يشنها محور الرياض ــ أبو ظبي ضد الدوحة. ويعتبر مصدر في المؤسسة نفسها، تحدث لـ"العربي الجديد"، طبعاً من دون الكشف عن هويته "في ظل هذه الأجواء الترهيبية" على حد تعبيره، فإن إعلان الأزهر، مساء الثلاثاء الماضي، عن تأييده ودعمه لقرار الدول العربية الأربع (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، يجدد التأكيد على الدور التي تؤديه المؤسسة الدينية الأقدم في العالم الإسلامي لخدمة سياسات ومصالح سلطات سياسية، وهو ما يتنافى مع رسالة الأزهر الأساسية، وهي نشر تعاليم الدين الإسلامي وخدمة المسلمين كافة من دون تفرقة، وفقاً لمصدر في المؤسسة نفسها، تحدث إلى "العربي الجديد".

وجاء في بيان، صدر بصورة مفاجئة وعاجلة، في ثاني أيام الحملة العدائية، أن الأزهر يتابع عن كثب التطورات التي تشهدها الساحة العربية خلال الأيام الماضية، و"يؤكد تأييده ودعمه للموقف العربي المشترك في قراره بمقاطعة الأنظمة التي تقوم بدعم الإرهاب، وتأوي كيانات العُنف وجماعات التطرف، وتتدخل بشكلٍ سافر في شؤون الدول المجاورة واستقرارها وأمن شعوبها". وأكد الأزهر، في بيانه، "دعمه لكافة الإجراءات التي اتخذها القادة العرب لضمان وحدة الأمة العربية، والتصدي بكل حزم وقوة لمخططات ضرب استقرارها، والعبث بأمن أوطانها"، متطلعاً لمضاعفة جهود الأمة العربية "لوقف المحاولات المغرضة التي تمارسها الأنظمة الشاردة، بما يشكل خطراً على أمن الإقليم العربي واستقراره"، متمنياً أن "تفيق هذه الأنظمة من غفلتها، وأن تعود إلى رشدها وإلى أهلها وبيتها".

وتعليقاً على البيان، قال مصدر رسمي من داخل مشيخة الأزهر، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتدخل مؤسسة الأزهر في هذا الشأن، لأنه في نهاية الأمر يعتبر خلافاً سياسياً بين الدول لا يجب أن يتدخل فيه الأزهر، ولا سيما أن مسألة قطع العلاقات مع الشقيقة قطر سيترتب عليها ضرر مباشر بمواطنين مسلمين، لا يليق بالأزهر أن يحمل وزرهم". وربط المصدر موقف مشيخة الأزهر، والإمام أحمد الطيب، بحزمة من القرارات والحوافز، بعضها داخل مصر من قبل الدولة، وبعضها من الخارج، وخصوصاً من السعودية والإمارات. وأوضح المصدر أن رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، في اليوم ذاته، في 5 يونيو/ حزيران الحالي، الذي قطعت فيه مصر والسعودية والإمارات والبحرين العلاقات مع قطر، أصدر قراراً، مستخدماً صلاحيات رئيس الجمهورية التي منحها له في بعض الاختصاصات، وتم بموجبه تعيين الدكتور محمد المحرصاوي، المحسوب على جبهة الطيب، رئيساً لجامعة الأزهر لمدة أربع سنوات. وأشار إلى أن مسألة تعيين رئيس جامعة الأزهر كانت نقطة خلاف دائمة بين الطيب والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إذ كانت رئاسة الجمهورية ترفض إصدار قرار بتعيين رئيس الجامعة الذي يختاره الطيب، وكان شيخ الأزهر يكتفي باستخدام صلاحياته المحدودة وانتداب أحد الأساتذة للقيام بمهام رئيس الجامعة، وكان آخرهم المحرصاوي، قبل تعيينه رسمياً عبر قرار من رئيس الوزراء. وكان الدكتور محمد محمود أبو هاشم، أقدم نواب رئيس جامعة الأزهر، قد تقدم بدعوى قضائية ضد الطيب، وادعى أنه قد تخطاه في اختيار رئيس الجامعة، مخالفاً قانون الدولة بتعيينه محمد المحرصاوي، إذ ينص القانون على أنه يتم تكليف أقدم النواب بتسيير أعمال الجامعة عند غياب الرئيس، ويُعين بقرار من رئاسة الجمهورية. والمعروف أيضاً أن محمد أبو هاشم من المحسوبين على جبهة وزير الأوقاف، الموالية تماماً للسيسي والأجهزة الأمنية، لكن على الرغم من ذلك انحازت الدولة إلى رغبة الطيب، وقامت بتعيين المحرصاوي.


