"تحيا تونس": صعوبات في التأسيس وتوقعات بمنافسة "النهضة" و"النداء"

01 مايو 2019
العزابي في مؤتمر الأحد(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


لم تكن ولادة حزب "تحيا تونس" سهلة، إذ لاحقته المشاكل سريعاً، حتى أنها بدأت قبل الإعلان عنه رسمياً، في مؤتمره العام يوم الأحد الماضي، بينما توضع آمال كبيرة عليه بإمكان خلق حالة جديدة قد تقلب صورة الخريطة السياسية في تونس، وتكسر الحصار بين "نداء تونس" و"النهضة". وعلى الرغم من الوهج الذي تحمله آمال التأسيس الأولى، فإن الانتخابات المقبلة هي التي ستبيّن بالفعل مدى شعبية هذا الحزب ورواجه في الأوساط الشعبية، وتدفع عنه صفة حزب الكوادر، وستُظهر بالفعل ما إذا كان زعيمه، رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عاملاً إيجابياً له أم أنه سيحمل معه أوزار نتائج حكومته.


وعلى الرغم من اكتمال أعمال هذا الحزب وتحديد اسم أمينه العام وقائمة هيئته الوطنية، خلال مؤتمره العام يوم الأحد الماضي، إلا أنه أجّل اختتام مؤتمره إلى اليوم الأربعاء، بسبب حادث شاحنة في منطقة السبّالة في سيدي بوزيد، يوم السبت الماضي، أودى بحياة 13 عاملاً زراعياً أغلبهم من النساء. وتوافق المؤتمرون على تعيين سليم العزابي أميناً عاماً للحزب، فضلاً عن تعيين نائب للرئيس (لم يُعيّن بعد)، فيما أصرّ الحزب على إقامة لقاء ختامي اليوم، يُفترض أن يتحدث فيه الشاهد أمام حشد كبير من مناصريه في قاعة رادس الرياضية، لتأكيد شعبية الحزب الجديد، مرة أخرى.

بدوره، أكد رئيس المؤتمر، كمال إيدير، خلال مؤتمر صحافي، أن "قائمة واحدة تقدّمت، ومرشحاً وحيداً للأمانة العامة، و46 قائمة مناطقية و400 قائمة محلية"، مشدداً على أن "عدد المرشحين بلغ 6948 مرشحاً". ولفت إلى "نجاح المسار الديمقراطي في انتخاب هياكل الحزب، التي كان جزء منها توافقياً والآخر انتخابياً، ما مكّن من انتخاب 380 مكتباً محلياً و27 مكتباً مناطقياً، فيما يبلغ عدد المسؤولين المحليين 5400 مسؤول". وأوضح أن "عدد المنخرطين تجاوز 100 ألف، وأن نسبة النساء بلغت 27 في المائة، وأن عدد المنخرطين الهامّ دفع الحزب إلى العمل ليلاً ونهاراً بمجموعة فرق حتى تتمكن من تسجيل الجميع". وقال رئيس المؤتمر إن "الحركة بنت هياكلها على مستوى وطني ومناطقي ومحلي وكان من المفترض أن تعلن عن نتائج المؤتمر، ولكن فاجعة سيدي بوزيد أجّلت ذلك تضامناً مع ضحاياها".

من جهته، شدّد العزابي مراراً على أن "الشاهد هو الزعيم السياسي للحركة من دون أن يكون زعيمها التنفيذي أو العملي"، مجدداً تأكيد دعم الحزب للشاهد ولسياسات حكومته. وبخصوص منصب رئاسة الحزب، أوضح أن "المجلس الوطني للحركة قادر على اختيار رئيس للحزب في أي وقت"، مشيراً إلى أن "الشاهد غير موجود حالياً في هياكل الحزب".

ويعرف الجميع في تونس أن الشاهد هو المؤسس الحقيقي والفعلي للحزب، تأسس حوله وبه، ولكن منذ بروز انتقادات له حول تداخل العمل الحزبي بالحكومي واتهامه بالتحضير للانتخابات المقبلة، حتى قبل بروز نوايا تأسيس "تحيا تونس"، يعمل الشاهد على دفع هذه الاتهامات مع التشديد على تفرّغه للعمل الحكومي وبعده عن الحزب. وخلال انعقاد أعمال المؤتمر يوم الأحد الماضي، توجّه الشاهد إلى سيدي بوزيد لتعزية عائلات المتضررين من حادثة السبّالة، ليثبت مرة أخرى أنه منشغل بواجبات حكومته وليس بالحزب الجديد.

ويظهر هذا التوجّه حالة فريدة في العمل الحزبي، إذ إن الجميع يعرف أنه رئيس هذا الحزب ومؤسسه ويتابع كل كبيرة وصغيرة فيه، بينما بقي منصب الرئيس شاغراً بعد انتهاء أعمال المؤتمر، ما خلق وضعاً غريباً. ويبدو أنه لم يكن بإمكان الشاهد أيضاً أن يسلك طريقاً غير الذي سلكه حتى الآن، فقد دُفع إليه دفعاً، بعد أن طالبته حركة "النهضة"، أحد أهم أسباب بقائه في الحكومة، بالاختيار بين العمل في الحكومة أو الترشح للانتخابات، قبل أن تتراجع عن ذلك وتغض الطرف عن هذا الشرط. كما اتهمه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بأنه يؤسس ما سماه "حزب الحكومة"، وانهالت عليه أصوات المعارضين بأنه يستغل إمكانيات الدولة لتأسيس حزبه الجديد، وهو ما اضطره ومناصريه إلى العمل على إبعاد هذه الاتهامات.



