استبعدت مصادر مصرية، على صلة وثيقة بمفاوضات سدّ النهضة، شروع النظام المصري في أي عمل عسكري رداً على فشل مفاوضات السدّ الإثيوبي، معتبرة أن أي أحاديث تُثار في هذا الشأن ليست سوى عملية "تهويش" تطلقها وسائل الإعلام الموالية بين الحين والآخر، وذلك بإيعاز من أجهزة أمنية لاحتواء الرأي العام في مصر.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ من غير الوارد على الإطلاق تورط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في عمل عسكري من أي نوع من الناحية العملية، لأسباب كثيرة، من بينها جنسيات الشركات المُشاركة في بناء سدّ النهضة، وكون هذه الدول من حلفاء النظام المصري ومعاونيه في المنطقة العربية، على غرار السعودية والإمارات والاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت المصادر أن نظام السيسي يرتبط بعلاقات استراتيجية واقتصادية مع هذه الدول، ما يستبعد اللجوء إلى الحل العسكري في مواجهة فشل مفاوضات السدّ، موضحة أن دول حوض النيل تميل إلى تحقيق الاستقرار في المرحلة الراهنة، الأمر الذي يعني استمرار المفاوضات لفترة أطول، إلى حين التوصل إلى شكل من أشكال التوافق. وتابعت قائلةً إن وصول المفاوضات إلى "طريق مسدود" لا يعني عدم استمرار المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، بهدف الوصول إلى حل "مقبول"، ولو نسبياً، للدول الثلاث قبل تشغيل السدّ، مستدركة بأن طلب القاهرة بتدخل طرف رابع كوسيط، استناداً إلى اتفاق "إعلان المبادئ"، قد يساعد في استئناف المفاوضات في حالة قبول أديس أبابا بوساطة الولايات المتحدة الأميركية.
ونبّهت المصادر إلى أن النظام المصري يعرف جيداً العواقب الوخيمة للتدخّل العسكري على المنطقة بأسرها، وهو ما يرسخ مسألة استبعاد هذا الطرح، حتى مع انسداد المسار التفاوضي بشأن السد، مستدركة بأن الموقف الإثيوبي يجب أن يتسم ببعض المرونة إزاء محاولات الوساطة، ولا سيما في ما يتعلق بخطة الملء الأول للخزان، وتشغيل السدّ في السنوات الأولى لدخوله الخدمة. وسبق أن شككت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، تحدثت مع "العربي الجديد"، في أن تؤدي واشنطن دوراً حاسماً لمصلحة القاهرة، بعدما طالب السيسي علانية بتدخلها، بناءً على وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسيسي، في نيويورك أخيراً، بالتدخل لضمان حقوق مصر المائية، وعدم الإضرار البالغ بها جراء مشروع السد الأكبر في أفريقيا.
وتتصدر قائمة الشركات العاملة، وذات الصِّلة بسدّ النهضة الإثيوبي، مجموعة "Salini Impregilo" الإيطالية الجنسية، التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة ميلانو، وتؤدي دور المقاول الرئيس لتنفيذ أعمال الهندسة المدنية، وهي من الأبرز عالمياً في مجال البنية التحتية، وإنشاء المحطات الكهرومائية، وترتبط بعقود تُقدر بمليارات الدولارات مع حكومات الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات. كذلك تعاقدت الحكومة الإثيوبية مع مجموعة "فويز هايدور شنغاي" الصينية، التي يقع مقرها الرئيسي في ألمانيا، لتركيب 6 مولدات توربينية وتشغيلها في السدّ، بقيمة 78 مليون دولار، فضلاً عن شركة "سينوهيدرو" الصينية للهندسة والإنشاءات الكهربائية، من أجل تسريع الأعمال المدنية في جسم السد. كذلك تضمّ القائمة مجموعة "Composites Group Corp" الصينية المتخصصة في أعمال التركيبات والمحركات الكهرومائية، وتعمل في الشق الخاص بتوليد الكهرباء من السد عبر التوربينات، وشركة "GE Hydro France" الفرنسية، التي وقّعت أديس بابا اتفاقاً معها، في يناير/كانون الثاني الماضي، لتصنيع المولدات والتوربينات الخاصة بسد النهضة. وينصّ الاتفاق على تركيب الشركة الفرنسية توربينين صممتهما مسبقاً، إلى جانب تركيب 5 وحدات لتوليد الطاقة، بتكلفة مالية قدرها 61.80 مليون دولار، بالتعاون مع شركة "كوميليكس".
