المرأة التونسية في الانتخابات: صوت فاعل مغيّب عن القرار

18 اغسطس 2019
المرأة التونسية فاعلة وبارزة في أغلب المحطات(شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -
لم تُبقِ هيئة الانتخابات التونسية إلا على امرأتين من بين المرشحين الـ26 الذين توفرت فيهم شروط الترشّح للانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، وهما سلمى اللومي الرقيق، وزيرة السياحة ومديرة الديوان الرئاسي السابقة، وعبير موسي، رئيسة الحزب "الحر الدستوري". وفي ضراوة الصراع المنتظر، يتساءل مراقبون عن الحظوظ الحقيقية لكل منهما، وإمكانية وصول امرأة إلى قصر الرئاسة في قرطاج.

وعلى مدى السنوات الماضية، كانت المرأة التونسية في قلب الصراع الانتخابي ومحوره الأساسي بسبب فاعليتها في ترجيح كفة على أخرى، خصوصاً بعد الترويج والحديث عن المليون امرأة اللواتي صوّتن للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، على الرغم من عدم إثبات هذه المقولة إلى حدّ الآن. ويؤكد كثيرون أنّ الخزان النسوي الانتخابي في تونس فاعل وحركي أكثر من الرجال. ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ المرأة التونسية لم تتبوأ إلى اليوم المكانة التي تستحقها، وبقيت مجرد وقود للمعارك الانتخابية والسياسية.

ومع كل معركة انتخابية، ترتفع شعارات الأحزاب مدافعة عن قضايا المرأة وتفرد لها مساحة كبيرة في برامجها، لكن من دون ترجمة فعلية على أرض الواقع، إذ إنه بمجرد انتهاء الانتخابات، تعود المرأة إلى الصفوف الخلفية في هذه الأحزاب، وتختفي تماماً من الصورة في مواقع القرار.

وتؤكد الأرقام أنّ نسبة مشاركة النساء لم تتجاوز 46 في المائة عام 2011 في انتخابات المجلس التأسيسي، فيما ارتفعت إلى 47 في المائة خلال انتخابات 2014 وإلى 47.71 في المائة في الانتخابات البلدية العام الماضي.

وأخيراً، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، إنّ عدد المسجلين الجدد لانتخابات 2019 بلغ 1.452.602، بينهم 53 في المائة من النساء وقرابة 70 في المائة من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة.

في السياق، رأت نائبة رئيس "رابطة الناخبات التونسيات"، تركية بن خضر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من حضور المرأة التونسية التي تعتبر فاعلة في المشهد السياسي وبارزة في أغلب المحطات، خصوصاً في العمل الميداني والحزبي والمجتمع المدني والنقابات، إلا أنّها تغيب عن مراكز القرار، وهذا يعود إلى غياب الإرادة السياسية"، لافتةً إلى أنّ "قانون الانتخابات البلدية أقرّ التناصف الأفقي (رئاسة القائمة مرة للرجل وأخرى للمرأة)، كما أقرّ إدراج النساء في القوائم البلدية، وهو ما أفرز وجود 49 في المائة من النساء اللواتي ترأسن المجالس البلدية".



وفي ما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، أوضحت بن خضر أنّ "رابطة الناخبات التونسيات" سبق أن "طالبت بضرورة التناصف الأفقي في القوائم الانتخابية، ولكن قانون الانتخابات لا ينصّ على ذلك، وهو ما قلّص من حضور النساء في رئاسة القوائم؛ فمن إجمالي 1503 قوائم أولية في التشريعية توجد 208 نساء فقط، بنسبة 14 في المائة ممن يترأسن القوائم، مقابل ترؤس 1295 رجلاً، أي بنسبة 86 في المائة". ورأت بن خضر أنّ ذلك راجع أيضاً "إلى غياب الإرادة السياسية من قبل الأحزاب، والتي ترفع الشعارات من أجل أن تكون المرأة في مراكز القرار، ولكن على مستوى التطبيق لا نجد حضوراً بارزاً لها، وهو ما سيقلّص من حضورها في مجلس النواب المقبل".

