التحالف الدولي يكرر السيناريو المتوحش في ريف دير الزور

09 ديسمبر 2018
استدعى التحالف مئات المقاتلين إلى الجبهة (فرانس برس)
+ الخط -

عاد الشرق السوري إلى واجهة الأحداث مرة أخرى مع اشتداد قصف جوي، يُوصف بـ"المتوحش"، من قبل طيران التحالف الدولي على مناطق في ريف دير الزور الشرقي لا تزال تحت سيطرة تنظيم "داعش"، الذي يحاول الدفاع عن معقله الأخير، فيما تحاول "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إحداث اختراق عسكري من شأنه أن يؤدي إلى انهيار التنظيم وحسم المعركة لمصلحتها. لكن من الواضح أن عشرات آلاف المدنيين خارج حسابات القوى المتصارعة، إذ يدفعون ثمن هذا الصراع في ظل عدم الاكتراث بتأمين ممرات آمنة تمكنهم من الخروج من "الجحيم" الذي يحصد يومياً أرواح الأطفال والنساء.

ولا تزال الاشتباكات على أشدها بين تنظيم "داعش" من جهة، و"قسد" من جهة أخرى في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات. وتؤكد مصادر عدّة أن هذه القوات تحقق تقدماً على الأرض تحت غطاء من طيران التحالف الدولي الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة، إذ لا يهدأ القصف الجوي وسقوط الصواريخ على المنطقة. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، إلى أن الاشتباكات مستمرة على عدة محاور في بلدة هجين، معقل التنظيم البارز في ريف دير الزور، في محاولة مستمرة من قبل "قوات سورية الديمقراطية" لقضم مزيد من المناطق وبسط سيطرتها الكاملة على البلدة. وأشار إلى قصف مدفعي وصاروخي متواصل من قبل التحالف الدولي و"قسد" على مناطق سيطرة تنظيم "داعش" ومناطق أخرى. وذكرت شبكة "فرات بوست"، الجمعة الماضي، أن "قسد"، مدعومة بقوات التحالف الدولي، سيطرت على حي حوامة في هجين بعد أيام من المعارك العنيفة وعشرات الغارات الجوية، مشيرة إلى أن نسبة الدمار في الحي تصل إلى نحو 80 في المائة. وأشارت الشبكة إلى أن طيران التحالف شن الجمعة أكثر من 100 غارة على بلدة هجين، موضحة أن الغارات جاءت لتغطية انسحاب "قسد" من المناطق التي سيطرت عليها، ولصد الهجمات المكثفة التي شنها عناصر "داعش" لاستعادة ما خسروه داخل البلدة. وأوضحت أن بلدة هجين تعد خط الدفاع الأول للتنظيم، مشيرة إلى أن أغلب سكانها نزحوا مع اشتداد المعارك باتجاه ما تبقى من مناطق خاضعة للتنظيم، خصوصاً بلدة الشعفة، ومنهم من استطاع الخروج إلى مناطق "قسد" عبر المهربين، إذ يمنع التنظيم المدنيين من مغادرة مناطق سيطرته في محاولة واضحة لاتخاذهم دروعاً بشرية.

