لا تلوح في الأفق بوادر تهدئة في شمال غربي سورية، إذ لا تزال محافظة إدلب ومحيطها يتعرضان لغارات جوية مكثفة تقتل مدنيين بشكل يومي وتعمّق مأساة الملايين، في ظل استقدام قوات النظام وفصائل المعارضة تعزيزات إلى جبهات القتال، استعداداً كما يبدو لجولة قتال على نطاق واسع في حال فشل الروس والأتراك في نسج خيوط تفاهمات جديدة لإعادة العمل باتفاق سوتشي، الذي لم يعلن الطرفان حتى اللحظة انهياره، في مسعى لعدم انزلاق الشمال الغربي من سورية إلى صدام يبعثر كل أوراق الصراع في البلاد.
وتواصل القصف المكثف، أمس الخميس، على مناطق في ريف إدلب الجنوبي وريفي حماة واللاذقية الشمالي من قِبل قوات النظام السوري وروسيا، في محاولة للتقدّم على هذه المحاور، التي تشهد أعنف حملة قصف جوي منذ بداية الشهر الحالي، في ما يبدو أنه مسعى لتمهيد الطريق أمام قوات النظام ومليشيات تساندها. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام قصفت براجمات الصواريخ بلدة معرة حرمة وقرية ترملا في ريف إدلب الجنوبي، فيما استهدفت المروحيات بالبراميل المتفجرة قرية سحاب في ريف حماة الغربي. وأوضحت المصادر أن مروحيات النظام ألقت عشرات البراميل المتفجرة مستهدفة محور كبانة ضمن جبل الأكراد في ريف اللاذقية، وخان شيخون ومحيط كفرسجنة وكفرعين وتل عاس والهبيط والشيخ مصطفى في ريف إدلب الجنوبي، وهي مناطق تتعرض أيضاً لقصف مدفعي وصاروخي مكثف طاول بشكل خاص الشيخ مصطفى وكفرسجنة والهبيط وخان شيخون وعابدين وأم الصير وترملا ولطمين والصياد. واستخدمت قوات النظام، وفق مصادر محلية، مواد حارقة محرمة دولياً في القصف على أم الصير وترملا.
وفي سياق التحضير لمواجهة تُوصف بـ"الكبرى" بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام، ذكرت مصادر في الفصائل أن الأخيرة استقدمت تعزيزات إلى الجبهات في كل من ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، وريف إدلب الجنوبي، وجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي. وأشارت إلى أن الفصائل عززت مواقعها المتقدمة في محاور جبل شحشبو بآليات ثقيلة، كما عمدت إلى تعزيز وتحصين جبهات سهل الغاب لإعاقة تقدّم قوات النظام فيها. كما تسعى الفصائل إلى تحصين محور كبانة، ودعم التلال المحيطة بريف اللاذقية، في ظل المحاولات المتواصلة والفاشلة من جانب قوات النظام للتقدم في المحور. كما جهزت الفصائل، وفق مصادر في المعارضة السورية، آلاف الإطارات المطاطية على جوانب الطرقات لإشعالها والاستفادة من كثافة دخانها الأسود في إعاقة الرؤية للطيران الحربي، الذي يستهدف أرتال وآليات الفصائل المرسلة إلى خطوط التماس عبر الطرق الدولية والفرعية.
كما كشفت مصادر من أوساط المعارضة عن جهود لتشكيل غرفة عمليات جديدة لجميع الفصائل تكون تحت قيادة "فيلق الشام" المدعوم من تركيا، والذي يتولى تنسيق عمليات الدعم اللوجستي والذخيرة، وذلك بعد اجتماع ضمّ أخيراً قادة الفصائل الكبرى العاملة في إدلب وحماة واللاذقية وحلب، والذي تقرر خلاله أيضاً السماح بدخول تعزيزات عسكرية من مناطق سيطرة غرفة عمليات "غصن الزيتون" إلى جبهات ريف حماة. وأكد القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن فصائل المعارضة المسلحة "باتت تقاتل ضمن تنسيق أشبه بغرفة عمليات عسكرية مشتركة". ولا يزال الغموض يلف المباحثات التقنية بين الطرفين التركي والروسي حيال الوضع في إدلب لإعادة تثبيت وقف إطلاق النار بين المعارضة والنظام وفق اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة في سبتمبر/أيلول الماضي. وعن ذلك، قال سيجري إن "الأمور ما زالت معقدة بين تركيا وروسيا"، مضيفاً "لم يتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار". وتابع "تركيا تجد من الضروري أن يتوقف القصف الروسي، وتتراجع قوات النظام إلى الحدود السابقة، وروسيا تصر على استمرار القصف بذريعة استهداف تنظيم (جبهة) النصرة، وبقاء النظام في المناطق التي سيطر عليها في عدوانه الأخير. وعليه ما زال المشهد على حاله".
