أخرج الملك المغربي محمد السادس التعديل الوزاري الواسع الذي يفترض أن تخضع له الحكومة المغربية قبل افتتاح البرلمان، من دوامة الانتظار والجمود، بعد "الاستفسار" الذي وجّهه إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، حول مدى تقدّم تنفيذ توجيهاته الصادرة في خطاب العرش في 30 يوليو/تموز الماضي.
وجاءت الخطوة فيما يواجه العثماني صعوبات في تطبيق أهداف التعديل، المتمثلة في خفض عدد الوزراء، مع الحفاظ، في الوقت ذاته، على تحالف أغلبيته وعلى دعم قيادات حزب العدالة والتنمية له. وقال الديوان الملكي، في بيان السبت الماضي، إن الملك استقبل العثماني، وخلال هذا الاستقبال، استفسر محمد السادس من رئيس الحكومة "حول تقدم تفعيل التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2019". وأوضح البيان أن الأمر يتعلّق "برفع رئيس الحكومة للنظر السامي لجلالة الملك، اقتراحات بخصوص تجديد وإغناء مناصب المسؤولية، سواء على مستوى الحكومة أو الإدارة".
تذكير الملك بتوجيهاته، يضع العثماني أمام احتمالات متباينة، أولها يرتبط بحالة "الجمود" التي واجهت رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، الذي عجز عن تشكيل حكومته الثانية عقب الانتخابات التشريعية في عام 2016. هذا الاحتمال يعني، حسب مصدر قيادي داخل تحالف الأغلبية، إمكانية تكرار سيناريو إعلان فشل الحكومة في إنجاز الإصلاح الذي طالبها به محمد السادس في مجال التكوين المهني، و"إذا تكرّر ذلك هذه المرة، فالنتيجة هي الدعوة إلى انتخابات مبكرة تجرى صيف عام 2020 بدل 2021"، بحسب المصدر.
أما الاحتمال الثاني، فهو نجاح العثماني في القيام بتعديله الوزاري، مع ما يتطلبه هذا الأمر من توافقات مع حلفائه داخل تحالف الأغلبية، وعلى رأسهم حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش. فالتطورات الأخيرة جاءت بعد عقد القيادة السياسية لحزب "الأحرار" اجتماعاً، الجمعة الماضي، في مدينة أغادير جنوب المغرب. وأعلن الحزب، في بيان صدر بعد بيان الديوان الملكي السبت الماضي، أنه جدّد تفويضه لأخنوش "لتعزيز مشاركة الأحرار في الحكومة"، معبراً عن "أمله" في "أن تضمّ كفاءات شابة، قادرة على مواصلة تطبيق الإصلاحات الكبرى التي تعرفها بلادنا، وإيجاد حلول عملية للتحديات التي تواجهها".
وفي مقابل هذا التأكيد على بقاء حزب "الأحرار" داخل الحكومة، تتزايد المؤشرات على احتمال خروج حزب التقدم والاشتراكية، وهو الحزب اليساري صاحب الكتلة البرلمانية الصغيرة، لكنه يتميّز عن باقي الأحزاب بدخوله في تحالف سياسي قوي مع حزب العدالة والتنمية منذ عام 2011، وإفشاله بالتالي محاولات دفع الإسلاميين إلى العزلة السياسية. وقال مصدر قيادي من داخل الأغلبية الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إن التعديل الوزاري يرمي أولاً إلى تخفيض عدد الوزراء، و"هو ما يجب أن يمسّ جميع الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية. وكما تعلمون، فإن لحزب التقدم والاشتراكية وزيرين فقط، وبالتالي سيكون خروجه وارداً، خصوصاً أن الأغلبية الحكومية في البرلمان لن تتأثر بذلك"، في إشارة إلى 13 نائباً تابعين للحزب في البرلمان.
وكان الملك محمد السادس دعا في خطابه الموجه إلى الشعب، بمناسبة الذكرى 20 لجلوسه على العرش، في 30 يوليو/تموز الماضي، رئيس الحكومة إلى تحضير "مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق". وبناء على هذه الدعوة، بادر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى إجراء مشاورات مع قادة أحزاب التحالف الحكومي، لكنها اقتصرت حتى الآن على قادة 4 أحزاب، وبقي اجتماعه برئيس حزب التجمع الوطني للأحرار مؤجلاً بانتظار اجتماع مكتبه السياسي. واعتبر بعض المراقبين أن تأخر عقد الاجتماع تكرار لسيناريو عام 2016، حين أعاق أخنوش تشكيل رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، لحكومته الثانية، حيث اصطفّت ثلاثة أحزاب إلى جانب أخنوش وربطت مشاركتها في الحكومة بقبول شروطه، ما جعل بنكيران عاجزاً عن جمع الأغلبية داخل مجلس النواب، لينتهي شدّ الحبل بإعفاء الملك لبنكيران واستبداله بالعثماني.