ماليزيا تحت مجهر الاستخبارات الإسرائيلية

23 ابريل 2018
جهد استخباري كبير سبق اغتيال البطش (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -
تشير عملية اغتيال الأكاديمي الفلسطيني، فادي البطش، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، ووفقاً للعناوين التي اختارتها الصحف الإسرائيلية للإشارة بشكل صريح إلى الجريمة الإسرائيلية، إلى حجم الاستهداف وعمق العمل الذي قام به "الموساد" الإسرائيلي قبيل تنفيذ العملية. ومن المفيد الإشارة إلى أن مجرد تساؤل الصحافيين الإسرائيليين، واستخدامهم لتعبير "إذا كان الموساد من نفذ العملية"، هو بمثابة كلمة سر تهدف إلى تأكيد دور "الموساد" أو مسؤولية الاحتلال عن أي عملية كهذه، سواء كانت اغتيالاً وتصفية، أم قصفاً جوياً أو تفجيراً "مجهولاً في ظروف غامضة". وما يزيد ترجيح هذه الخيارات أيضاً نزوع الصحافة غداة أي عملية من هذا النوع إلى التفاخر في عمليات سابقة نفذها الاحتلال، مع استخدام التعبير الثابت نفسه في الصحافة الإسرائيلية "وفق مصادر أجنبية".

لكن عملية اغتيال البطش، زادت أيضاً في سيل من المعلومات التي كشفتها الصحف الإسرائيلية، حول ما تنسبه دولة الاحتلال لماليزيا باعتبارها قاعدة لتعليم وتدريب عناصر نخبوية في حركة "حماس" على أراضيها، وبحسب تقرير لموقع "يديعوت أحرونوت" أمس الأحد قاعدة بعيدة عن العين للتدريبات العسكرية، وهو أمر لم يمنع مثلاً "يديعوت" من اختيار عنوان يقيس ويحدد مسافة بُعد الهدف عن "أيادي إسرائيل"، عندما وضعت عنواناً رئيسياً جاء فيه: "تصفية عن مسافة 7600 كيلومتر"، وهي عملياً المسافة بين دولة الاحتلال وبين ماليزيا. في المقابل اختارت صحيفة "يسرائيل هيوم" عنواناً رئيسياً لها هو: "اليد الخفية: تصفية دكتور الطائرات المسيرة".

وبشكل لا يخلو من إشارات واضحة، لفت مراسل "يديعوت أحرونوت"، الخبير في شؤون أجهزة الاستخبارات والتجسس، رونين بيرغمان، إلى أن "المسّ بفادي البطش هو عملياً الطرف المكشوف والصاخب لجهد استخباراتي واسع النطاق شارك فيه على ما يبدو "العشرات" وربما أكثر (يقصد المئات) من رجال الاستخبارات من مختلف التخصصات والمهارات الذين رصدوه باعتباره خطراً واضحاً وفورياً يبرر من الناحية العملياتية والاستخباراتية والقانونية وحتى الأخلاقية، اتخاذ خطوة متطرفة من نوع التصفية الجسدية".

ويعني هذا التوصيف أن ماليزيا كانت ساحة لعمليات مراقبة ورصد طويلة الأمد امتدت على شهور، نشط فيها عملاء لـ"الموساد" في مراقبة البطش وربما سواه، تمهيداً لتنفيذ عملية الاغتيال، التي أكد بيرغمان أنها تتماشى مع توصيف رئيس "الموساد" السابق يوسي كوهين لعمل الجهاز بقوله: "المعركة هي اسم اللعبة، وظيفتنا أن نقطع قدرات استراتيجية من العدو، كالتي يمكن لها أن تمس بمستقبل وأمن مواطني دولة إسرائيل. وعند اللزوم يجب المس بالأعداء أنفسهم، ولكن فقط عندما يكون الأمر جزءاً من تصور شامل لوسائل كثيرة".


