ويتطابق شريط الذكرى المُرة في المدن الثلاث بكافة التفاصيل، وذلك باجتياح حوثي سلس لمدينة "الحزم" بالجوف دون قتال، عقب انسحاب القوات الحكومية نحو 10 كيلومترات إلى أطرافها الشرقية حفاظاً على أرواح آلاف المدنيين الذين تحولت حياتهم إلى جحيم، وفقاً لمنظمات حقوقية دولية ويمنية.
ومع تعالي الصيحات مما يحدث من انتهاكات للمدنيين، ظهر المتحدث باسم الجيش اليمني، العميد عبده مجلي، فجر الثلاثاء، للمرة الأولى بعد 48 ساعة من الاجتياح الحوثي للجوف، وتحدث عن أن قوات الجيش لا تزال مرابطة في مختلف جبهات المحافظة.
وحاول امتصاص غضب الشارع اليمني، قائلاً إنه "سيتم طرد المليشيات الحوثية، وإعادة السكان الذين هجرتهم ولن تمر جرائمها دون عقاب"، وفقاً لبيان نشره مركز الإعلام للقوات المسلحة اليمنية.
ولا توجد مؤشرات حقيقية على أن الجيش اليمني يستعد لاستعادة عاصمة الجوف، وخصوصاً بعد توغل الحوثيين في مساحات جغرافية جديدة شمال مدينة الحزم، وسيطرتهم على منطقة "الجر" التي يقع فيها منزل محافظ المحافظة، اللواء أمين العكيمي.
وقالت مصادر عسكرية، إن جماعة الحوثي دفعت بآلاف المقاتلين إلى الجوف، بهدف السيطرة على "معسكر اللبنات"، وهو أكبر قاعدة عسكرية للجيش الوطني والمنطقة العسكرية السادسة بمحافظة الجوف.
في موازاة التطورات الميدانية، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن (أوتشا) أن التقارير الأولية تشير إلى "نزوح آلاف المدنيين" من الجوف، خلال 24 ساعة فقط، أي غداة دخول الحوثيين إلى عاصمة المحافظة، نهار الأحد الماضي.
ودعت الأمم المتحدة، في بيان مقتضب على "تويتر" الأطراف المتحاربة إلى احترام التزاماتها بحماية المدنيين، بموجب القانون الإنساني الدولي، في تكرار للتحذيرات التي أطلقها مبعوثها، مارتن غريفيث، عشية اجتياح الحوثيين للمحافظة، وحذر فيها من "العواقب الإنسانية الوخيمة" لما وصفه بالتصعيد المتهور بالجوف.
وفيما لم تحدد الأمم رقما للفارين من الجوف، قدّرت هيئة إغاثية تابعة للحكومة اليمنية عدد النازحين صوب مدينة مأرب، شرقي البلاد، بـ25 ألف أسرة، أي نحو 125 ألف نسمة إذا ما قيست الأسر اليمنية بأنها تتكون من 5 أفراد.
موجة النزوح من عاصمة محافظة الجوف لم تستمر طويلاً حيث أتهم حقوقيون جماعة الحوثي بمنع مئات الأسر من المغادرة صوب مأرب، وأتهموها بأنها تريد الاحتفاظ بهم واستخدامهم كدروع بشرية.
وكشفت عضوة اللجنة اليمنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، أن اليوم الذي أعقب سيطرة الحوثيين على عاصمة محافظة الجوف، شهد انتهاكات إنسانية مروعة، ابتداء باقتحام المنازل ونهب الممتلكات، وصولا إلى منع النازحين من التحرك بالمركبات، وهو ما جعلهم يضطرون للفرار سيرا على الأقدام.
وكانت الجوف، خلال الفترة الماضية، قد شكلت ما يشبه "منطقة خضراء" لآلاف النازحين الهاربين من الانتهاكات الحوثية في محافظات الشمال اليمني، لكنهم وجدوا الجحيم الذي فروا منه قبل سنوات يقرع أبوابهم في هذه المدينة أيضا.
وقالت المقطري في تصريحات لـ"العربي الجديد" :" النازحون في حالة فزع كبيرة، لأنهم فارون من الحوثي وتعرضوا لانتهاكات سابقة في محافظاتهم، بعض الفارين من مدينة الحزم، أوقفهم الحوثيون وأخذوا سياراتهم".
وأشارت الحقوقية اليمنية، إلى أن أغلب النازحين في "الحزم"، من خارج محافظة الجوف، وتحديداً من محافظات "حجة، عمران، صنعاء، وصاب ( ذمار)، بالإضافة إلى أعداد من مديريات أخرى بالجوف مثل "المتون" و"الغيل"، وأعداد قليلة من محافظة إب، وسط البلاد.
وأضافت المقطري "منتصف يوليو/تموز 2019 نفذت عدة جلسات استماع مع 23 نازحا من محافظات شمال الشمال، جميعهم تحدثوا عن انتهاكات موجعة تعرضوا لها من الحوثيين في محافظاتهم وأضطروا بسببها للنزوح إلى الجوف".
وأطلقت الهيئة الحكومية المسؤولة عن مخيمات النازحين، نداء استغاثة للمنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في اليمن للتدخل العاجل، وأشارت إلى عدم قدرتها مع سلطات مأرب، على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من المهجرين قسريا.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قد أعلنت مساء الإثنين، عن تقديم مساعدات غذائية وإيوائية لـ70 ألف نازح هربوا من المعارك الدائرة في شمال اليمن، إلى مدينة مأرب.
ولم يكن النازحون هم الضحية الأولى للبطش الحوثي عقب اجتياحهم لعاصمة الجوف، حيث قاموا باقتحام مستشفى المدينة بحثا عن جرحى والسكن الجامعي، كما تمت مداهمة منازل قيادات عسكرية موالية للشرعية.
ولم تسلم النساء من الانتهاكات الحوثية، بعد أن قام مسلحو الجماعة، باقتحام منزل رئيسة القطاع النسائي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وفقا للحقوقية المقطري.
وألقى مسؤولون في الجوف باللوم فيما يجري بعاصمة المحافظة من انتهاكات حوثية على قوات الجيش اليمني وقالوا إنه خذل النساء والأطفال.
وقال مدير الإعلام بالجوف، يحيى قمع، في تغريدة على "تويتر" كان أشبه بيوم الحشر في مدينة الحزم، غادر الجيش الوطني ورمى المنديل الأبيض في شارع الريان أمام ذهول وهلع المواطنين، الذين كانوا يصرخون ماذا يحدث لنا.. لا تتركونا.. دموع وبكاء الأطفال لن أنساها".