لماذا تواصل باكستان دعم الجامعات الدينية؟

04 مارس 2018
أثارت الخطوة استياء معظم الأحزاب السياسية(ريزوان تاباسوم/ فرانس برس)
+ الخط -
في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على باكستان بشأن تمويل الجماعات المسلحة واتهامها بأنها لا تبذل ما يكفي من جهود لمحاربة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، دفعت حكومة إقليم خيبر بختونخوا، شمال غرب باكستان، 227 مليون روبية باكستانية (2045159 دولاراً أميركياً) لمدرسة دينية، هي "الجامعة الحقانية"، المعروفة في باكستان منذ سبعينيات القرن الماضي على أنها جامعة تخرّج الجهاديين، وبدأ دورها منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان. كما أنها لا تزال توفّر العنصر البشري للحركات الجهادية هناك. وأتى هذا التطور مع تأكيد الخارجية الباكستانية إدراج باكستان ضمن القائمة الرمادية لهيئة رقابة مالية عالمية في يونيو/ حزيران المقبل.


وتطرح تساؤلات كثيرة حول هذه الخطوة التي اتخذت في فترة حساسة، لا سيما أنها أتت من قبل حكومة يقودها شخص يوصف بأنه منفتح، ومعروف بمواقفه المتشددة حيال الجماعات الدينية، وهو نجم لعبة الكريكت السابق وزعيم حزب "حركة الإنصاف"، عمران خان. وأثارت الخطوة استياء وحفيظة معظم الأحزاب السياسية، خصوصاً القومية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تدفع فيها الحكومة نفسها مبالغ ضخمة لهذه المدرسة التي يقودها السياسي والعالم الديني الشهير المولوي سميع الحق، المشهور في الأوساط الباكستانية بأنه "أب طالبان"، في وقت بات معروفاً أن الحكومة تعارض الرجل ومواقفه السياسية وتنتقدها بشدة، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول هذه المساعدة ولماذا تم تقديمها؟ وهل حصل ذلك بدون رضى الاستخبارات والجيش، أم أنه حدث بإشارة منهما؟ وفيما يرجح مسؤولون عديدون أن يكون الأمر حصل بعد التشاور مع صناع القرار في البلاد، وتحديداً الجيش والاستخبارات، فإن السؤال يتركز حول الهدف من ذلك؟

يذهب أحد التفسيرات إلى أن باكستان، وبعد أن حاولت على الأصعدة كافة أن تقنع المجتمع الدولي بأنها لا تموّل الإرهاب ولا تساعد الجماعات المسلحة ولم يتم الإصغاء لموقفها، تسعى لأن تُرضِخ حلفاءها، لا سيما الولايات المتحدة، خصوصاً بعد المواقف الأميركية الأخيرة التي بسببها انحاز عن باكستان حتى حلفاؤها في المنطقة، كالسعودية، وتحديداً في قضية تبييض الأموال. وبحسب أصحاب هذا الرأي، يتم ذلك من خلال استخدام أوراق جديدة، ومنها أن بيدها سلاحاً لا يملكه أحد، وهو سلاح الفكر الديني والجهادي، الذي لا يزال في قوته. وفي ذلك رسالة بأن العمل المشترك مع باكستان ينفع المنطقة وحلفاءها، وأي عمل ضدها قد يدفع البلاد نحو توترات إضافية.

وبغضّ النظر عن مدى دقة هذا التفسير، أثارت الخطوة ردود فعل منددة في الداخل، إذ قال حزب "عوامي القومي الوطني" البشتوني، والذي له نفوذ كبير في إقليم خيبر بختونخوا، إن "شريحة كبيرة من سكان هذا الإقليم، الذي ضربته موجة الإرهاب، محرومة من أبسط احتياجات الحياة، كما أن مئات الآلاف من أبنائه محرومون من الجلوس على المقاعد الدراسية، والحكومة تمنح هذا المبلغ الضخم لجامعة بمثابة شركة إنتاج للإرهابيين".

من جهتها، طلبت القيادية في الحزب، بشرى غوهر، من المحكمة العليا النظر في القضية. كما دعت البرلمان إلى البحث بشأنها، لأنها قضية وطنية، مشددة على أن "حركة الإنصاف" فعلت ذلك "لأغراض سياسية، ولكن الخطوة تضر بمصلحة البلاد وتسيء إلى سمعتها دولياً".


واستنكرت صحيفة "دان" المحلية، بدورها، إقدام الحكومة على هذه الخطوة، رغم أن خطوة مماثلة العام الماضي واجهت ردود فعل مناهضة على مستوى البلاد. وناقشت الصحيفة القضية وتساءلت عن الهدف من هذه الخطوة التي، لا محالة، تضرّ بموقف باكستان دولياً، في وقت تسعى فيه إسلام آباد إلى إقناع العالم بأنها تتعاون بما يخص الدعم المالي للجماعات المسلحة وتبييض الأموال، والذي بسببه ستدخل باكستان إلى القائمة الرمادية لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة رقابة مالية عالمية.


من جانبه، علّق الحقوقي محمد حسن على القضية، بالقول: "إن الحكومة الباكستانية والاستخبارات، أكدتا مراراً أن معظم قيادات الجماعات المسلحة تخرّجوا من الجامعة الحقانية. وثبت أن عدداً من الانتحاريين والمسلحين، في داخل باكستان، كانوا قد تعلّموا في هذه الجامعة. رغم ذلك يتم تمويلها لأغراض سياسية. إن هذا الأمر مؤسف للغاية".

وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها الحكومة هذا المبلغ من المال للجامعة نفسها، ففي العام الماضي دفعت لها مبلغاً أكبر من الذي دفعته أخيراً، الأمر الذي أثار استياء بعض الأحزاب السياسية والقومية ومعظم الإعلاميين والحقوقيين. ولكن خان دافع عن تلك الخطوة، قائلاً إنها أتت "في إطار التعاون مع عملية التعليم في البلاد".

 

باكستان ضمن القائمة الرمادية

جاء هذا التطوّر في وقت أكّدت فيه الخارجية الباكستانية أن باكستان ستدرج ضمن القائمة الرمادية لهيئة رقابة مالية عالمية في يونيو/ حزيران المقبل، رغم سعيها جاهدة لإقناع العالم بأنها عملت ولا تزال تبذل جهوداً في ما يتعلّق بمحاربة غسيل الأموال.

وقال المتحدث باسم الخارجية، محمد فيصل، الأربعاء الماضي، إن بلاده ستدرج في يونيو المقبل في القائمة الرمادية لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة رقابة مالية عالمية. وأضاف أن "التقارير التي تقول إن باكستان ستدرج في القائمة السوداء غير صحيحة ولا أساس لها"، مشيراً إلى أن الهيئة رصدت بعض النقص في ما يتعلّق بمحاربة غسيل الأموال، وأن بلاده "ستتخذ إجراءات صارمة لسدّ هذا النقص".

من هنا، يرى البعض أن تصرفات الحكومة الباكستانية، ومنها تمويل الجامعة الحقانية، ستؤثر كثيراً على موقف باكستان عالمياً، كما أنها ستعطي دليلاً قوياً لمن يرغب في إدراج باكستان في القائمة السوداء.

المساهمون