قرار مجلس الأمن: سقوط الورقة الروسية من الحوثيين وصالح

16 ابريل 2015
يمنح القرار الدولي الحوثي مهلة زمنية لتنفيذ بعض المطالب(الأناضول)
+ الخط -
نجحت دول مجلس التعاون الخليجي، أول من أمس، في تمرير المشروع الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن لتطوي بهذا القرار عن طريق مجلس الأمن الدولي صفحة الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ونجله أحمد نهائياً، لكن القرار في الوقت ذاته يمنح ضمنياً قائد الحركة الحوثية، عبد الملك الحوثي، مهلة زمنية لتنفيذ بعض المطالب ليصبح جزءاً من العملية السياسة اليمنية، ويلحق بركب حل سياسي مهّد قرار مجلس الأمن الدولي الطريق إلى صنعه في الرياض.

وجاء الامتناع الروسي عن التصويت مع القرار وعن استخدام حق النقض (الفيتو) ضده في آن واحد ليحمل دلالة سياسية مهمة، وهي أن روسيا وإن لم تكن راضية عن القرار لكن ذلك لم يصل إلى درجة منع صدوره مثلما كان يحصل في قرارات مشابهة تتعلق بسورية.
وكان الدبلوماسيون الروس قد حاولوا تغيير مضامين القرار، لكنهم لم يرفضوه جملة وتفصيلاً بل نجحوا في إدخال تعديلات كثيرة عليه لم تفرغه من مضمونه، إلا أنها لبّت إلى حد ما العديد من المطالب الروسية.
وأثبت النقاش والجدل اللذان سبقا صدور القرار أن المجتمع الدولي في محاولاته لرسم مستقبل اليمن لا يستطيع أن يتجاوز مجلس التعاون الخليجي مثلما أن دول المجلس لا تستطيع أن تتجاوز المجتمع الدولي في تنفيذ سياساتها في اليمن.
لكن تزامن الامتناع الروسي عن استخدام حق النقض ضد القرار مع أنباء عن موافقة روسيا على بيع صواريخ "اس 300" لإيران ألقى ظلالاً من الشك على الدوافع التي جعلت روسيا ترضخ لإرادة غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي من دون أن تغضب إيران التي لم يكن القرار الأخير في صالح حلفائها في اليمن مطلقاً.

اقرأ أيضاً: روسيا تخذل إيران: مجلس الأمن يعتمد القرار الخليجي

ومن الواضح أن روسيا ليس لديها مصالح قوية في اليمن تدافع عنها، لكنها ترتبط بمصالح استراتيجية مع إيران وكثيراً ما تتخذ قرارات تخدم مصالحها مع إيران. ولهذا فمن غير المستبعد أن الموقف الروسي كان نتاجاً لصفقة حاولت فيها موسكو عدم مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي، مع مراضاة طهران بمكسب آخر لها قد يكون أكثر أهمية للإيرانيين من أي مكسب آخر في اليمن. وهو الحصول على أسلحة متطورة ما زال المجتمع الدولي يحظر تصديرها إلى طهران. وقد جاء الموقف الروسي مختلفاً في القضية اليمنية عما هو عليه في سورية إدراكاً من الروس على ما يبدو بأن إيران لا يمكن لها أن تتفوق على النفوذ الخليجي في اليمن مثلما أن دول الخليج يصعب عليها إلغاء النفوذ الإيراني في سورية.
لكل هذه الأسباب جاء الموقف الروسي من مشروع القرار الخليجي بالامتناع عن التصويت تعبيراً عن نصف قناعة به وعن نصف اعتراض، لتترك روسيا لنفسها المجال لمعارضة أي تحرك مستقبلي بناءً على هذا القرار أو على الأقل عدم المشاركة فيه.
لكن أهم ما في القرار من الناحية السياسية أنه يعطي الشرعية الدولية الكاملة لعمليات "عاصفة الحزم"، إذ أن القرار يشير في مقدمته إلى رسالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يبلغ فيها رئيس مجلس الأمن إلى أنه "قد طلب من مجلس التعاون لدول الخليج وجامعة الدول العربية تقديم الدعم على الفور، بكل الوسائل والتدابير اللازمة، بما فيها التدخل العسكري، لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان الحوثيين".