في المقابل، أبرز تقرير آخر لموقع "يديعوت" على الإنترنت، ما اعتبره دليلاً على أن ماليزيا تشكّل جزءاً من ثلاثة ميادين لعمل حركة "حماس"، بدايةً من ماليزيا مروراً بتركيا وانتهاء بغزة، وهي ثلاثة ميادين تشكّل موقع بناء القوة العسكرية للحركة، خصوصاً باستخدام ماليزيا حاضنة لنُخب ترى "حماس" في قدراتهم أداة لمراكمة وتحسين قوتها العسكرية وخبراتها المختلفة.
وبحسب التقرير، فإن ماليزيا تحوّلت منذ سنوات عديدة مقراً وأرضاً للتدريبات العسكرية وتأهيل مقاتلي "حماس"، وبالتالي فإن اغتيال البطش فيها يشكّل حلقة في مسلسل محاولات ضرب الحاضنة التي توفرها الدولة الآسيوية لنشطاء "حماس" في بدايات طريقهم وتدريبهم. وأشار التقرير إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية العامة "الشاباك" كشف في السنوات الأخيرة حالات عدة تلقّى فيها مقاتلو "حماس" تدريبات عسكرية نظامية وسط موافقة صامتة من الدولة الآسيوية.

ولفت التقرير إلى زيارة رئيس الوزراء الماليزي محمد نجيب، لقطاع غزة عام 2013، حيث أبدى أسفه على تصفية قائد الذراع العسكرية للحركة أحمد الجعبري، ووضع حجر الأساس لترميم أحد مقار الحكم والقيادة الرسمية لـ"حماس" في القطاع الذي كان الطيران الحربي للاحتلال قصفه وهدمه كلياً. كما أشار التقرير إلى اعتقال "الشاباك" لوسيم القواسمي الذي تم تجنيده مع فلسطينيين آخرين أثناء تلقيهم دراساتهم الجامعية في ماليزيا. وخلال عدوان "الجرف الصامد" عام 2014، اعتقل الجيش الإسرائيلي ناشطاً آخر من الذراع العسكرية لـ"حماس" أقر خلال التحقيق معه بأنه أرسل إلى ماليزيا من قبل الحركة.

ووضعت حكومة الاحتلال رسمياً وصف "محور ماليزيا-تركيا-الضفة الغربية" في لائحة الاتهام التي قدّمتها ضد القواسمي، كمسار لتدريب عشرات العناصر من الطلبة الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في ماليزيا، حيث يتم تجنيد الطلبة في ماليزيا وتدريبهم ثم إرسالهم إلى تركيا للتدريب العسكري على حساب "حماس"، ومن هناك العودة إلى الضفة الغربية المحتلة لتشكيل بنية وشبكة من الخلايا النائمة. وبحسب تقديرات جهاز "الشاباك"، فقد تمكّنت الحركة بهذه الطريقة من تجنيد عشرات الطلبة الفلسطينيين الذي درسوا في ماليزيا وضمتهم إلى الذراع العسكرية للحركة. وكان القواسمي قد اعتُقل في فبراير/شباط 2015 عند معبر ألنبي، ووجهت له لوائح اتهام بتلقي الأموال من "حماس"، والتدرب عسكرياً في تركيا.
وذكر تقرير "يديعوت" أن اعتقال القواسمي كشف أيضاً بحسب التحقيقات الإسرائيلية أنه تم وضع اسمين على قائمة أهداف الاستخبارات الإسرائيلية، معن الخطيب ورضوان الأطرش، وهما بحسب ادعاء "الشاباك" أشرفا على أداء القواسمي قسَم الانضمام لـ"حماس" في ماليزيا.

إلى ذلك، ادعى تقرير "يديعوت أحرونوت"، أن ماليزيا ضالعة ولها علاقة بمحاولة حركة "حماس" تنفيذ انقلاب ضد سلطة محمود عباس في الضفة الغربية في أواسط عام 2014، وأنه من بين 93 ناشطاً لـ"حماس" اعتُقلوا في تلك الفترة، (نصفهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي)، كان بينهم عدد كبير من الطلبة الذين تعلموا في جامعة ماليزيا، وعملوا لتشكيل بنية تحتية لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل في الضفة الغربية لضرب استقرار السلطة الفلسطينية وإسقاط سلطتها.

المساهمون