وبحسب مراقبين، فإنه لم يكن بإمكان الشاهد أن يغادر الحكومة ويتفرغ للحزب، إذ يُعد مساره كرئيس للحكومة أهم عوامل تأسيس ورواج هذا الحزب، وكان مساره سيتغير كثيراً لو أنه غادر الحكومة. لذلك حمّل السبسي، حركة "النهضة" هذه المسؤولية، لأنها دافعت بشراسة عن بقائه على رأس الحكومة، ونجحت في ذلك. وقال بعض المراقبين إن "النهضة تربي أسداً سيلتهمها هي في المقام الأول". صحيح أن منصب رئيس الحكومة ساهم بشكل كبير في إنجاح مسار تأسيس الحزب الجديد، ووقوف الشاهد ضد نظام العائلة بعد هجومه على نجل السبسي، حافظ، لكن ذلك لم يكن فقط العامل الوحيد والموضوعي لذلك، إذ قاد تفكك حزب "نداء تونس" إلى أجنحة كثيرة، خصوصاً أن النداء عقد مؤتمره الأول بعد سبع سنوات على تأسيسه، وتلاه انشطاره إلى حزبين. كما أن الحزب انقسم إلى كتلتين جديدتين في البرلمان، في السنتين الماضيتين، مع تسجيل حالة من النزوح الجماعي لقياداته بحثاً عن حزب جديد يقوم على المشروع نفسه ولكن بتغيير الأدوات.

هذه العوامل تدفع إلى الاعتقاد بأن حزب "تحيا تونس" هو الوريث الشرعي لـ"النداء"، يقوم بالأساس على فكره نفسه ويتقدّم كعنوان للعائلة الوسطية التي تضيف إليها قوى اليسار الحداثي المعتدل وتشكل المنافس الأول لحركة "النهضة"، تماماً كما فعل السبسي في عام 2014. وأمام استفحال المنافسة السياسية على هذا الدور، تحاول قيادات "تحيا تونس" التأكيد أن الحزب الجديد هو القادر على تحوّله إلى قوة كبرى، إذ إن العزابي قدّمه كـ"أهم قوة سياسية تراهن على الفوز بـ109 مقاعد في الانتخابات التشريعية"، المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. والرقم 109 يُشكّل الغالبية في البرلمان المكوّن من 217 مقعداً، ويعني العزابي بصورة غير مباشرة أن "تحيا تونس" لن يحتاج إلى التحالف مع "النهضة". واعتبر في تصريحات إذاعية أن "الحزب ضحية حملات تشويه، وعلى الرغم من ذلك نجح في اكتساح المشهد"، مضيفاً: "نحن أقوياء قبل أن نولد، وتحيا تونس بإمكانه أن ينتصر عليهم جميعاً وقادر على تحقيق نتيجة 109 مقاعد، والجميع خائف منا قبل أن نبدأ".

وتتحدث القيادات عن عمليات "اكتساح شعبي" وصلت إلى حدّ الحصول على دعم 100 ألف مشترك في غضون أشهر قليلة، وقدرة على جمع العائلة الوسطية من خلال مشاورات مع أحزاب قريبة منها، باستثناء النهضة، وتدعو مختلف الشخصيات السياسية إلى الالتحاق بها لأنها تشكل البديل الوحيد القادر على تحقيق ذلك.

في سياق آخر، بعد انتهاء أعمال المؤتمر، الأحد الماضي، لوّح رئيس كتلة "الائتلاف الوطني"، كتلة الحزب الجديد، مُصطفى بن أحمد، بالاستقالة من حركة "تحيا تونس"، مؤكداً في تدوينة، نشرها يوم الإثنين الماضي، على صفحته في "فيسبوك" استعداده "للدفاع عن حياته من أجل حرية تفكيره وإبداء رأيه". وأضاف أن "من يُفكّرون في إسكاتي مخطئون". وهو ما يعني أنه لن يتراجع عن موقفه وقد ينسحب من الحزب من أجل ذلك.
ويعدّ بن أحمد حالياً الرجل الثالث في الحزب، بعد الشاهد والعزابي، ولكن يمكن اعتباره الشخصية الأبرز. وهو من بدأ تشكيل الحزب من الكتلة النيابية أساساً، كما أنه من أبرز منظّريه ويحظى باحترام كبير لدى أصدقائه وحتى أعدائه. وذكرت مصادر أن "خلافاً طرأ خلال أعمال الحزب، إذ اعترض بن أحمد على وجود بعض الشخصيات في المراكز المتقدمة للحزب، بينما تم اتهامه بأنه يقف ضد وجود الدستوريين والتجمعيين في الحزب".

لكنها ليست المشكلة الوحيدة في "تحيا تونس"، فالقائمة الوطنية كانت "توافقية" ولم تكن منتخبة، وكذلك أمينه العام، بالإضافة إلى رغبة في إلحاق بعض الشخصيات الوطنية بعد المؤتمر. ما يعني أن المسار لم يكن انتخابياً خالصاً، وهو ما قد يؤجج بعض الخلافات عاجلاً أم آجلاً. كما يتشكل "تحيا تونس" من الروافد نفسها التي تأسس عليها "النداء"، ما يعني أن هناك خشية من أن يحمل أيضاً نفس تناقضاتها ويؤدي إلى نفس نتائجها.