صوّت مجلس النواب المصري، يوم الإثنين الماضي، بالموافقة النهائية على حزمة من التشريعات الكارثية، بحسب مراقبين، والتي أُعدّت بواسطة حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأثارت حالة من الغضب لدى الشارع، كونها قننت بيع الجنسية المصرية، ومنحت رئيس البلاد أحقية بيع أصول الدولة، علاوة على منحها قادة الجيش امتيازات واسعة، وتقييدها من حرية الصحافة والإعلام.
ووافق البرلمان على تعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم (89) لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب بالأراضي المصرية، والخروج منها، والقانون رقم (62) لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، على الرغم من عدم توافر نصاب التصويت اللازم لتمرير القانون، باعتبار أنها التشريعات التي تستلزم موافقة ثلثي الأعضاء، بحسب الدستور.
وفاجأ رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، أعضاء المجلس، والرأي العام، بطرح القانون للتصويت من دون إدراج على جدول الجلسات المعلن، وذلك بعد عام ونصف العام من طرحه للمرة الأولى من قبل الحكومة السابقة، برئاسة شريف إسماعيل، وتجميده داخل أدراج البرلمان، بعد رفضه من قبل القضاء ممثلاً في مجلس الدولة، وتحفّظ بعض الجهات السيادية كالجيش والاستخبارات العامة على نصوصه.
وقسّم القانون الأجانب في مسألة الإقامة إلى أربع فئات: "أجانب ذوي إقامة خاصة، وأجانب ذوى إقامة عادية، وأجانب ذوي إقامة مؤقتة، وأجانب ذوي إقامة بوديعة"، مع منح وزير الداخلية سلطة إصدار قرار بتحديد المرخص لهم بالإقامة، ومدتها، وتنظيم إيداعها، واستردادها، والمصارف التي يتم الإيداع بها أموال الوديعة، بعد أخذ موافقة مجلس الوزراء.
كما وافق مجلس النواب على قانون إنشاء صندوق سيادي تحت مسمى "صندوق مصر"، وسط اعتراضات واسعة من النواب المعارضين للقانون، الساعي لإخضاع الصندوق لسلطة رئيس الجمهورية، ومنحه أحقية نقل ملكية أصول الدولة للجهات التي يحددها، علاوة على بيع وشراء وتأجير واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة للدولة.
وحذر النواب المعترضون على القانون من خطورة مواد الصندوق، وإمكانية تكرار استيلاء النظام على حصيلة بيع أصول الدولة، على غرار ما حدث بصناديق المعاشات والتأمينات، منتقدين عدم وضوح الفلسفة من القانون، خصوصاً أن النماذج المقارنة لتلك الصناديق تستهدف إدارة فوائض الثروة، وليس فوائض دولة يصل بها حجم الديون إلى "حد مخيف" مثل مصر.
ومنح القانون الصندوق السيادي سلطة ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية المقيّدة بأسواق الأوراق المالية وغير المقيدة بها وأدوات الدين، وغيرها من الأوراق المالية داخل مصر أو خارجها.
كما أتاح القانون للصندوق التصرّف في الأصول المملوكة له أو الصناديق المملوكة له بالكامل، أو المساهمة بها في رؤوس أموال الصناديق أو الشركات وفقاً لقيمتها السوقية، وبما لا يقل عن التقييم، الذي يتم على أساس متوسّط القيمة المحددة، بموجب ثلاثة تقارير مرفوعة من مقيمين ماليين معتمدين من الهيئة العامة للرقابة المالية، والمصرف المركزي المصري.
وتضمن القانون آلية إبرام اتفاق إطاري مع الشركات التي سيتم الإرساء عليها من قبل الجهات الحكومية، في حال تعذر تحديد كميات الأصناف أو حجم الأعمال أو الخدمات المزمع التعاقد عليها، أو موعد تنفيذها، توفيراً لاحتياجات الجهات لأصناف شائعة الاستخدام أو الأعمال والخدمات المتكررة، من دون الحاجة إلى إعادة اتخاذ إجراءات الطرح لها.
وقنن التشريع الجديد التعاقد بطريق الاتفاق المباشر "في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع الإجراءات المتبعة في طرق التعاقد الأخرى الواردة بالقانون"، فضلاً عن "إعادة تنظيم إجراءات وطرق التعاقد على الدراسات الاستشارية، بدعوى التعاقد مع المكاتب التي تقدم حلولاً تساير التكنولوجيا الحديثة، دون اعتبار للسعر المعروض، في تمهيد لإرساء المشروعات على شركات الجيش، من دون تقديمها العطاءات الأقل سعراً".
وكان قانون "المناقصات والمزايدات" سبباً في إصدار المحاكم الإدارية العليا والقضاء الإداري في مصر العديد من الأحكام التي تعلي من شأن تطبيقه، وتحظر اتباع أي قانون آخر يمثل التفافاً عليه، إذ أبطلت عقود بيع أراضي مشاريع "مدينتي" و"بالم هيلز"، ما تسبب بين عامي 2010 و2012 في أزمة بين الحكومة ورجال الأعمال الناشطين في مجال الاستثمار العقاري.