لكن المعطيات تشير إلى أن التحالف الدولي لا يكترث بوجود مدنيين داخل منطقة الصراع. وأشارت مصادر محلية إلى أن قوات التحالف المتمركزة في حقل العمر النفطي شمال نهر الفرات، قصفت، أول من أمس، بنحو 20 صاروخاً بلدة هجين ما أدى إلى مقتل مدنيين، غالبيتهم نساء وأطفال، فيما يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من 70 في المائة من بلدة هجين باتت تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، مشيراً إلى أن هذه القوات تتقدم ببطء في المساحة المتبقية من البلدة نتيجة كثافة الألغام المزروعة من قبل عناصر تنظيم "داعش". ومن الواضح أن التحالف الدولي بقيادة أميركا يكرر في ريف دير الزور الشرقي سيناريو الرقة "المتوحش" الذي استخدمه قبل أكثر من عام، وأدى إلى تدمير شبه كامل للمدينة ومقتل مئات المدنيين، مع استمرار اكتشاف الجثث تحت أنقاض المنازل. وبدأت "قسد" في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي بدعم جوي من طيران التحالف الدولي، معركة واسعة النطاق لطرد "داعش" من آخر جيوبه في هجين ومحيطها. إلا أن التنظيم شنّ لاحقاً هجمات معاكسة شتتت شمل "قسد"، وأبدى شراسة في الدفاع عن آخر معاقله في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، وهو ما دفع التحالف الدولي، وفق مصادر إعلامية، إلى استدعاء المئات من عناصر الوحدات الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية" إلى خطوط الجبهة مع التنظيم، إضافة إلى استدعاء مقاتلين من مليشيا "جيش الثوار"، التابعة لهذه القوات، ومقاتلين من "مجلس منبج العسكري".



ويسيطر تنظيم "داعش" على جيب جغرافي في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات يمتد لنحو 40 كيلومتراً، من قرية البحرة غرباً إلى مشارف مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً، وبعمق 10 كيلومترات، ويضم بلدة هجين، التي باتت معقل التنظيم الأبرز شرقي سورية، وقرى السوسة، والباغوز، والشعفة، وأبو الحسن، والبوخاطر، والكشمة، والبوبدران، وموزان، والسفافنة. وعجزت "قوات سورية الديمقراطية" طيلة ثلاثة أشهر عن حسم الموقف لمصلحتها، وتكبدت خسائر فادحة في صفوف عناصرها نتيجة استشراس التنظيم في الدفاع عن معقله، وقدرته على استغلال الأحوال الجوية في المنطقة. ويبدو أن القصف الجوي "المتوحش"، حسب وصف مصادر محلية، يؤكد نية التحالف الدولي التعجيل بالحسم حتى لو أدى الأمر إلى تدمير المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى وقوع مجازر في ظل تعتيم إعلامي كبير على ما يجري في شرق سورية.
ويدفع آلاف المدنيين العالقين في المنطقة ثمن المعارك التي تدور رحاها في مناطقهم، وتؤدي إلى مقتل العشرات منهم بقصف طيران التحالف الدولي، الذي ارتكب أخيراً أكثر من مجزرة بحق المدنيين، الذين قدّرت مصادر عددهم بنحو 40 ألف مدني يعيشون ضمن ظروف إنسانية تكاد تصل إلى حدود الكارثة.

ويؤكد ناشطون سوريون أن مجازر ترتكب بحق هؤلاء المدنيين من دون أي اهتمام من المنظمات الدولية المعنية بحماية المدنيين، وبلا اكتراث بتأمين ممرات آمنة لهم، ومن يستطيع منهم الخروج من المنطقة يحتجز في معتقلات عنصرية وتوجه له تهمة الانتماء إلى تنظيم "داعش". وتشير مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما يجري في ريف دير الزور "مأساوي"، مضيفة "هو أقرب إلى الجحيم. عائلات كاملة أبيدت تحت ركام منازلها". من جانبه، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل المئات من المدنيين بقصف التحالف الدولي، ضمنهم 180 مدنياً سورياً في ريف دير الزور الشرقي، بينهم 76 طفلاً و43 امرأة منذ العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، مشيراً إلى أن طائرات التحالف الدولي استهدفت مساجد ومعهد لتحفيظ القرآن ومنازل مدنيين. وأشار إلى ارتفاع قتلى التنظيم إلى 837 عنصراً سقطوا في القصف والاشتباكات والتفجيرات والغارات ضمن الجيب الأخير للتنظيم منذ 10 سبتمبر. كما وثق "المرصد" مقتل 500 من عناصر "قوات سورية الديمقراطية".