وتشمل القائمة أيضاً شركة "metec" المتخصصة في أعمال الهياكل الهندسية المعدنية، وهي شركة مملوكة للقوات المسلحة الإثيوبية. وكانت أديس أبابا تخطط لدعمها عبر دفعها إلى العمل في السد، لتغزو بها لاحقاً عملية إقامة وإدارة السدود الكهرومائية في القارة الأفريقية، قبل أن يحيل رئيس الحكومة آبي أحمد عدداً من الجنرالات المسؤولين عنها على المحاكمة، بسبب مخالفات جسيمة في العمليات الهيدروميكانيكية.
وفي ما يخصّ الشركات المملوكة لأنظمة حليفة للسيسي، هناك شركة "رافيل" الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات الدفاعية، التي تعاقدت معها الحكومة الإثيوبية لتزويدها بمنظومة الصواريخ الدفاعية "Spyder-MR" لتأمين السد، والمنطقة المحيطة به من أي هجمات جوية أو صاروخية. وبخلاف "رافيل"، تعاقدت إثيوبيا مع شركات إسرائيلية في مجالات قواعد البيانات والاتصالات، بغرض تأسيس الشبكات الخاصة بالسد. في غضون ذلك، تعاقدت الحكومة الإثيوبية مع عدد من الشركات متعددة الجنسيات، المتخصصة في مجالات مثل الاستشارات الهندسية ونقل مواد البناء وتوريدها، التي انتقل غالبيتها من ليبيا جراء تدهور الأوضاع الأمنية هناك، وتضم بين ملاكها رجال أعمال مصريين. ويشارك في عملية بناء السد أيضاً شركة "آي في كريت" التي تعمل في مجال الإسمنت والحديد، وشركة "ترانس بيلد" المتخصصة في نقل مواد البناء، وشركة "أكسبريس بيلدينغ" المتخصصة في أعمال الاستشارات الهندسية، وشركة "إليكتريك أيفست" المتخصصة في أعمال الهندسة الكهربائية. كذلك تشارك مجموعة "العامودي" المملوكة لرجل الأعمال السعودي من أصول إثيوبية، محمد حسين العامودي، الذي كانت تُقدَّر ثروته في عام 2015 بنحو 13.5 مليار دولار، وهو واحد من رجال الأعمال الذين ألقى وليّ العهد محمد بن سلمان القبض عليهم لابتزازهم، من خلال احتجازهم لفترة في واقعة فندق "ريتز كارلتون" الشهيرة. وأمدّ اثنان من مصانع الإسمنت المملوكة من العامودي في إثيوبيا، بينهما مصنع "ميدروك"، شركة ساليني الإيطالية، بكل الكميات المستخدمة في عمليات بناء السد، بينما وُقِّعَت عقود مع شركات وسيطة مملوكة له لتقديم الخدمات اللوجيستية للمشروع، في وقت أعلن فيه تبرعه بنحو 80 مليون دولار لاستخدامها في تشييد السدّ في عام 2015.
ويتجاوز حجم الاستثمارات السعودية الحالية في إثيوبيا 5.2 مليارات دولار، تستحوذ الاستثمارات الزراعية منها ما نسبته 30 في المائة. وتشغل الرياض حالياً المرتبة الثالثة من حيث الاستثمار في أديس أبابا، في ظل تطلعات لزيادة المشاريع السعودية من خلال حوافز عدة طرحتها إثيوبيا للمستثمرين السعوديين، من بينها الإعفاء الجمركي، وتوصيل الكهرباء، وإلغاء الازدواج الضريبي، فيما قدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات وقروضاً ميسرة لمشروعات لها صلة غير مباشرة بسد النهضة، تحت مسمى استنهاض التنمية في ريف إثيوبيا. أما بالنسبة إلى الاستثمارات الإماراتية، فقد بلغت نحو 3 مليارات دولار في إثيوبيا، وتتركز في السياحة والضيافة، إذ تنشط شركات إماراتية، مثل "جلفار الخليج للصناعات الدوائية" و"راك سيراميكس"، في إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعة "الغيار" العقارية العملاقة، التي شرعت في عدد من الاستثمارات في القطاعين السياحي والفندقي. كذلك قدمت أبو ظبي مساعدات مالية دولارية أسهمت في عمليات بناء السد، فضلاً عن تعهدها العام الماضي بتقديم ما إجماليّه ثلاثة مليارات دولار في شكل مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، دعماً لرئيس الوزراء الإثيوبي الحائز جائزة نوبل للسلام قبل أيام قليلة.