على الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الإمارات سلسلة مراجعات لسياساتها العدائية مع الحكومة الشرعية في اليمن، إلا أن الوضع الأمني في المناطق الجنوبية لليمن، بما في ذلك مدينة عدن، لا يزال على حاله. في هذا الإطار، تستمر الإمارات بإدارة تشكيلات عسكرية وأمنية أقرب إلى مليشيات غير خاضعة للحكومة الشرعية، على نحوٍ يساهم في استمرار الصورة السلبية عن الأخيرة، وقدرتها على فرض سيطرتها جنوب البلاد وشرقها، إلى جانب السخط الشعبي المتزايد ضد ممارسات أبوظبي وحلفائها.
وسلّطت أزمة المواجهات التي شهدتها محافظة شبوة اليمنية أخيراً، الضوء من جديد، على التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة لدولة الإمارات جنوب اليمن وشرقه، والتي تعدّ وجهاً آخر، لاستمرار الأزمة بين أبوظبي والحكومة الشرعية. ومع مواصلة الإمارات إدارة تشكيلات عسكرية وأمنية خارجة عن سلطة الشرعية، تعمل أيضاً على تقويض هذه السلطة، بما فيها السيطرة على الموانئ والمنافذ الاستراتيجية في المدن والمحافظات المختلفة، في مقابل اتساع رقعة السخط المحلي من ممارسات هذه القوات، التي تحولت إلى عائق أساسي في الاستقرار الأمني والتنموي بمحافظات الجنوب اليمني، وفي مدينة عدن، المعروفة بـ"العاصمة المؤقتة"، بشكل خاص.
في السياق، تبدو تهدئة أنشطة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتياً، في الأشهر الأخيرة، على رأس أبرز ما أفضت إليه مراجعات أبوظبي مع الشرعية، بعد أن شعرت الأولى أن ممارساتها يمكن أن تدفع إلى سحب الغطاء عن نفوذها تحت مسمى المشاركة في "تحالف دعم الشرعية" السعودي ـ الإماراتي. كما أقال الرئيس اليمني بن دغر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعيّن معين عبدالملك، الذي يبدو حتى أقل اصطداماً مع التحالف، محاولاً التركيز في الجوانب الاقتصادية وغض الطرف عن الملف الأمني، الذي تحضر فيه الأزمة مع الإمارات. وقد نال التغيير الحكومي ترحيباً لدى حلفاء الإمارات.
في المقابل، وبالنظر إلى تصريحات المسؤولين اليمنيين، بما في ذلك نائب رئيس الحكومة، وزير الداخلية أحمد الميسري، عقب عودته من أبوظبي في يونيو/حزيران الماضي، فقد فشلت التفاهمات مع أبوظبي في حل أزمة الملف الأمني باعتبارها الامتحان الفعلي لأي مراجعة إماراتية. ترفض أبوظبي إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لمؤسسات الدولة اليمنية، وتحتفظ بتشكيلات موالية لها، وهي "قوات الحزام الأمني" في عدن ومحيطها (أبين، ولحج، والضالع)، و"النخبة الحضرمية" في حضرموت، وصولاً إلى "النخبة الشبوانية" في شبوة. وجميعها قوات متهمة بممارسة صنوف الانتهاكات، كما أنها وبما يتعلق بـ"الحزام الأمني" خصوصاً، فإنه يبدو كذراع عسكرية للانفصاليين، وكحجر عثرة أمام مختلف محاولات الحكومة اليمنية تأمين الاستقرار في البلاد.
وتعد "النخبة الشبوانية"، الذراع الإماراتية في محافظة شبوة، وبدأت الانتشار منذ منتصف عام 2017، وسعت لفرض قبضتها الأمنية على هذه المحافظة الاستراتيجية، بمبرر محاربة تنظيم "القاعدة"، الذي تعد شبوة بالنسبة إليه، أحد معاقل الانتشار التقليدية. كما نفذت قوات "النخبة"، حملات أمنية ومداهمات، اُتهمت على إثرها بارتكاب انتهاكات واسعة، وامتدت ممارساتها إلى مهاجمة قوات أمنية حكومية في بعض الأحيان. وتنفذ "النخبة" سياسة أبوظبي، في محاربة "القاعدة" وتنفيذ عمليات ضد مشتبهين بالانتماء إلى التنظيم، فضلاً عن استهداف معارضي أبوظبي واستهداف الحكومة الشرعية وإعاقة مشاريعها المختلفة. الأمر الذي أكده وزير النقل اليمني صالح الجبواني في مارس/آذار الماضي، عندما عقد مؤتمراً صحافياً في شبوة، معلناً أن قوات "النخبة" التابعة للإمارات، منعته من الوصول إلى أحد الموانئ في المحافظة، ووصف هذه القوات بأنها أقرب إلى شركات أمنية خاصة.