وشدّدت بن خضر على أنّ "الترشح للانتخابات الرئاسية حقّ للتونسيين، ولكنه مضبوط بمقاييس محددة، وهو ما أدى بعد الفرز الأخير إلى بقاء عدد محدود من المقبولين (26 مرشحاً)، من بينهم امرأتان فقط، خلافاً لعام 2014 حين ترشحت امرأة واحدة للانتخابات الرئاسية، وهي القاضية كلثوم كنو". وأضافت مستنكرة "من تتوفر فيها الشروط لمَ لا تكون رئيسة للجمهورية؟ كأن تؤمن بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبحقوق المرأة، ولديها برنامج فاعل ورؤيا واضحة للخروج بتونس من المأزق".

إلى ذلك، وفي ما يتعلّق بمشاركة المرأة بالحياة السياسية، استنكرت جمعية "أصوات تونس" عدم تفعيل التناصف الأفقي منذ سنة 2014 ولغاية 2018 في المحطات الانتخابية التي خيضت خلال تلك الفترة، وما نتج عن ذلك من مشاركة ضعيفة للمرأة في المواقع القيادية، إذ لا تتعدى 12 في المائة في رئاسة الحكومة و14 في المائة في رئاسة الجمهورية، فيما لا تتجاوز 36 في المائة في الهيئات.

من جهتها، قالت النائبة عن حركة "مشروع تونس"، خولة بن عائشة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ حضور المرأة في الترشيحات للانتخابات الرئاسية والتشريعية لعام 2019 "بقي دون المأمول، إذ لا توجد نسبة هامة لحضور النساء كرؤساء قوائم، ما سينعكس على حضورهن في البرلمان المقبل، وسيكون أقل بكثير من عام 2014". وعزت سبب الضعف في الحضور إلى "التشتت الحاصل في المشهد السياسي، وأيضاً لأن أغلب رؤساء القوائم في الأحزاب السياسية وحتى في القوائم المستقلة هم رجال". واعتبرت بن عائشة أنّ من يتحمّل مسؤولية ذلك هي "الأحزاب والمرأة أيضاً، التي لا تريد أحياناً الترشّح على رأس قائمة، وأن تضع نفسها في الصفوف الأولى والأمامية"، مضيفةً أنّ "بعض النساء يخشين أيضاً الظهور في الصورة، وأن تسلّط عليهن الأضواء، وهناك أحياناً ضغوط عائلية وغياب التشجيع للمرأة". وقالت بن عائشة إنّ "البعض يريد مشاركة المرأة صورية، في حين أنها يجب أن تكون فاعلة".

أمّا القيادية في حركة "النهضة"، هالة الحامي، ففسرت في حديث مع "العربي الجديد"، ضعف المشاركة السياسية للنساء بأسباب عدة، أولها "وجود موروث من عهود التخلف والجهل، وحتى التأويل الخاطئ للدين والتقاليد، جعل المرأة الحلقة الأقل والأضعف، على الرغم من قدرتها بدنياً ونفسياً وعلمياً على منافسة الرجال وتبوّء مواقع القرار". إضافة إلى ذلك، اعتبرت الحامي أنّ هناك عاملاً اجتماعياً مهماً وراء غياب المرأة عن مواقع القرار وتجنّب ترشيحها لمواقع مهمة، على غرار رئاسة القوائم في التشريعية أو الانتخابات الرئاسية، إذ إنّ "ظروف الحياة المعاصرة وما فرضته من أعباء على النساء، وتغير في شخصياتهن من الخضوع إلى الطموح نحو القيادة وتحمّل المسؤوليات، وحصولهنّ على شهادات علمية عليا بنسبة تفوق الذكور، تُعدّ لدى كثيرين عامل خطر وتهديداً للرجال في كامل أوجه الحياة، من بينها السياسية".

