ترتفع حالُ الإرباك التي يعيشُها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، على خلفية تراجع حضوره الشعبي، بحسب ما تبينه أرقام استطلاعات الرأي، ومع تزايد حدة الأصوات داخل مجالسه، الداعية إلى ضرورة الانسحاب من الائتلاف الحاكم الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، إلى تهديد القاعدة بانتفاضة داخلية، قد تنهي حقبة زعيمة الحزب أندريا ناليس في فترة قياسية.
ويشكك البعض من قادة "الاشتراكي الديمقراطي"، وبينهم رؤساء وزراء عدد من الولايات، في النتائج المرضية التي قد يحصل عليها حزبهم في انتخابات هيسن، المقررة نهاية الأسبوع الحالي. ويبدو أن هناك حالة من التذمر في ولاية هامبورغ، وفق ما تفيد المصادر الحزبية، وأن ضغط القاعدة آخذٌ في النمو، من أجل إنهاء التحالف في برلين. ولا يقل الوضع صعوبة في ولاية ساكسونيا السفلى، إذ تبدو النقمة واضحة على سياسة الحزب الفيدرالية، أما في ولاية شمال الراين وستفاليا، فلا تزال تتردد أصداء مواقف رئيس كتلة الحزب في برلمان الولاية توماس كوتشاتي، حين دعا بعد انتخابات بافاريا، إلى فكّ التحالف مع "الاتحاد المسيحي".
وفي هذا السياق، شكك نائب رئيس الاشتراكي رالف شتيغنر، اليوم الإثنين، في حديث مع "دي فيلت"، في "إمكانية استمرار الائتلاف الكبير مع التطور الكارثي" الذي شهده حزبه خلال الأشهر الماضية، خاصة أن نتائج بافاريا أظهرت بوضوح "أنه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال"، بحيث بات من المطلوب "المناقشة بجدية تامة ماذا يحدث داخل الائتلاف في برلين، وضرورة اتخاذ موقف واضح وصريح بشأن صادرات الأسلحة وفضيحة الديزل". بدورها، حذرت زميلته مالو دراير، رئيسة وزراء ولاية راينلند بفالس، في حديث مع شبكة "إي آر دي"، من المضي في هذا المسار، موضحة أنه "لم تعد هناك رغبة في العمل مع تحالف كبير نناقش فيه من الصباح حتى الليل أموراً ليست في الحقيقة قضايا للنقاش على الإطلاق".
وتنطلق الأصوات المعترضة من منطق أن الحزب لم يحقق خلال الستة أشهر الأولى من مشاركته في "الائتلاف الكبير" (غروكو)، أي خرق جدي في الملفات التي دخل على أساسها هذا الائتلاف، لا بل أن وزراءه استكانوا داخل التركيبة الحكومية على قاعدة "الخوف من الأسوأ"، في ظل تراكم الأزمات الداخلية وتمدد الأحزاب الصغرى التي استطاعت هزّ القاعدة الجماهيرية للحزب العريق، والبرهان هو الأرقام المخيبة التي حصل عليها خلال انتخابات برلمان بافاريا الأخيرة، والاستطلاعات التي ترصد في ولاية هيسن قبل أسبوع من الانتخابات الإقليمية، حيث يحل "الاشتراكي" ثالثاً، بعد خسارته 10 نقاط عن انتخابات 2013.
في المقابل، تبرز اعتراضات لقيادات حزبية أخرى في "الاشتراكي" حول فكرة الانسحاب، مع التشكيك بجدواها، انطلاقاً من ثابتة أن الحزب، ورغم الانطلاقة البطيئة للحكومة، عمل على جملة ملفات، بينها السعي إلى تعديل قوانين التعليم للأفضل، ومساهمات التأمين الصحي وتحسين ظروف الطبابة، ناهيك عن أن إجراء انتخابات جديدة في الوقت الحالي يعد ورقة خاسرة لـ"الاشتراكي"، علماً أن عدد نوابه (153) غير قليل، ولا يوجد استعداد للتضحية بالكثيرين منهم، فيما تنعم الأحزاب الصغرى واليمين الشعبوي بفورة وتأييد لا مثيل لهما.
هذا الأمر أكد عليه رئيس "البوندستاغ" الأسبق فولفغانغ تيرسي، اليوم، في مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل"، رأى فيها أنه "من السذاجة الاعتقاد بأن الاشتراكي يمكن أن يتعافى في حال الذهاب إلى صفوف المعارضة، رغم أن الحزب في حال محزنة وأذىً رهيب بعد النتائج المخيبة في بافاريا"، قبل أن يضيف أن على "الاشتراكي" أن "يعقد العزم على العمل بشكل حاسم في الولايات الشرقية، التي تتحضر ثلاث منها لخوض انتخابات برلمانية عام 2019، عبر العمل على تشجيع الصناعة، وتسوية المعاشات التقاعدية والأجور، وتعزيز التقدم المهني، وصولاً إلى توطيد هياكل الديمقراطية".