اليوم السابع لجنيف: نفور دولي من مناورات النظام السوري

01 مارس 2017
المعارضة عقدت لقاءً مطوّلاً مع دي ميستورا اليوم(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يختلف اليوم السابع لمفاوضات جنيف عن "اليوم الثاني والثالث"، كما يقول مصدر إعلامي مقرب من وفد المعارضة السورية، وذلك رغم الحراك الذي شهده اليوم الأربعاء، عبر لقاءات المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بالوفد المعارض، برئاسة نصر الحريري، من جهة، ووفد النظام السوري في الجهة المقابلة، برئاسة بشار الجعفري. طال وقت محادثات وفد المعارضة مع دي ميستورا، واستمر إلى فترة ما بعد الظهر، وتأخر مؤتمرها الصحافي أكثر من ساعة، بعد أن استغرق اللقاء بالمبعوث الأممي أكثر من وقته المتوقّع.

وبعد هذا الاجتماع المطوّل، التقى دي ميستورا، مرّة أخرى الليلة، وفد المعارضة في مقرّ إقامته بجنيف، بعد أن أبدى الأوّل مرونة حيال مناقشة القضايا الثلاث المطروحة على أجندة الاجتماعات في وقت واحد، وهي الحوكمة والدستور والانتخابات، بحسب ما أكّد مصدر في وفد المعارضة لـ"العربي الجديد".

و قال مصدر غربي لـ"العربي الجديد" إن دي ميستورا ناقش مع المعارضة تفاصيل جدول الأعمال بناء على وعود روسية، بعد أن التقى الأخير نائبَ وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، في لقاء غير معلن أمس، وتلقّى من الروس وعودًا بأن المعارضة إن أبدت ليونة، وقبلت طرح الملفّات الثلاثة مرة واحدة (الحوكمة والدستور والانتخابات)، مضافًا إليها الملف الرابع المقترح لمناقشة الإرهاب والأمن ووقف النار سوية، فإن روسيا ستقدم ضمانات لكي يدخل النظام في نقاش القضايا الثلاث الأخرى، دون الترميز على ما يكرره وفده دائمًا بخصوص خطابه المتعلق بمكافحة الإرهاب.

ويتوقّع المصدر الغربي أن تدرس المعارضة الأمر، وتبدي بعض المرونة للتوصل إلى جدول أعمال ينقذ المفاوضات، حتى يصل بها دي ميستورا إلى حل وسط وملتزم (وملزم) للنظام السوري. وتوقّع المصدر ذاته أيضًا أن تعود المفاوضات مرة أخرى، بعد تحضير الجدول واللجان المقترحة في هذا الإطار، مرجّحًا أن يكون دي ميستورا قد تلقى بعض "الضمانات"، وهو ما يفسّر الإيجابية التي سادت الأجواء، مساء اليوم، بعد وصول المبعوث الأممي إلى مقرّ إقامة المعارضة، واستمرار محادثاته حتى وقت متأخر.

وفي ما يخصّ اللقاء الصباحي بين الجانبين، فقد أفاد مصدر في وفد الهيئة العليا لمفاوضات جنيف لـ"العربي الجديد" أن "دي ميستورا بدا، اليوم، أكثر صراحة في إبداء ملاحظات سلبية على أداء وفد النظام السوري ومطالبه التعجيزية". ورأى المصدر ذاته أن "إصرار النظام السوري على تركيز جهوده، حتى اليوم، على مسألة مكافحة الإرهاب، وكأنها النقطة الوحيدة في حياة السوريين ومعاناتهم، قد شكل حالة من النفور عند دي ميستورا وبعض أعضاء فريقه والقوى الدولية الحاضرة في جنيف".

وتعقيبًا على اللقاء، قال رئيس بعثة وفد الهيئة العليا للتفاوض، يحيى قضماني، لـ"العربي الجديد": "لن نقبل أية محاولة للالتفاف والمساومة على مسائل أساسية، وهي الانتقال السياسي قبل أي مسار آخر، لقد قلنا ذلك للروس بشكل واضح، وطالبناهم أن يكونوا أكثر إيجابية، ويلزموا النظام بوقف النار والقتل. هذه الجولة من المفاوضات مع دي ميستورا كانت إيجابية، وقد تفهم رفضنا طرح الجعفري وضع الإرهاب بندًا في المحادثات"، مستطردًا: "نحن نرفض الخوض في أمور لم ينصّ عليها القرار 2254، وسنستمر بالمفاوضات طالما هناك شيء إيجابي في الأفق".