ووقف الجهاز المركزي للمحاسبات، في عهد رئيسه السابق (المعتقل حالياً)، هشام جنينة، كحارس لتطبيق أحكام القانون، فسجل ملاحظات متكررة ببطلان البيوع وصفقات الشراء التي عقدتها الجهات الحكومية، بما فيها الأجهزة السيادية والأمنية، بالأمر المباشر، من دون اتباع المناقصة أو المزايدة، بل أحال الجهاز بعض تلك الحالات للنيابة العامة للتحقيق في شبهات فساد.
وهدد رئيس البرلمان، علي عبد العال، النواب الذين وقفوا داخل القاعة لإعلان رفضهم لتحصين قادة الجيش، بالقول لهم: "شكراً لكم وأظن الرسالة وصلت كده"، وهم كل من النواب: أحمد الطنطاوي، وأحمد الشرقاوي، وضياء الدين داوود، وإيهاب منصور، ومحمد عبد الغني، ونادية هنري، وهيثم الحريري، ومحمد العتماني.
ويستهدف القانون منع قادة الانقلاب من الترشح مستقبلاً لأي مناصب سياسية، إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في مقابل منحهم امتيازات مالية واسعة، تشمل تمتعهم بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، بالإضافة إلى المخصصات الأخرى التي يحددها قرار من رئيس الجمهورية، وجواز الجمع بينها، وبين أي ميزة مقررة بموجب قانون آخر.
وينص القانون على منح المخاطبين بأحكامه، الأوسمة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس البلاد، مع عدم جواز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهة أي من المخاطبين بأحكام القانون عن أي فعل يرتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور، وحتى تاريخ بداية انعقاد مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2016، لمهام مناصبهم أو بسببها.
ومنح القانونُ الهيئة الوطنية للصحافة سلطةَ اقتطاع 1 في المائة من الإيرادات السنوية للمؤسسات الصحافية القومية (الحكومية)، واعتماد قرارات مجالس إدارتها بشأن مد السن، بالنسبة للصحافيين والإداريين والعمال، إذا اقتضت حاجة العمل ذلك، ما يفتح الباب للمحاباة، فضلاً عن اتخاذ قرارات دمج تلك المؤسسات، وإلغاء الإصدارات الصحافية داخل المؤسسة الواحدة، وهو ما يُنذر بتشريد المئات من الصحافيين العاملين بها.
واشترط القانون حصول الصحافي أو الإعلامي على التصاريح اللازمة لحضور أحد الاجتماعات العامة، أو إجراء لقاءات مع المواطنين "في الأحوال التي تتطلب ذلك"، واشتراط نسبة 70 في المائة على الأقل من المحررين المقيدين بنقابة الصحافيين بقوة عمل كل صحيفة، إلى منح "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" سلطة منع تداول وسحب تراخيص وحجب المواقع الإلكترونية، والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحايل البرلمان بإلغاء عبارة "الحبس الاحتياطي" الواردة في القانون، بحجة الاستجابة لمطلب نقابة الصحافيين، ليصبح نصها مطابقاً لنص المادة (71) من الدستور: "لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد".
وفرض التعديل الضريبة على التصرف بالوصية، أو التبرع، أو بالهبة للغير، سواء الأصول، أو الأزواج، أو الفروع، أو تقرير حق انتفاع على العقار، أو تأجيره لمدة تزيد على خمسين عاماً. ولا يعتبر تصرفاً خاضعاً للضريبة البيوع الجبرية، إدارية كانت أو قضائية، وكذلك نزع الملكية للمنفعة العامة أو للتحسين، أو التبرع أو بالهبة للحكومة، أو وحدات الإدارة المحلية، أو الأشخاص الاعتباريين العامين، أو المشروعات ذات النفع العام.
كما نص على أن "تمتنع مكاتب الشهر العقاري والمحاكم، وشركات الكهرباء والمياه، ووحدات الحكم المحلي، وغيرها من الجهات عن شهر العقار، عن تقديم الخدمة إلى العقار محل التصرف، ما لم يقدم صاحب الشأن ما يفيد سداد الضريبة على هذا العقار. وحسم ما تم سداده من هذه الضريبة من إجمالي الضرائب المستحقة على الممول في حالة تطبيق البند (7) من المادة (19) من قانون الضريبة على الدخل".
وأخيراً، وافق مجلس النواب على قانون إنشاء وتنظيم فروع للجامعات الأجنبية داخل مصر، بغرض تحصيل 5 في المائة من الميزانية السنوية المقدرة لكل فرع، مقابل الترخيص بإنشائه، إلى جانب رسم سنوي مقداره 2 في المائة من كامل قيمة المصروفات الدراسية، مقابل الترخيص له باستمرار عمله داخل مصر، مع تمتع الفرع والمؤسسة الجامعية بجميع الضمانات وحوافز الاستثمار الواردة في قانون الاستثمار.