وأشار المصدر إلى الابتعاثات التي تسافر من رجال الأزهر إلى مختلف الدولة الإسلامية. وأكد أنه "على الرغم من أن تلك البعثات تتم بشكل قانوني، ويحصل علماء الأزهر، من خلالها، على مقابل مادي، إلا أنها تتم في كثير من الأحيان عن طريق المجاملة، إذ يختار الطيب رجاله المقربين للسفر إلى دول بعينها، خصوصاً الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات". وقال إن "المبالغ الكبيرة التي يحصل عليها رجال الطيب من تلك الابتعاثات، رغم قانونيتها، إلا أنها قد تشكل نوعاً من الانحياز لدى رجال الأزهر باتجاه سياسات تلك الدول". وأشار إلى حرص هذه الدول على استضافة مشايخ ورجال الدعوة الإسلامية وخريجي الأزهر لزيارة بلدانهم في رمضان، وذلك من باب التعرف على أدبيات صوم الشهر، مضيفاً أن الأموال الضخمة التي تغدق عليهم في زياراتهم للخارج خلقت تنافساً لا يليق بمشايخ وقيادات الأزهر. وقال إن "مكرمة" دولة الإمارات تأتي في صدارة الأهداف التي يتنافس عليها رجال الأزهر في الجولات الخارجية في رمضان من كل عام، إذ تخصص الإمارات، في رمضان من كل عام، ما يسمى داخل الأزهر بـ"مكرمة" رمضان، والتي تشمل استضافة دبي لعدد من رجال الأزهر في مساجدها الكبرى، بناء على دعوات رسمية من الإمارات للأزهر، لإلقاء دروس دينية، وفي المقابل يحصل الإمام الأزهري على مقابل مادي يصل إلى 100 ألف دولار لكل فرد. وأوضح أن مشيخة الأزهر تختار في الغالب المقربين من شيخ الأزهر الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب.

وأكد أن وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، أكثر المقربين من الطيب، وصاحب الدور الأبرز في صناعة القرار داخل المشيخة، اعتاد السفر في هذه البعثات خلال السنوات الماضية وما زال يسافر حتى الآن، وكذلك الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر، الدكتور مؤمن متولي، والقائم بأعمال رئيس الجامعة السابق، الدكتور إبراهيم الهدهد، والقائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر السابق، الدكتور أحمد حسني، ومستشار شيخ الأزهر مسؤول الرواق الأزهري، الدكتور محمد مهنا، وعميد كلية أصول الدين، الدكتور عبد الفتاح العواري، وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بجامعة الأزهر، الدكتور جاد الرب أمين، وعدد من أساتذة جامعة الأزهر. وأشار المصدر إلى رحلات الحج التي تنظمها السعودية لقيادات مشيخة الأزهر، إذ تقوم المشيخة بدورها باختيار هؤلاء الأشخاص بسبب صلاتهم بصانعي القرار داخل المشيخة ومدى الولاء والطاعة، وليس عبر التوزيع العادل بين علماء الأزهر. وأضاف أن السعودية تتكفل بكل شيء خلال هذه الرحلات، بداية من التأشيرات وحتى الإقامة.

من جهته، قال الأستاذ في جامعة الأزهر، الدكتور إسماعيل علي، في تصريحات صحافية، إن المتأمل في بيان الأزهر يجد، للوهلة الأولى، أنه ليس بياناً علمياً، إنما هو بيان من جهة سياسية أو مخابراتية أمنية، أو إحدى غرف العمليات التي تدير الحرب المعلنة على قطر في عواصم الدول التي تتولى المقاطعة والحصار، وكأن الذي كتب بيان الأزهر هو نفسه من كتب بيان رابطة العالم الإسلامي، الذي يؤيد قرار المقاطعة، ويؤكد على أنه إجراء "جاء وفق المقتضى الشرعي والقانوني والمنطقي حيال الممارسات التي تستهدف أمن واستقرار الدول، من خلال إيواء ودعم المنظمات والجماعات الإرهابية"، كما زعم بيان رابطة العالم الإسلامي. وأضاف أن البيان يتناول شأناً سياسياً بامتياز، والتصدي له من اختصاصات وزارة الخارجية ونحوها، فأين من ينادي بعدم تدخل المؤسسات الدينية في السياسة الآن؟ وتابع "أما وقد سُمِح للأزهر والمؤسسات والشخصيات الدينية، مثل رابطة العالم الإسلامي، بالخوض في هذا الشأن السياسي، فقد كان الأجدر بهم أن يصح عزمهم، وتخلص نيّاتُهم، وتتوجه جهودهم نحو الإصلاح، والعمل على رأب الصدع، ورتق الفتق، ولم الشمل، وتقوية الترابط بين البلدان الإسلامية".