عبد العزيز جراد رئيساً للحكومة الجديدة بالجزائر: تكنوقراطي لإدارة المرحلة واسترضاء الحراك
واكتفى بيان للرئاسة الجزائرية بنص مقتضب يعلن تعيين الرئيس تبون لعبد العزيز جراد رئيساً للحكومة (وزيرا أولا بالتوصيف الدستوري في الجزائر)، وكلّفه بتشكيل الحكومة.
وقالت مصادر مسؤولة لـ"العربي الجديد"، إنّه "كان مرتقباً أن يعلن الرئيس تبون عن اسم رئيس الحكومة، الخميس الماضي، لكن الوفاة المفاجئة لقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، دفعت إلى إرجاء ذلك إلى ما بعد الانتهاء من مراسم الدفن"، وتوقعت نفس المصادر أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، قبل يوم الخميس المقبل.
ولجأ تبون إلى تعيين جراد (65 عاماً)، بعد رفض وزير الاتصال السابق ومنسق مؤتمر المعارضة، عبد العزيز رحابي، القبول بمنصب رئاسة الحكومة، واشتراطه أن تتم قبل تعيينه مشاورات مع القوى السياسية المعارضة، وأن يكون اقتراح اسمه من قبلها، إضافة إلى اشتراطه وضع ملف الحريات كأولوية سياسية.
ويأتي تعيين جراد كذلك، بعد استبعاد اسم وزير العمل الحالي الشاب حسان تيجاني هدام، خوفاً من أن يعطي ذلك مؤشراً سلبياً على استمرار نفس الوجوه التي عيّنها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقال رئيس الحكومة الجديد، في تصريح للتلفزيون الرسمي عقب تكليفه بتشكيل الحكومة، إنّه سيعمل مع جميع الأطراف للخروج من المرحلة الصعبة، مضيفاً "يجب أن نعمل سوياً مع كل كفاءات الوطن وإطارات البلاد والمواطنين والمواطنات، من أجل رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والخروج من هذه المرحلة الصعبة".
وتابع "نحن أمام تحد كبير لاسترجاع الثقة في مجتمعنا، وبرنامج الرئيس تبون يمكننا من العمل لمصلحة الجزائر"، معتبراً أنّ "البلاد أمام تحديات اقتصادية واجتماعية يجب العمل سوياً من أجل رفعها".
أستاذ جامعي معارض لبوتفليقة
ويعرف جراد بمعارضته لنظام بوتفليقة، حيث كان أحد كوادر الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس، في أول مواجهة انتخابية له مع بوتفليقة في انتخابات 2004، وهو ما دفع به إلى الخروج من كامل مؤسسات السلطة والنظام والاكتفاء بمنصب أستاذ جامعي.
ويصبّ هذا في صالح جراد، حيث لا يحسب على نظام بوتفليقة، ولم يرتبط به في أي من فترات حكمه، ويتدخل العامل المناطقي في توازنات الحكم في الجزائر في اختيار جراد رئيساً للحكومة، كونه ينحدر من منطقة خنشلة في الشرق الجزائري، فيما ينحدر رئيس الجمهورية من منطقة البيض في الغرب.
ورئيس الحكومة الجديد، وهو أستاذ في معهد العلوم السياسية في جامعة الجزائر، عضو في اللجنة المركزية لحزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، وظهر مقرباً من قيادة الحزب في الفترة التي قاد فيها عمار سعداني الحزب، وخاض فيها حرباً سياسية وإعلامية ضد الرجل القوي ومدير جهاز المخابرات السابق محمد مدين، قبل إقالة الأخير في سبتمبر/ أيلول 2015.
ولا يعرف ما إذا كان اختيار جراد لعلاقته بحزب "جبهة التحرير الوطني" مرتبطاً بالدستور، الذي يفرض على الرئيس الجزائري استشارة حزب الأغلبية النيابية قبل تعيين رئيس الحكومة، أم أنه مرتبط بكون رئيس الحكومة المكلّف شخصية تحسب على كتلة الكفاءات السياسية داخل الحزب.
وبرغم انتمائه إلى حزب "جبهة التحرير الوطني"، فإنّ جراد يُعد من الكوادر التكنوقراط، حيث شغل منصب مستشار دبلوماسي برئاسة الجمهورية، في عهد رئيس الدولة علي كافي عام 1992، قادماً إليها من "المدرسة الوطنية للإدارة" التي شغل منصب مديرها بين 1989 و1992، ثم عين أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس ليامين زروال قبل 1998، ومديراً عاماً للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.
كما شغل منصب أمين عام وزارة الخارجية ما بين 2001 و2003، قبل أن يتم استبعاده، ضمن الكوادر التي تم استبعادها مع رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، بعد أزمته مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة نهاية عام 2003. وتوفر هذه المناصب لرئيس الحكومة الجديد خبرة في إدارة مختلف الملفات السياسية والاقتصادية، سواء المرتبطة بالاستحقاقات الداخلية أو الخارجية.
وبدا تعيين جراد رئيساً للحكومة، خطوة مرضية بالنسبة لبعض فواعل الحراك الشعبي، على خلفية إسهامه في تأطير شباب الحراك خلال الفترة الأولى منه، والذي بدأ في 22 فبراير/ الماضي.
شخصية "وازنة وهادئة"
وقال منسق فضاء "الحراك الشعبي الجزائري الأصيل"، وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر يحيى جعفري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جراد شخصية وازنة وهادئة وله تكوين عال، ونعتقد أنّ المسافة بينه وبين الحراك أقرب مما بينه وبين السلطة، نرغب في أن تكون المواقف التي ينطلق منها قريبة من هذا وللبناء على هذا الانتماء للحراك الشعبي، بما يؤسس لمشاريع الشراكة السياسية والمدنية معه".
وأضاف جعفري "إذا استطاع تعزيز هذا التعيين من الأعلى بسند شعبي من الأسفل، سننتظر قائمة الفريق الحكومي لتتوضح الصورة، وليكون المؤشر على التوجهات المستقبلية للسلطة الأكثر بروزاً".
واعتبر جعفري أنه ينبغي بالنسبة لفواعل الحراك الشعبي "الانطلاق من سقف ما تم تحقيقه حتى الآن من قبل الحراك، لأجل الوصول الى السقف المأمول، خاصة وأنّ ما بقي من مطالب الحراك لا يمكن أن يتحقق من خارج السلطة"، كما قال.