شبح العنف يحوم فوق انتخابات الكونغرس

25 أكتوبر 2018
موجة طرود ملغومة تسبق انتخابات الكونغرس(Getty)
+ الخط -
تجرى انتخابات الكونغرس الأميركي بعد أقل من أسبوعين، في ظل جو سياسي متوتر يهدد بالأدهى المحفوف بالعنف. فالوضع مسموم إلى حدّ أن التنافس التقليدي المألوف تحول إلى تناحر والخصم تحول إلى "شرير" لا يستحق غير الرجم.

مشهد يثير مخاوف جديّة لدى العديد من الدوائر والأوساط والنخب، التي تتحدث بكثير من القلق عن المآل الذي قد تصل إليه الأوضاع في ظل الخطاب السائد وما يولِّده من احتقانات وكراهية وتحريض.

واليوم تضاعفت هذه المخاوف بعد موجة الطرود الملغومة التي أرسلت إلى عناوين شخصيات رسمية سابقة من بينها الرئيس باراك أوباما والوزيرة هيلاري كلينتون، ووزير العدل السابق وحاكم ولاية نيويورك ونائبة في الكونغرس ومدير السي آي إيه السابق والملياردير جورج سوروس، إضافة إلى شبكة "سي أن أن"، ونائب الرئيس السابق جو بايدن حسب آخر المعلومات.

وليس صدفة أن تكون كل هذه الشخصيات المستهدفة محسوبة في خانة خصوم الرئيس دونالد ترامب بحكم انتمائهم إلى "الحزب الديمقراطي". وقد أثارت الموجة حالة من الذعر بكونها "عملا إرهابيا" كما وصفها السناتور ميتش ماكونيل. الأمر الذي أدى إلى استنفار أمني جرت معه مراقبة الطرود والمغلفات الموجهة إلى عناوين مسؤولين حاليين أو سابقين خاصة في الكونغرس الذي خضع لعملية تفتيش مكثفة. ودعت الجهات الأمنية إلى المزيد من الحيطة خشية أن تتواصل ظاهرة الطرود في الأيام المقبلة.

من أرسل الطرود المتفجرة؟ التقديرات متباينة في غياب الأدلة الأمنية حتى الآن. هوية المستهدفين السياسية تعزز التكهنات ضد أنصار الرئيس الذين ربما أرادوا نشر الخوف في الخندق المضاد. لكن أنصار دونالد ترامب سارعوا إلى توجيه أصبع الاتهام نحو خصوم البيت الأبيض بزعم أن هؤلاء أرادوا من قصة الطرود وضع "الجمهوريين" في موضع المشتبه بهم وتأليب الرأي العام ضدهم عشية الانتخابات.

الحيثية في الروايتين قابلة للتسويق، لكن ما لا جدال فيه هو أن العملية رسالة سياسية تتصل بحكم توقيتها بالانتخابات، والأهم أنها تتصل أساساً بالخطاب الملتهب الذي يحكم الساحة السياسية الأميركية منذ الحملة الانتخابية في 2016.

وفي هذا السياق، لا يختلف اثنان في أن الرئيس لعب الدور الرئيسي في توصيل الحالة إلى درجة الغليان، حتى إن بعض الجمهوريين يعترف ولو أنه يحمّل الطرف الآخر حصته من المسؤولية، بأن "خطاب ترامب كان ساخناً" كما قال السناتور جون كينيدي.

ويربط خصوم الرئيس بين تحريضه وتشجيعه على العنف ضد "الأشرار" الآخرين وبين هجمة الطرود المرجح أن مصدرها محلي والتي نجا منها كافة المستهدفين بمزيج من الحظ ومن قدرات الأجهزة الأمنية.

وفي هذا الخصوص جرى التذكير بجولاته خلال حملة انتخابات الرئاسة، التي فاضت بالشحن ضد الصحافة "عدو الشعب"، كما ضد خصومه الذين كان يحرّض مؤيديه أحياناً على "ضربهم " واعداً إياهم" بدفع تكاليف ملاحقتهم القانونية" كما قال مرة.

وتواصلت هذه اللغة بعدما أصبح ترامب رئيساً، ففي إحدى جولاته الانتخابية، أخيراً، لدعم مرشحين "جمهوريين" في الكونغرس، أشاد بنائب سبق أن اعتدى بالضرب على مراسل. والليلة في خطاب له بمهرجان انتخابي في ولاية ويسكونسن اكتفى بدعوة باهتة للكف عن تسمية الغير "بالوغد" (لم يذكر كلمة الشرير حتى لا يبدو أنه تراجع عنها)، من دون أن يذكر اسم أحد من المستهدفين بالطرود ولو أن من بينهم رئيسا سابقا.

مثل هذه اللغة التي طغت على مخاطبته لقاعدته الانتخابية، خلقت "شعوراً في صفوف المتطرفين من مؤيديه بأن خيار القوة مقبول وربما مطلوب"، حسب الكثير من القراءات.

على هذه الخلفية، جاءت عملية الطرود وفي لحظة يقاتل فيها كلا الحزبين بأسنانه للفوز بالانتخابات: الجمهوري يوظف كل قواه للاحتفاظ بالأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ؛ حظه أقوى في الثاني الذي يجري انتخاب ثلث أعضائه وتحسّن أخيراً بعد معركة كافانو في الأول. الديمقراطي يبدو أنه يتجه للفوز بالنواب مع أن قوته تراجعت قليلاً في الأيام الأخيرة حسب الاستطلاعات. بالنسبة لترامب فإن الفوز بمجلس النواب مسألة حيوية، لأن هذا الأخير هو الذي يباشر بعملية العزل إذا توفرت حيثياته في تقرير المحقق روبرت مولر القريب صدوره، ومن هنا شراسة الحملة في أيامها الأخيرة.

تاريخياً، العنف السياسي في أميركا غير مألوف، خاصة في الانتخابات على كافة مستوياتها. هذه المرة تأتي الانتخابات محاطة بالألغام. والطرود مؤشر خطير، ما يترك الساحة في حالة حبس أنفاس حتى يوم الاقتراع.

المساهمون