واحتوى القرار كذلك على بصمات أميركية، أدخلت عليه، من خلال ورود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في صلبه والتحذير من استفادة التنظيم من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن.
لكن أقوى رسالة تضمنها القرار هي تلك الموجهة إلى الحراك الجنوبي في اليمن من خلال دعوة مجلس الأمن كل الأطراف والدول الأعضاء أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية.
من جهة ثانية، لبى قرار مجلس الأمن مطالب المنظمات الإنسانية والحقوقية وكثير من الدول الأوروبية المحايدة في الصراع بالإعراب عن جزعه الشديد إزاء خطورة وسرعة تدهور الحالة الإنسانية في اليمن.
لكن الأهم من ذلك هو دعوة القرار إلى حل سياسية للأزمة اليمنية لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة المدنيين بشكل جذري من الحروب والصراعات، إذ شدد القرار على أن الحالة الإنسانية ستستمر في التدهور في ظل غياب الحل السياسي.
وعلى الرغم من دعم مجلس الأمن الدولي الواضح لشرعية هادي، إلا أنه وجه ضمنياً انتقاداً لنظامه على التقصير في تنفيذ مهام نصّت عليها قرارات دولية سابقة، إذ يشدد على ضرورة العودة إلى تنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بما يشمل صياغة دستور جديد، وإصلاح النظام الانتخابي، وإجراء استفتاء على مشروع الدستور، وتنظيم الانتخابات العامة في موعد قريب، لتفادي حدوث المزيد من التدهور في الحالة الإنسانية والأمنية في اليمن.

كما قطع قرار مجلس الأمن الأخير الطريق على القوى السياسية اليمنية التي وقف المبعوث الأممي، جمال بنعمر، في طريق انفرادها بالهيمنة على مقدرات شعب اليمن من خلال تأكيد مجلس الأمن الدعم الكامل للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ويبذلها المستشار الخاص للأمين العام المعني باليمن، ولا سيما للمفاوضات التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة، والتزامه بتلك الجهود والمفاوضات، ودعمه للجهود التي تبذلها مجموعة السفراء في صنعاء. وتضمن القرار رسالة غير مباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي بضرورة التنسيق مع بنعمر من خلال تشديد القرار على أهمية التنسيق الوثيق بين الأمم المتحدة وشركائها الدوليين، ولا سيما مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة السفراء في صنعاء، وسائر الجهات الفاعلة، بغية الإسهام في إنجاح العملية الانتقالية. ومن اللافت في القرار أنه تطرق إلى الأعمال المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وتقويضه للسلام والأمن والاستقرار في اليمن. وبعد ذلك مباشرة رحب القرار باعتزام مجلس التعاون الخليجي عقد مؤتمر في الرياض، بناء على طلب من رئيس اليمن، تشارك فيه كل الأطراف اليمنية. ويفهم من ذلك أن جميع الأطراف مقبولة في حين أن الرئيس السابق هو عامل زعزعة للاستقرار ويجب أن تطوى صفحته، ولم يطالبه المجلس بتنفيذ أي شيء بل وجه معظم طلباته للحوثيين بسحب قواتهم وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وكذلك الإفراج عن السجناء السياسيين جميعاً. ولكن القرار ذكر بالاسم من بين المعتقلين اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع في اليمن، في مؤشر على أهمية الرجل وأن هناك قوى دولية تعول عليه في أداء دور هام لصالح استقرار اليمن.
وفي تمديد القرار لعمل لجنة العقوبات وإدراج إسمي الحوثي ونجل الرئيس المخلوع أحمد، في قائمة المعاقبين رسالة لآخرين من المعرقلين بأن القائمة لا تزال مفتوحة، لكن ما يضعف صدقية القرار هو أن الأسماء السابقة وتحديداً صالح لم تنفذ حتى الآن العقوبات المالية المنصوص عليها ضده على الرغم من وجود أموال لديه في الخارج. كما أن الحوثيين لديهم استثمارات معروفة في ألمانيا وربما في دول أخرى لم تتعرض للتجميد حتى الآن، لأن الحركة لم تدرج في قائمة العقوبات وانما اختير أعضاء فيها قد لا يكون لديهم أي ممتلكات في الخارج بأسمائهم.

اقرأ أيضاً: اليمن: تعقيدات ميدانية وسياسية تؤجل الحسم

المساهمون