وكان "الجيش الوطني السوري"، التابع للمعارضة السورية، قد أرسل، أواخر الشهر الماضي، مقاتلين من نقاط تمركزه في ريف حلب الشمالي باتجاه محافظة إدلب، للمشاركة في المعارك التي تخوضها الفصائل ضد قوات النظام ومليشيات محلية تساندها في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. وقالت مصادر في المعارضة إنّ أبرز الفصائل التي أرسلت قواتها إلى جبهات حماة وإدلب، هي "أحرار الشرقية"، و"الجبهة الشامية"، و"فرقة الحمزة"، و"لواء درع الحسكة". وانضم هؤلاء المقاتلون إلى مقاتلي "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع للمعارضة السورية في شمال غربي سورية، والذي يضم 11 فصيلاً، هي "فيلق الشام"، و"جيش إدلب الحر"، و"الفرقة الساحلية الأولى"، و"الفرقة الساحلية الثانية"، و"الفرقة الأولى مشاة"، و"الجيش الثاني"، و"جيش النخبة"، و"جيش النصر"، و"لواء شهداء الإسلام في داريا"، و"لواء الحرية" و"الفرقة 23". وإلى جانب هذه الفصائل، هناك "جيش العزة"، الفصيل الأبرز في ريف حماة الشمالي والذي يُعتبر من أقوى فصائل الجيش السوري الحرّ لجهة التدريب والتسليح، ويضمّ ضباطاً منشقين عن جيش النظام يتولون قيادته وتدريب عناصره. وأوضح المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي أبو حذيفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يتم تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين فصائل المعارضة السورية المسلحة في محافظة إدلب ومحيطها، ولكن هناك تنسيقاً كاملاً بين جميع الفصائل الثورية والمقاومة الشعبية التي اختارت القتال لمنع قوات (بشار) الأسد من التقدم في المناطق التي تقع تحت سيطرة الفصائل".
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت إن المحادثات مستمرة بين العسكريين الروس والأتراك لمنع التصعيد في إدلب. وأكدت، الأربعاء الماضي، أن بلادها "لا تزال متمسكة بالاتفاقيات التي توصلت إليها مع تركيا حول استقرار الوضع في إدلب"، مضيفة "يواصل عسكريو دولتينا الاتصالات الدائمة وتنسيق أعمالهم من أجل منع تصعيد العنف وعدم الاستقرار". ومن الواضح أن الروس والأتراك يحاولون الحفاظ على الاتفاق الهش، لأن إعلان انهياره يعني بدء مواجهة كبرى في شمال غربي سورية، ربما تدفع الصراع إلى مستويات تخرج عن السيطرة.
في موازاة ذلك، لا تزال الإحصائيات تتوالى عن حجم المأساة في شمال غربي سورية، جراء القصف الجوي والمدفعي. وأوضح الدفاع المدني في محافظة إدلب أن الشهر الماضي شهد مقتل وإصابة مئات المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، مشيراً، في إحصائية نشرها أمس الخميس، إلى أن النظام وروسيا قصفا محافظة إدلب ومحيطها بـ10712 راجمة صواريخ، فيما نفذ الطيران 3013 طلعة، إضافة إلى قصف مدفعية النظام المدن والبلدات بـ8903 قذائف. ولفت إلى أن قوات النظام استخدمت أسلحة حارقة، وقنابل عنقودية، مضيفاً أن القصف استهدف 1801 من منازل المدنيين، و5 مدارس، و11 سوقاً شعبية، و6 مستشفيات، و4 مساجد، و374 حقلاً زراعياً.