وبسبب الضغوط، تحديداً الناجمة عن الوضع السياسي الداخلي في البلاد، غيّر الرئيس الأفغاني رأيه بشأن معتقلي "طالبان" لاحقاً، معلناً بعد يومين من أدائه اليمين الدستورية في التاسع من مارس الحالي رئيساً للبلاد آلية جديدة لإطلاق سراح معتقلي الحركة، يفرج بموجبها عن 5000 معتقل من "طالبان" كما اتفقت عليه واشنطن مع الحركة، غير أن آلية الحكومة الأفغانية تصر على أمرين: الإفراج سيكون مقابل خفض وتيرة العنف من قبل "طالبان"، وأن جزءاً كبيراً من هؤلاء سيتم الإفراج عنهم بعد انطلاق المرحلة الثانية، وهي الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، كما ترى الحكومة، والحوار الأفغاني-الأفغاني وفق رؤية "طالبان".
لكن الحركة رفضت الآلية وقالت إن توافقها مع الولايات المتحدة كان على الإفراج عن 5000 معتقل مرة واحدة وبلا قيد وشرط، والمرحلة الثانية من الحوار مرهون بإطلاق الجانب الأميركي سراح معتقلي "طالبان". تصريحات الحركة ومواقف مسؤوليها أوحت بأن أمر إطلاق سراح معتقليها بيد واشنطن وأن الحكومة الأفغانية لا دخل لها، ولكن الجانب الأميركي يقول إنه يقوم بتسهيل الأمور لا أكثر، وهذا ما تؤكده الحكومة الأفغانية أيضاً.
وفيما يمكن أن تقرر قضية الأسرى مستقبل المصالحة الأفغانية، في اعتقاد المراقبين، فهي كذلك باتت تُستغل من قِبل كل طرف للنيل من خصمه. وفي خضم أجواء الخوف من انتشار فيروس كورونا، عمل الطرفان على إثارة قضية الأسرى، فأعربت "طالبان" عن قلقها الشديد حيال وضع السجون الأفغانية، وحالة معتقليها السيئة داخل السجون، معربة عن خشيتها من تفشي الفيروس في أوساطهم، مطالبة المؤسسات الدولية المعنية بأن تثير القضية لأن هناك خشية من تفشي الوباء. في المقابل، أعربت الحكومة الأفغانية عن قلقها حيال حالة معتقليها في سجون "طالبان"، محاولة الرد على الحركة وإبعاد كورونا عن سجال المعتقلين.
في المقابل دخلت الولايات المتحدة على الخط، وأكد الموفد الأميركي الى افغانستان زلماي خليل زاد، الأربعاء، أن تبادل السجناء بين الحكومة الافغانية و"طالبان" بات امراً "عاجلاً" بسبب انتشار وباء كورونا المستجد ويجب ان يتم "في أقرب وقت". وكتب على تويتر "لم يتم الإفراج عن أي سجين رغم الالتزام الذي أعلنه الطرفان في هذا الصدد"، مؤكدا ان "فيروس كورونا يجعل عملية الافراج عن السجناء أمراً عاجلاً والوقت ينفد". ودعا خليل زاد مجدداً إلى إجراء مباحثات "تقنية" "في أقرب فرصة" بين كابول و"طالبان" حول مسألة الأسرى وتعهد المشاركة فيها شخصيا.
من جهتها، حذرت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون جنوب آسيا أليس ويلز، مساء الأربعاء، من أنّ الانقسام يضرّ أفغانستان، مطالبة الأطراف الأفغانية بإنهاء الجدل بشأن السلطة. وقالت، في تغريدة على موقع "تويتر": "إنّ على القيادة الأفغانية أن تجعل الوحدة والتماسك فيما بينها من الأولويات، وإنّ الحكومات الموازية ليست حلاً للمعضلة، لأنها تضرّ الأفغان"، مطالبة بإنهاء حالة الجمود بشأن الوصول إلى السلطة.
لكن المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني جاويد فيصل، أكد أمس الخميس، أن لا تغيير في موقف الحكومة الأفغانية إزاء قضية إطلاق سراح معتقلي "طالبان". وأوضح فيصل أنّ "الرئيس أشرف غني، أعلن آلية للإفراج عن معتقلي الحركة، ونحن جاهزون لتنفيذها، لكن الأهم أن توقف طالبان عمليات قتل الأفغان، وأن نتأكد من عدم عودة من سيُفرَج عنهم إلى القتال مرة أخرى".
