"حرس كركوك"... مجموعة مسلّحة جديدة تقلق الشمال العراقي

28 ديسمبر 2017
قوات عراقية قرب تجمّع تركماني بكركوك (علي مكرّم غريب/الأناضول)
+ الخط -
بعد أكثر من شهرين على بسط الحكومة المركزية في بغداد نفوذها على مدينة كركوك وضواحيها، وإنهاء السيطرة الكردية على المدينة، باتت الأوضاع غير مستقرة، في ظلّ التفجيرات المتفرقة والهجمات المسلحة والجثث التي يعثر عليها بين حين وآخر، فضلاً عن الاغتيالات المنظمة المتصاعدة، خصوصاً في مركز المدينة، إثر تسجيل أجهزة الأمن العراقية خلال أسبوع واحد، أكثر من 20 عملية عنف مختلفة راح ضحيتها 59 شخصاً بين قتيل وجريح.

في هذا السياق، كشف مسؤولون في جهاز الشرطة المحلية، الذي أُقيل أخيراً كبار قادته من قبل بغداد وتم استبدالهم بضباط عرب وتركمان، لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش وجماعة كردية عنصرية تطلق على نفسها اسم (حرس كركوك)، تعتبر أن القوات العراقية الاتحادية محتلة للمدينة وترى وجوب مقاومتها وإعادتها لكنف أربيل".

إلا أن أحد وجهاء عشيرة البرزنجي في كركوك، أكد لـ"العربي الجديد"، أن "حرس كركوك، هم شبان أكراد قوميون وشيوعيون اتفقوا على هدف واحد، وليس بينهم أي شخص متدين"، مبيناً أن "قسماً منهم أيضاً كان منتمياً في السابق إلى البشمركة أو الأسايش، ولديه خبرة في عمليات خاصة وخبرة بكركوك ومناطقها". وأضاف أن "الجماعة نفّذت عمليات اغتيال منظمة استهدفت شخصيات أمنية وعسكرية ومحلية محسوبة على بغداد، كما قامت بهجمات مسلحة استهدفت دوريات عراقية تدخل كإجراء روتيني بين مدة وأخرى للأحياء الكردية شمالي كركوك".

وكشف الوجيه أن "حرس كركوك اغتالت شخصيات كردية اعتبرتها خائنة، وجميعها محسوبة على الاتحاد الوطني، ثم ما لبثث أن نفّذت عمليات اغتيال وهجمات بحق شخصيات تركمانية شيعية. وتقوم بعملياتها ليلاً، وهو ما دعا مجلس المحافظة أخيراً إلى الطلب بتكثيف التواجد الأمني للجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب في الليالي بالمدينة".

في هذا الإطار، تصاعدت عمليات الدهم والتفتيش التي نفّذتها القوات العراقية، في ظلّ محاولتها تجنيد السكان العرب والتركمان، لإعطاء معلومات عن المهاجمين الأكراد. ووفقاً لنقيب في شرطة كركوك، فإن "بغداد يجب أن تسأل مدير شرطة نواحي كركوك المقال، سرحد قادر، التابع لحزب البارزاني، عن حرس كركوك"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب أن تصنّف كجماعة إرهابية أسوة بداعش". وبحسب النقيب ذاته، فإن "تلك المجموعة التي لا يتجاوز عدد أفرادها العشرات تجذب شباناً أكراد إليها من داخل كركوك بعناوين قومية، ويقودهم عنصر أسايش ترك الخدمة بعد استعادة بغداد السيطرة على المدينة. ونعتقد أن الضابط الكردي التابع لحزب البارزاني العميد سرحد قادر، الذي كان يحكم كركوك قبل شهرين، لديه علم بتفاصيل المجموعة".

بدوره، أوضح الزعيم القبلي العربي رافع الجبوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التحركات عُدّت أمراً مقلقاً للعرب، الذين هم جزء مهم من كركوك ومحيطها، فالأحزاب الكردية غير مقتنعة تماماً بسيطرة القوات العراقية على كركوك"، مبيناً أن "الأوساط الكردية تعد هذا الأمر مؤقتاً، لأنهم يعتبرون كركوك محافظة كردية تابعة لإقليم كردستان". وشدّد على "ضرورة تكثيف وجود القوات العراقية من الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب في كركوك، من أجل قطع الطريق على محاولات قوى كردية العبث بأمن المدينة وايجاد مبرر لعودة قوات البشمركة الكردية، التي يتهمها العرب والتركمان بالقيام بإجراءات عنصرية ضدهم خلال المرحلة الماضية عن طريق العمل على تكريد المدينة ونزع المعالم التركمانية والعربية بداخلها".