وبدا نصر الحريري في مؤتمره الصحافي، اليوم الأربعاء، منزعجًا بالفعل من التكتيكات التفاوضية التي يتبعها النظام "لحرف المفاوضات عن هدفها الأساسي في الانتقال السياسي لحلّ المأساة السورية"، وقد ظهر ذلك الأمر من خلال إجابة الحريري عن سؤال أحد مراسلي وفد النظام عن مسألة الإرهاب، إذ ردّ: "متعجّب من طرح مثل هذا السؤال بعد كل هذه السنوات من القتل والتدمير. بل متعجب من وجود من يصدق ذلك".

وشرح الحريري موقف وفد المعارضة بخصوص هذه القضيّة، قائلًا إنه "لو أمكن للسوريين أن يضغطوا باتجاه إضافة منظّمات إرهابيّة إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة؛ لطلبوا أن يضاف النظام السوري على لائحة الإرهاب، كونه يمارس إرهاب الدولة، مع عدد من المنظمات المساندة له". 

وحول ما جرى التطرق إليه في اللقاء، ولماذا أخذت المباحثات مع المبعوث الدولي كل هذا الوقت اليوم، قال أحد أعضاء الوفد السوري المفاوض: "نحن بصدد فتح حزمة من المقترحات التي جاءت في ورقة دي ميستورا. لكننا نقف أمام مشكلة تتعلق بكيفية إجراء عملية انتقال سياسي بعيدًا عن تسويف النظام ومقترحاته بإضافة بند مكافحة الإرهاب. نحن سنطرح على الروس اليوم موقفنا بوضوح: لن نقبل تحويل جنيف إلى أستانة... ولا تحويل جنيف إلى عملية تسلسلية مشابهة لأستانة. سيبدي الوفد المعارض ملاحظاته دون تردد أمام نائب وزير الخارجية الروسي، مساء اليوم، بأننا أمام مرحلة مصيرية من المفاوضات، وأن عليهم (الرّوس) أن يمارسوا ضغوطًا إضافية ليلتزم النظام بوقف النار، وبما جاء في دعوة دي ميستورا إلى هذه المفاوضات، مفوضًا عن الأمم المتحدة، وليس عن موسكو وغيرها".

وما يعنيه هذا المصدر بـ"مرحلة مصيرية من عمر المفاوضات"، يوضحه مستشار في وفد التفاوض لـ"العربي الجديد": "إن الأمر يتعلق أساسًا بهذه الجولة، والتي بالفعل لم ندخل فيها في صلب المفاوضات بعد تمييع مسائل جدية، وتضييع وقت بانتظار ما يجري في الغرف الأخرى بين النظام والروس والمبعوث الدولي".



وعلى الرغم من أن وفد المعارضة بدا أكثر ارتياحًا، اليوم، في اللقاء الذي جمعه بدي ميستورا، إلا أن اجتماع المساء، هذا اليوم، مع الوفد الروسي، وردود الجعفري على ورقة دي ميستورا، المتوقعة في اجتماعه المنعقد في جنيف، "ستحسم أمورًا كثيرة، وستحدد ما إذا كنا بالفعل أمام مرحلة انتقال سياسي في التفاوض؛ أم تكرار لجنيف السابقة، مضافًا إليها هذه المرة أننا سنرى وجه وسيط جديد يطالب بوقت لدراسة القضية السورية"، كما يقول إعلامي مراقب مرافق لوفد المعارضة السورية.

في الجانب الآخر لا يبدو الأمر أسهل على وفد النظام السوري، إذ يقرأ المراقبون خروجه المفاجئ، اليوم، من مبنى الأمم المتحدة دون أن يتحدث لوسائل الإعلام، والتي انتظرت لوقت طويل مؤتمره الصحافي، بأنّه "يعكس توتّرًا مع تسلم ذلك الوفد ورقة دي ميستورا، وهو ربما كان في صورة ما سيطرحه الأخير من خلال داعميه الروس، وتوتره معبر عنه في لغة جسده وتصرفاته وتصرفات الوفد المرافق، سواء أكان إعلاميًّا أم سياسيًّا".

ويبدو أنه ما من جديد في طرح الجعفري، مساء اليوم، "سوى العودة للتركيز على مسائل الإرهاب وضرورة القضاء عليه، والدعم الدولي للنظام في دمشق، مستقويًا بموقف روسي أملنا أن يكون قد أصبح أكثر ليونة وتفهّمًا، لكن يبدو أن اللعبة السياسية الدولية ما زالت تراوح مكانها، بانتظار تشكل موقف أميركي واضح من مسألة الحل في سورية"، وفقًا لما يقوله استشاري إعلامي سوري لدى وفد المعارضة في جنيف. وهو ما ذهب إليه أيضًا موفد غربي في أروقة مكان إقامة المعارضة، قائلًا لـ"العربي الجديد": "ربما سيكون علينا بالفعل انتظار تشكل سياسة أميركية واضحة من مجريات العملية السلمية في سورية".

