سورية والمقايضة الملغومة الروسية الأميركية

23 نوفمبر 2017
ينتقل بوتين لدور مهندس التسوية بمباركة ترامب (Getty)
+ الخط -
حسم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب الأمر، وسلّم بالدور القيادي الدبلوماسي الروسي بشأن الأزمة السورية. جرى ذلك بمقايضة، حسب المعلومات الأميركية، تحتفظ بموجبها واشنطن بوجودها العسكري لفترة، في شرق سورية لمواصلة ملاحقة "داعش" الإرهابي، وفي المقابل تتولى موسكو، وبمباركة البيت الأبيض، تسويق مشروعها السياسي لحل الأزمة.

ينهض المشروع في آخر المطاف على صيغة، المقايضة أيضاً، القبول ببشار الأسد إذا تم انتخابه بناءً على دستور جديد، مقابل مشاركة أطراف المعارضة بالحكم.

وبذلك، ينتقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن إلى دور مهندس التسوية، وبمباركة نظيره ترامب، فبعد ضرب قوات المعارضة، وتحوّل "داعش" إلى فلول، يطلق بوتين ورشته الدبلوماسية لترجمة مكاسبه العسكرية. ويحصل ذلك في اللحظة المناسبة، ولو أن نجاحه فيها غير مضمون.

لكن على الأقل وفّر لتحرّكه الظروف الدولية والإقليمية المؤاتية، ضمن موافقة ترامب على ما بدا، وعقد قمة سوتشي الروسية – التركية – الإيرانية، لتأمين الدعم الإقليميي. كما أجرى اتصالات مع القاهرة وتل أبيب، ويزمع على الاتصال بالقيادة السعودية، التي صار "موقفها من قبول الأسد يتسم بالمرونة ومثلها أيضاً فرنسا والآن واشنطن".

يساعده في ذلك، أن إدارة ترامب "مستقيلة" من أي "التزام لصياغة تغيير سياسي في سورية أو حتى في السياسة السورية"، كما يقول مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو. وحسب معلوماته، فإن حديث ترامب أمس مع بوتين، "غابت عنه لغة الجدية.. لأن واشنطن ليست منخرطة. فهي لاعب سلبي" في معالجة الأزمة السورية، وفق قوله.





وقد انعكست مثل هذه السلبية في البيان الذي صدر عن البيت الأبيض حول المكالمة بين الرئيسين، والذي شدد على دعم عملية جنيف المقبلة.
كذلك كررت المتحدثة في الخارجية الدعم لجنيف، وبما يفيد ضمناً "جنيف الروسية". واشنطن ترامب تنازلت على ما يبدو عن جنيف التي أطلقتها إدارة باراك أوباما والتي كان غرضها الرئيسي التوصل إلى صيغة توافق حول "مرحلة انتقالية".

الآن هي تحتضن الصيغة الروسية التي شطبت مثل هذه المرحلة لصالح الدخول فوراً في "كتابة دستور يؤدي إلى انتخابات تفسح المجال لرئيس النظام بشار الأسد بخوضها، على أن يكون الحكم بالشراكة مع أطراف من المعارضة، لو فاز بالرئاسة" وفق المتداول في واشنطن؛ ما قاله وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، مؤخراً حول "اقتراب رحيل عائلة الأسد" عن الحكم، غاب ذكره عن حديث الإدارة أمس بعد المكالمة بين الرئيسين بوتين وترامب. وقد ذكرت تقارير أن بوتين "ضمن موافقة الأسد" على صيغة الشراكة. ولتسويق هذا التوجه، يقال إن موسكو ترى في هذه "الشراكة مع الأسد مدخلاً لتقليص النفوذ الإيراني" في سورية.

بهذا الأفق، تتحرك الأمور باتجاه "جنيف الروسية". السؤال: هل تنجح موسكو في تحويل المكسب العسكري وتولي الدور الدبلوماسي إلى تسوية سياسية سورية، متماسكة وقادرة على الصمود؟

في اعتقاد المراقبين، فإن السوابق تقتضي التحفظ الشديد، لا سيما وأن المحاولة تواجهها عوائق وتحديات قاسية قد يتعذر تجاوزها، على رأسها المعارضة السورية ومدى استعدادها للمضي في هذا الخيار. وقد ظهرت بوادر اعتراضاتها من خلال الاستقالات التي جرت في صفوفها عشية لقاء أطرافها في الرياض اليوم، والذي جرى على ما يبدو بتنسيق روسي – سعودي "لأقلمة" هذه القوى. ثم هناك مسألة مدى قبول النظام السوري بالمشاركة الفعلية للمعارضة في صياغة القرار السوري، والتي كانت في أصل نشوب الأزمة وتفاقمها.

ويشير المراقبون أيضاً إلى العقدة الإيرانية، إذ ليس من السهل أن تقبل طهران بمشاركة حقيقية للمعارضة في القرار السوري، لما يترتب على ذلك من "تقييد" لنفوذها وتواجدها في الساحة السورية. كما يندرج في هذا السياق احتمال وقوع تصادم أميركي – إيراني في منطقة الممر الإيراني عبر سورية إلى لبنان. خاصة وأن موسكو "لا تنوي الضغط على طهران لسحب قواتها من سورية"، كما قال الوزير، سيرغي لافروف، ولو أن الموقف الأميركي ما زال مشوشاً في هذا الخصوص؛ مرة تشدد الإدارة على وجوب التصدي للتمدد الإيراني في سورية والمنطقة، ومرة أخرى تغيب مثل هذه الإشارة عن تصريحات مسؤوليها، وآخرها كان لوزير الدفاع، جيمس ماتيس، الذي اكتفى بالقول إن القوات الأميركية في سورية باقية "لضمان عدم عودة داعش"، من دون أي إشارة إلى إيران.

الواضح، حتى الآن، أن إدارة ترامب "فوّضت" الكرملين بالشأن السوري. ينجح هذا الأخير أم يفشل؛ مسألة لا تهمّ البيت الأبيض. المهم بالنسبة له أنه نفض يده من الملف السوري ما عدا الجانب الأمني منه. والباقي متروك للوقت وللروس. موقف يعكس فوضى السياسة الخارجية الأميركية الراهنة.