من جهتهم، ينظر التركمان بقلق إلى الأوضاع الأمنية المتردية في المناطق المتنازع عليها عموماً وكركوك خصوصاً، وأكد عضو البرلمان العراقي عن المكون التركماني جاسم محمد جعفر، "عدم وجود انفلات أمني في هذه المناطق، بل توجد عصابات كردية تسعى إلى تأجيج الأوضاع في كركوك". ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يمتلك معلومات تؤكد أن العصابات الكردية التابعة لبعض الأشخاص تقوم بأعمال خارجة عن القانون، في محاولة لتأجيج الأوضاع في المناطق المتنازع عليها"، موضحاً أن "هذه العصابات كانت تهدد قبل الاستفتاء وبعده بالقيام بهذه الأمور".

في غضون ذلك، ازدادت هجمات "داعش" قوة وتأثيراً، خصوصاً على خاصرة المدينة الجنوبية والغربية، حيث الحويجة والرياض وداقوق وضواحيها. وسُجّل مقتل عدد من الضباط وأفراد الأمن، وزعيم قبلي مناهض لـ"داعش" خلال هذا الأسبوع، إذ شهدت المدينة، يوم الاثنين الماضي، أوسع هجوم لتنظيم "داعش" منذ إعلان الحكومة العراقية رسمياً انكساره وتحرير كافة الأراضي والمدن من سيطرته. واستهدف التنظيم بهجمات مباغتة أهدافاً عدة في مناطق جنوب وجنوب غربي كركوك، أسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 40 عنصراً من الأمن والجيش ومليشيات "الحشد الشعبي" ومدنيين.


وقال مسؤولون بالشرطة العراقية إن "الهجمات المباغتة لتنظيم داعش استهدفت مناطق الشريعة وناحية الرياض وطريق الحويجة، عبر اقتحام منازل وحواجز تفتيش ونقاط مراقبة، ومنازل زعماء عشائريين مناهضين للتنظيم".

وحذّر عضو البرلمان العراقي عن محافظة كركوك، شاخوان عبدالله، من "احتمال سقوط أجزاء كبيرة من المحافظة بيد داعش مرة أخرى"، مشيراً إلى "وقوع حالات قتل وخطف وسلب بشكل يومي هناك". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كركوك تعيش حالياً وضعاً خطيراً جداً"، لافتاً إلى "احتمال سقوط بلدتي الحويجة وداقوق، جنوب كركوك، مجدداً بيد زمر داعش الإرهابية والجماعات المتطرفة". وأوضح عبدالله أن "على الحكومة العراقية التعامل بعقلانية مع خطورة الموقف، والاعتماد على البشمركة كقوة مهمة لحفظ الأمن في كركوك"، مبيناً في تصريح صحافي، أن "الطريقة التي يتم التعامل بها مع الأكراد اليوم تشبه الطريقة التي كان يتعامل بها معهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين". وأشار إلى أن "استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى انفجار جماهيري كبير تجاه سياسات حكومة حيدر العبادي، وسيؤدي إلى خلق فتنة لا نهاية لها"، مطالباً العبادي بـ"صفته القائد العام للقوات المسلحة، بتشكيل غرفة تنسيق مشتركة بوجود البشمركة من أجل استقرار كركوك قبل خروج الوضع عن السيطرة".

ورد العبادي على الأصوات المنتقدة لموقفه بشأن الأحداث من كركوك، قائلاً خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إنه "لم نزُر كركوك لحد الآن، لأننا لا نريد أن نسجل نقطة أو نصر على أحدنا، وكركوك مدينة عزيزة علينا"، مؤكداً "وجود تواصل على مستوى عالٍ مع بعض الجهات في إقليم كردستان". وكشف عن "عدم اعتراضه على وجود أية لقاءات سياسية مع من يمثل إقليم كردستان".

وفي السياق، حذّر نائب الرئيس العراقي إياد علاوي، من "احتمال انفجار الوضع في كركوك في أية لحظة"، مشدّداً على "ضرورة احتواء الأكراد، لا طردهم، لأنهم جزء مهم وحيوي من الشعب العراقي". ودعا خلال تصريح صحافي، بغداد إلى "الانفتاح". وعلى الرغم من الخطر الكبير الذي تنذر به عودة تنظيم "داعش" إلى مناطق في كركوك، إلا أن مصادر محلية وزعامات قبلية رأت أن "الخطر الأكبر هو الهجمات ذات الطابع القومي بالمدينة التي تنفذها الجماعة الكردية الجديدة التي تتنامى وتصعد من عملياتها، على اعتبار أن هناك اتفاقاً على محاربة داعش ورفضه".