خطر الانقسام السياسي
إضافة إلى الخلاف حول المعتقلين، يسود انقسام سياسي الساحة الأفغانية إثر النزاع على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ أدى في التاسع من الشهر الحالي كل من الرئيس الأفغاني أشرف غني ومنافسه عبدالله عبدالله اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، بعدما فشلت محاولات خليل زاد لتسوية الخلافات بينهما. هذا الملف لا يزال عالقاً، فعبدالله يقول إنه الرئيس المنتخب وإن ما أعلنته لجنة الانتخابات من فوز غني ليس إلا نتيجة مزورة.
وبنتيجة ذلك الانقسام، اختلفت مواقف كل من عبدالله وغني حيال ملف السجناء، فالأول يشدد على المصالحة مع "طالبان" بلا قيد وشرط وكذلك إطلاق سراح سجنائها، في حين يرى غني أن هناك شروطاً لكل مرحلة من مراحل المصالحة مع "طالبان"، ونتج من هذا الخلاف أيضا عدم تمكن الجانب الأفغاني من تشكيل هيئة التفاوض مع الحركة حتى الآن.
الدور الأميركي
من جهته، يتواجد المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد في كابول لحل الخلاف بين غني وعبدالله ولتسهيل الأمور بشأن التوافق مع "طالبان" وفق قوله، مؤكداً في مقابلة مع قناة "طلوع" المحلية الأسبوع الماضي أن حل الخلاف بين غني وعبدالله ستكون له آثار كبيرة على الوضع الأفغاني عموماً، وعلى المصالحة على وجه الخصوص، مطالباً كليهما بحل مشاكلهما في أقرب فرصة للمضي قدما إلى الأمام. ومع أنه شارك في حفل أداء غني اليمين الدستورية ولم يشارك في مراسم أداء عبدالله اليمين الدستورية، فإن كلامه في المقابلة كان يشير إلى أن عبدالله معه حق أيضاً، إذ قال في جزء من مقابلته "إننا نريد حل المعضلة ولكننا واعون لما حصل من مشاكل في الانتخابات. ومعروف أن عبدالله على هذا الأساس جعل نفسه رئيسا للبلاد بموازاة غني".
لكن المثير للاهتمام هو كلام رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق رحمت الله نبيل، أحد المرشحين للرئاسة والمعارضين للرئيس غني، إذ وصف مواقف خليل زاد المتناقضة بأنها سبب في خلق الأزمة السياسية. وقال نبيل في مؤتمر صحافي الإثنين الماضي إن خليل زاد خلال زيارته واجتماعاته بالسياسيين يقدّم لكل واحد عرضاً مخالفاً لما يقدمه للجانب الآخر، مضيفاً: يؤكد مع بعض السياسيين أن الحكومة الانتقالية ستُشكل، فيما يشارك في تنصيب غني، في حين يقول للآخرين أن يعارضوه، وبهذا الشكل تستمر الأزمة. وحذر نبيل من سير الأمور نحو الأسوأ وضياع فرصة المصالحة، متخوفاً من تخطيط لانقسام البلاد، محذراً أيضاً من دخول تنظيمات مسلحة أخرى على الخط في حال فشل المصالحة كتنظيم "القاعدة" و"جيش الفاطميين"، متحدثاً عن توزيع الأسلحة في شمال البلاد، من دون ذكر الجانب الذي يقوم بهذا العمل.
ومع تأخر التوافق بين "طالبان" وواشنطن وتأخر انطلاق المرحلة الثانية من العملية، تزداد فرص فشل المصالحة وانعدام الثقة بين الطرفين. إذ تخشى الحركة أن تقاربها مع واشنطن، لا سيما في حالة فشل عملية المصالحة وفي حالة عدم انطلاق المرحلة الثانية، سيضرها كثيرا، لا سيما في ما يتعلق بحاضنتها الشعبية، التي تلتف حولها نتيجة عدائها للولايات المتحدة. وبعدما كان خليل زاد قد رحب ببيان "طالبان" الأخير بشأن إعلانها هزيمة تنظيم "داعش"، معتبراً ذلك أمراً يراعي مطالب واشنطن خلال توافقها مع "طالبان" في الدوحة، سارع المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" سهيل شاهين للرد عليه، قائلاً "إننا نقاتل داعش وفق استراتيجيتنا ومنذ خمسة أعوام"، مضيفاً "لا يحاولن أحد إعطاء صبغة أخرى لحربنا ضد داعش". هذا الرد يدل على أن الحركة تخشى أن أي تقارب مع واشنطن قبل نجاح عملية المصالحة، وتحديداً المرحلة الثانية، سيضر بحاضنتها الشعبية، وهي لن ترضى بذلك.