لم تكد فورة التظاهرات الساخطة تهدأ في محافظة البصرة، حتى بدأت بالإعداد لحراك سياسي شعبي ساخط على تشكيلة حكومة عادل عبد المهدي، معتبرين أنّها حكومة همّشت محافظتهم، التي لم تنل أي منصب وزاري. ولا يبدو أنّ البصرة سترضخ هذه المرة لإرادة الحكومة بسهولة، إذ إنّ الحراك، الذي خطا أولى خطواته، مختلف عن السابق، من خلال التنسيق بين النواب والمسؤولين والأهالي، ما يضع حكومة عبد المهدي أمام مواجهة قد تكون غير محسوبة العواقب.
ويرى مراقبون أنّ عبد المهدي وضع نفسه في مواجهة مع البصرة، مشككين في قدرة رئيس الحكومة على إيجاد حلول لتلافي الأزمة المقبلة في البصرة، في ظل توحد القوى السياسية في المحافظة مع الأهالي ضدّ حكومته. وقال نائب عن تحالف "سائرون" في محافظة البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حكومة عبد المهدي هي حكومة مخيبة للآمال، خصوصاً لأهالي محافظة البصرة"، معتبراً أنّ "عبد المهدي تجاهل المحافظة بشكل تام، ولم يراع أهالي المحافظة الذين عانوا على مدى سنوات طويلة من عدم الإنصاف، ولم يعين أي وزير من هذه المحافظة، على الرغم من أهميتها الاقتصادية للبلاد، من خلال الموانئ وتصدير النفط، الذي يعد من أساسيات موارد الدولة".
وأشار النائب الى أنّ "تهميش عبد المهدي للبصرة وحّد الكتل السياسية في المحافظة، على الرغم من اختلاف توجهاتها، وبدأت مرحلة جمع ملفات الفساد على وزراء عبد المهدي". وأكد أنّ "غالبية وزراء عبد المهدي معروفون لدينا، وهم متورطون بملفات فساد كبيرة خلال الفترة السابقة، خصوصاً الذين شغلوا مناصب مهمة في الدولة"، مشيراً إلى "أنّنا كنواب عن البصرة سنقدم خلال الفترة المقبلة ملفات الفساد، ونسحب الثقة عن وزراء عبد المهدي المتورطين بالفساد". وراهن على "قدرة نواب المحافظة على تطهير هذه الحكومة من الفاسدين"، مشيراً إلى أنّ "الأهالي أيضاً سيبدأون حراكاً جديداً من التظاهرات الشعبية الساخطة ضد تهميش المحافظة، وستكون هذه التظاهرات عقب انتهاء مراسم الزيارة (الأربعين)، وسنكون كنواب داعمين للتظاهرات ومشاركين فيها". وشدّد على أنّ "عبد المهدي اختار لنفسه طريق المواجهة مع البصرة واستفزازها بشكل متعمد، الأمر الذي سيفقده الكثير".
ولم تضم حكومة عبد المهدي، التي حصلت على ثقة البرلمان، أي وزير من البصرة التي كانت تطمح بالحصول على وزارة النفط، ما تسبب باستفزاز المحافظة، وأعاد المطالبات إلى إعلانها إقليماً. وقالت النائب عن المحافظة، زهرة البجّاري، إنّ "إعلان محافظة البصرة إقليماً، هو الحل الوحيد لأزماتها". وأضافت البجّاري، في تصريح صحافي، أنّ "الحل الوحيد لانتشال البصرة من محنتها هو إقامة إقليم البصرة، وإنهاء أزمة الخدمات والتهميش، الذي حصل ضدها في التشكيلة الحكومية الجديدة"، مؤكدة أنّ "70 في المائة من مؤسسات النقل والنفط تقع في البصرة، فضلاً عن أنها تعاني من سوء الخدمات والتقصير والتجاهل". وطرح النائب عن البصرة، خلف عبد الصمد، تعيين نائب لرئيس الوزراء لشؤون محافظة البصرة. وقال، في بيان صحافي إنّ "الإجحاف واللامبالاة باستحقاق البصرة في التشكيلة الوزارية الجديدة أنتجا حالة من الغضب والامتعاض الشديد لدى الشارع البصري". وشدّد على أنّ "السبيل لمعالجة هذه الأزمة هو تعيين نائب لرئيس الوزراء خاص لشؤون البصرة، وإسناد وزارات أخرى إلى أبناء المحافظة"، مؤكداً أنّ "البصرة زاخرة بالشخصيات القادرة على إدارة هذه المواقع، لما تمتلكه من طاقات علمية وتخصصية قادرة على النهوض بالمحافظة". ودعا عبد الصمد الرئاسات الثلاث إلى "إنصاف البصرة في التشكيلة الوزارية الجديدة"، موضحاً أنها "تشكل مصدر اقتصاد العراق وتطفو على بحر من النفط، وتعاني، في الوقت ذاته، من أوضاع خدمية وبيئية مأساوية".
وعلى ما يبدو، فإنّ البصرة لن تمهل حكومة عبد المهدي كثيراً من الوقت، ولن تنتظر الوعود التي قد يطلقها، كما أمهلت الحكومات السابقة، ما يضع عبد المهدي في مرمى المواجهة مع المحافظة، التي عرفت بقوتها الشعبية وتظاهراتها الواسعة. وقال الخبير السياسي، غالب الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مواجهة عبد المهدي للبصرة تعني أنّ أول صراع له سيكون مع الشعب، وهذا سيكلفه الكثير". وأضاف "عبد المهدي ضيّق الخيارات على نفسه، ولم يترك مجالاً لإرضاء البصرة، إذ لم يتبق أمام المحافظة أي وزارة تقبل بها، بعدما خسرت وزارتي النفط والنقل اللتين كانت تطمح إلى الحصول على إحداهما"، مشككاً في "قدرة عبد المهدي على تلافي الموقف، وعليه انتظار ما ستؤول إليه الأمور في البصرة الساخطة".