في معنى ظهور الأسد وغيابه

13 مارس 2014
أحد "الاستعراضات" العلنية للأسد في دمشق عام 2012 (GETTY)
+ الخط -

لا تبعد منطقة عدرا التي ظهر فيها الرئيس السوري بشار الأسد، بكامل أناقته، متفقداً النازحين والمهجرين الذين لا يجدون الملبس والمأكل، سوى عشرين كيلومتراً عن قصره في أبو رمانة في قلب دمشق، أو في قصر الشعب بين منطقة المزة والربوة، وذلك على افتراض أنه زار هذه المنطقة فعلاً ولم يزر، كما تنقل بعض الأنباء، منطقة قدسيا الواقعة تحت سيطرة قواته، باستثناء بقعة منها تمت فيها مصالحة، ومن ثم حوصرت بدعوى مقتل ضابط من الجيش النظامي لأنه لم يتوقف عند حاجز للمعارضة المسلحة.

وأبرزت وسائل الاعلام الموالية السورية والعربية، من خلال هذه الزيارة أن الأسد منتصر ومسيطر على الوضع الميداني، وأنه "حبيب الجماهير" و"الأب الطيب والحنون"، وبالتالي هو المرشح الوحيد لاستحقاق الرئاسة السورية، وهو القائد الضرورة الذي قهر "المؤامرة"...
العارفون بتفاصيل "البيت الداخلي" السوري يؤكدون أن الأسد، بظهوره الإعلامي، يعتمد على نصائح مستشارته الإعلامية لونة الشبل، التي تريد أن يكون لحضوره وغيابه عن الاعلام رسائل سياسية داخلية وخارجية. والشبل هي التي سبق أن أوصته بالظهور مع عائلته في ساحة الامويين، كما أنها هي من نصحت بظهور زوجته أسماء على شاشة التلفزيون السوري من اجل دحض الاقاويل التي تناولت سفر عائلته الى الخارج. ومن ضمن هذه الخطة، كان تنظيم مسيرات كبرى خلال وصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولجنة المراقبين العرب في بداية الثورة السورية، وآخرها ظهور الأسد في منطقة داريا في مطلع أغسطس/اب الماضي، بمناسبة عيد الجيش، بهدف إيصال رسالة تفيد بسيطرة الجيش على هذه المدينة التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قلب العاصمة دمشق، وهو ما ثبت كذبه حيث إن داريا لا تزال خارجة عن سيطرة القوات النظامية.
الرسالة التي يريد الأسد ايصالها من هذا "الاستعراض" أنه قادر على تنظيم الانتخابات الرئاسية، وأنه يستطيع الترشح والفوز بولاية ثالثة ورابعة. فبعد وهم محاربة الفساد وإقامة دولة القانون والمؤسسات التي ركب الأسد موجتها لتنفيذ خطة التوريث عام 2000، وبعد شعار "بناء الدولة الوطنية" ودولة الرفاهية الاجتماعية والدور الإقليمي التي سوّقها باستفتاء الولاية الثانية عام 2007، يحاول الأسد اليوم التسويق لشعارات عودة الأمان والسلم الاجتماعي وإعادة الاعمار وعودة المهجرين الى منازلهم ومدراسهم من أجل بقائه على كرسي الرئاسة لولاية ثالثة.
ورغم أن الزيارة كانت لمركز إيواء نازحين، الا ان الأسد بكلامه، الذي لم يتجاوز دقائق معدودات، حول أن كل مخطوف هو في قلب اهتمامه، أرادها رسالة تطمين للطائفة العلوية التي يزداد التذمر فيها، ولا سيما بعد مبادلة راهبات معلولا، وقبلها مبادلة الزوار اللبنانيين المخطوفين في اعزاز، ومبادلة الإيرانيين في ريف دمشق، وإهمال المخطوفين من الطائفة العلوية، ومنهم عدد من العائلات في ريف اللاذقية. وقد بدأ هذا التذمر بالتجسد، من خلال رفض بعض الشباب الالتحاق بالخدمة الاجبارية أو الاستجابة لدعوات الاحتياط.
الأسد، ومن خلال إحاطته بعدد كبير من حراسه الأمنيين الظاهرين والمستورين، ومن خلال صناديق المعونة الموسومة بشعار رئاسة الجمهورية، ومن خلال اجبار هؤلاء البائسين والبائسات على ترديد شعار "الله، سوريا، بشار وبس"، يعيد انتاج السياسة نفسها القائمة على كم كبير من الإكراه والعنف، والقليل من الترغيب والحوافز وخطاب اعلامي يضع بشار الأسد مقابل البلد، وأولاده في مقابل الشعار الذي أطلقته الثورة "الله، سوريا، حرية وبس".

 

المساهمون