مخاوف بعض أقطاب المعارضة السورية تتزايد مع ميول دي ميستورا نحو طرح مقترحات عن الإرهاب وغيرها من الجرائم لـ"يرضي بها جميع الأطراف"، وثمّة من يراها بأنّها لا تسير في صالح المعارضة، وقد شرح مصدر من داخلها، اليوم الأربعاء، لـ"العربي الجديد"، أن "طرح وفد النظام مسألة مكافحة الإرهاب سبقت في الواقع هجوم حمص. وتكررت مرة ثانية أمام نواب لدي ميستورا بعد وقوع الهجوم، وزاد الجعفري عليها، إنها من أولى أولويات التفاوض، وهو أراد ليس فقط إحراج المعارضة، التي دانت تلك الهجمات على الفور، بل تمييع العملية التفاوضية، وإغراقها في تفاصيل بعيدة عن جوهر القضية، بدعم روسي. ذلك الأمر بحثناه اليوم بشكل صريح مع ستيفان دي ميستورا، ووجدنا لديه تفهمًا أكثر من السابق".

وتأتي تلك المخاوف وسط أنباء عن أن أستانة ستنطلق أعمالها في الرابع عشر من هذا الشهر مجددًا، ما زاد قلق بعضهم من أن المخاوف التي تمّ التعبير عنها في البداية "مستندة إلى حقائق ومعرفة بآلية تفكير دوائر النظام الأمنية-السياسية، فهو يريد بالفعل أن يجعل قضية الإرهاب قبل أي انتقال سياسي".

اليوم أيضًا عاد نصر الحريري إلى طرح هذه المعادلة مجدّدًا في مؤتمره الصحافي، من خلال التشديد على أن "الانتقال السياسي كأولوية، هو الذي يمكن أن يعزز مكافحة الإرهاب". بينما قال أحد أعضاء الوفد الاستشاري الإعلامي المعارض، إن "تكتيكات دي ميستورا للأسف منذ 23 فبراير/شباط كانت واضحة في جعل الصورة على ما هي عليه اليوم من عدم وضوح. هو يدرك، وهذه معلومة نعرفها كإعلاميين، إنه إذا انهارت هذه الجولة فسيجري استبداله". ذلك ما ذهب إليه أيضًا الكاتب السوري عمر كوش، في حديثه اليوم لـ"العربي الجديد"، قائلًا إن "دي مسيتورا يعيش مأزقًا حقيقيًّا، ويحاول أن يرضي كل الأطراف، لكنه يعلم أيضًا أنها ربما تكون الفرصة الأخيرة له على الصعيد الشخصي".

في مقابل ذلك، ومن داخل مبنى الأمم المتّحدة، انتقد معارض سوري ما اعتبره "تخبطًا في موقف بعض المعارضين من أطروحات دي ميستورا حول اللجان التي يجب أن تدرس مقترحاته"، ورأى أن "على المعارضة أن تقبل بأية صيغة يطرحها دي ميستورا الآن وفي هذه الظروف، وذلك من شأنه أن "يفرط مسبحة النظام" ويضعه في الزاوية. الشعارات لا تكفي، وكل طرح في الأطروحات الثلاث يكفي، وهو ما نسمعه من مبعوثين غربيين يواكبون عملية المفاوضات، وينصحون المعارضة أن تقبل الدخول بدراسة مسألة الإعلان الدستوري. فأين المشكلة؟ إن مجرد إدخال النظام في هذا الأمر يعني أمورًا كثيرة ستؤدي حتمًا إلى زعزعة وجوده القائم على أنه نظام شرعي، وبعد ذلك يمكننا أيضًا الخوض في مسائل الانتقال السياسي، بما يعني حرفيًّا أن هذا النظام لا علاقة له لا في حاضر ولا مستقبل سورية".

حيال كلّ ذلك، تبقى الثقة بين الجانبين "مفقودة تمامًا"، كما يصفها أعضاء من المعارضة في جنيف، متسائلين: "كيف نثق بوعود روسية تقول، إنها تضمن وقف النار؛ في وقت أوقعت فيه الخروقات مقتل مئات المدنيين باستخدام السلاح المحرّم دوليًّا. لقد قدّمنا لفريق دي ميستورا عرضًا موثّقًا لما يجري من خروقات يومية، منذ بدأنا جولة هذه المفاوضات".