حلّ الجمعيات الأهلية في مصر بموجب القانون

06 سبتمبر 2018
أقر القانون عقوبات سالبة للحرية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


كشف مصدر نيابي مطلع في مصر أن الجمعيات الأهلية العاملة في بلاده، سواء المحلية أو الأجنبية، باتت محلولة وغير شرعية بموجب قانون تنظيم أوضاع المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، الذي أقره البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وصادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو/أيار 2017، ولم تصدر لائحته التنفيذية من مجلس الوزراء حتى الآن.

وقال المصدر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن القانون ألزم في مادته الثانية، جميع الكيانات الممارسة للعمل الأهلي، بتوفيق أوضاعها وفقاً لأحكامه خلال سنة من تاريخ العمل به، وإلا عُدت محلولة، وتؤول أموالها إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية (حكومي)، موضحاً أن اللجنة المشكلة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي انتهت من إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، غير أن "جهات سيادية" قررت تجميد إصدارها إلى أجل غير مسمى. وعزا المصدر التباطؤ في إصدار اللائحة، التي من شأنها تفعيل نصوص القانون على أرض الواقع، إلى الضغوط الدولية التي يتعرض لها النظام المصري، بغية إدخال تعديلات على التشريع المقيد لعمل الجمعيات الأهلية، وتوجيه بعض السفارات الأجنبية لدى القاهرة تحذيرات إلى وزارة الخارجية لانعكاس نصوص القانون بالسلب على أنشطة منظمات المجتمع المدني المدعومة من حكومات أوروبية.

وأقر القانون عقوبات سالبة للحرية، مناقضاً بذلك توصيات الأمم المتحدة بشأن التعامل مع المجتمع المدني، تصل للحبس لمدة خمس سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مليون جنيه (نحو 56 ألف دولار)، في حال إجراء الجمعية الأهلية استطلاعات رأي أو بحوثاً ميدانية، أو مارست العمل الأهلي دون التسجيل، أو تعاونت مع أي منظمة دولية، بما في ذلك أجهزة الأمم المتحدة، من دون الحصول على موافقة الجهات المختصة (الأمنية). وحظر القانون كذلك على جمعيات العمل الأهلي جمع التبرعات، أو الحصول على أموال من الخارج، إلا بعد تصريح من الحكومة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة على نشاط المجتمع المدني، لعدم توافر مصادر تمويل كافية في الداخل، بما يساعد الجمعيات على القيام بأنشطتها. كما يحرم الجمعيات والمؤسسات الأهلية من الانضمام أو الانتساب إلى أي شبكات دولية، إلا بعد موافقة الحكومة.

من جهته، قال مصدر بارز في لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان إن "الحكومة رقصت على السلم"، حسب تعبيره، كونها لم تشرع في تعديل مواد القانون، وإعادته مرة أخرى لمجلس النواب لإصداره بعد المراجعة، وهو حق مكفول دستورياً لرئيس الجمهورية، أو أن تمضي قدماً في خطوات تفعيل مواد القانون على مؤسسات العمل الأهلي، من دون النظر في الاعتراضات الخارجية على بعض مواده. وأضاف المصدر، في حديث خاص، أن عدم إصدار اللائحة التنفيذية للقانون يؤثر بالسلب على عمل عشرات الآلاف من الجمعيات الأهلية القائمة، خصوصاً أنه قد يطعن بدستورية بعض نصوص القانون، في ضوء عدم التزام الجمعيات الأهلية بتوفيق أوضاعها، وفق المدة المحددة بسنة واحدة في القانون، الذي مر 16 شهراً على نشر قرار إصداره في الجريدة الرسمية.

وتواجه منظمات المجتمع المدني المصري حالة غير مسبوقة من التضييق، حتى بات نشاطها شبه متوقف، على خلفية التوسع في قرارات الحبس ومصادرة الأموال والأملاك، فيما أصدرت 25 منظمة حقوقية مصرية، بياناً مشتركاً، في إبريل/نيسان الماضي، أعلنت فيه رفضها المطلق للقانون، لأنه "يستهدف تأميم المجتمع المدني، ويتبنّى قيوداً تعسفية تسعى إلى إرهاب الناشطين في منظمات المجتمع المدني". وقالت المنظمات إن القانون هو "امتداد للفلسفة التي تقوم على تشديد الحصار على منظمات المجتمع المدني بشكل عام، وخنق المنظمات الحقوقية بشكل خاص، بدرجة تفوق القوانين القمعية للمجتمع المدني السابقة، علاوة على استهدافه تقويض الهامش المحدود المتاح للنشاط، وجعل عاقبة تأسيس منظمات أهلية باهظة، بما يكبح حماس المواطنين لتأسيسها أو المشاركة في نشاطها". وكانت مصادر سياسية مصرية قد كشفت، لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، عن كواليس اجتماع طارئ غير مُعلن بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، في أعقاب اللقاء الذي جمع السيسي بوفد أميركي برئاسة كبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر، وطلبه من الأخيرة إعداد نصوص بديلة لمواد القانون، التي قوبلت بردود فعل غاضبة لدى الإدارة الأميركية. وأفادت المصادر بأن سفارات بعض الدول الأوروبية هددت بوقف التعامل مع الحكومة المصرية في دعم بعض المشاريع التنموية في مجالي التعليم والصحة، وعرقلة ضخ الاستثمارات من بلادها للسوق المصري، من جراء الاتجاه لفرض مزيد من القيود على عمل المنظمات والمؤسسات الأجنبية المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بما في ذلك أنشطة التمويل التي تصل إلى تلك المنظمات عبر وزارة التضامن الاجتماعي.

وحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعي، يبلغ عدد الجمعيات الأهلية في مصر نحو 40 ألف جمعية. ووفقاً للقانون، يجب على أي جمعية الحصول على موافقة مسبقة على أي تبرعات تتجاوز عشرة آلاف جنيه (560 دولاراً تقريباً)، فإذا لم تمنح الموافقة خلال 60 يوماً يعتبر الطلب مرفوضاً تلقائياً، وقد يعاقب المسؤولون عنها بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات، وبغرامة تصل إلى مليون جنيه، في حالة عدم إخطار السلطات.
تجدر الإشارة إلى مطالبة تكتل "25 - 30"، الذي يضم نحو 16 نائباً من مجموع 595 برلمانياً، السيسي بإرسال القانون إلى مجلس النواب مرة أخرى لمزيد من الدراسة، في الوقت الذي أعلنت فيه أحزاب ومنظمات وجمعيات وشخصيات مصرية عامة، رفضها التام للقانون المناقض لالتزامات مصر الدولية في إطار اتفاقيات الأمم المتحدة متعددة الأطراف.