وانتقدت القيادية في "النهضة" وعضو كتلتها البرلمانية، "ضعف التضامن النسوي، على الرغم من أنّ الهدف واحد وهو بلوغ مواقع القرار"، مضيفةَ أنّ "هناك نساء عدوات للنساء ويستبطن فوقية الرجل، ويفضّلن التصويت له في الانتخابات". ورأت أن "الوقت الراهن ليس زمن الشخص القائد، وإنما زمن العمل على النهوض والدفع بفئات نحو القيادة، مثلما يجب أن يكون عليه الحال بين النساء. فبدل الرهان على اسم فقط، كان من اللازم المراهنة على وصول أكثر عدد ممكن من النساء في الساحة السياسية وفي أجهزة الدولة".

وأضافت الحامي أنّ "السياسيين الذكور استفادوا من تشتت النساء، ومن عدم قدرتهن على الجلوس على طاولة حوار موحدات حول مطلب معين أو هدف واحد"، معتبرةً أنّ "الفاعلين السياسيين الذكور ينجحون في إيجاد أرضية حوار وتوافق مشتركة، في حين تعجز عن ذلك النساء لاعتبارات عدة، من بينها الأيديولوجيا ورفض الآخر والحوار معه، ومزج الخلاف الموضوعي بالاعتبارات الشخصية".

بدورها، اعتبرت الكاتبة العامة لجمعية "النساء الديمقراطيات"، نائلة الزغلامي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك رهانات كثيرة وتحديات تعترض النساء الناشطات في الحقل السياسي"، مشيرة إلى أنّ الجمعية برفقة منظّمات أخرى، نظّمت ندوة حول المشاركة السياسية للنساء، واستمعت خلالها لشهادات البعض منهن اللواتي خضن التجربة كمرشحات في الانتخابات وفي مواقع القرار، وقد تحدّثنّ عن حجم العراقيل التي واجهتهن.

وأوضحت الزغلامي أنّ "هناك عوائق قانونية تحول دون تفعيل هذه المشاركة في ظلّ عدد من القوانين التمييزية التي تكبل مشاركة النساء". وذكرت في هذا الصدد أنّ جمعية "النساء الديمقراطيات"، "دافعت عن إلزام الأحزاب السياسية بالتناصف العمودي (نصف القائمة من الرجال والنصف الآخر من النساء) والأفقي، حتى تتمكن النساء من التدرج في سلم المسؤوليات السياسية واكتساب الخبرة المطلوبة، ولكن الإرادة السياسية اتجهت نحو قبول التناصف الأفقي والعمودي في الانتخابات المحلية واقتضت التناصف العمودي فقط في التشريعية، ما يجعل أمل صعود النساء إلى مجلس النواب ضعيفاً".

كما وجّهت الزغلامي انتقاداً إلى الأحزاب السياسية التي تفضّل رئاسة الرجال لقوائمها، وخصّت بالذكر "الأحزاب الحداثية التقدمية التي تتبنّى مقولات المساواة بين المواطنين والمواطنات، في حين لا تنصف النساء وتبقيهن في مستوى القاعدة، وأبرز دليل على ذلك أنّ كل هذه الأحزاب عند تقدمها بقوائمها المرشحة للانتخابات التشريعية، كان حضور النساء كرئيسات قوائم إما غائباً أو ضعيفاً جداً".

ويتكرر المشهد نفسه، وفق الزغلامي، حتى في منظمات مهنية كبيرة، على غرار "الاتحاد العام التونسي للشغل" الذي لا توجد إلا امرأة واحدة في مكتبه التنفيذي، والحكومة التي لا تضم في صفوفها إلا وزيرتين فقط. وخلصت الزغلامي إلى التأكيد على "وجود هذا المشهد التمييزي ضدّ النساء اللواتي يعانين أصلاً من ظلم اقتصادي واجتماعي، فيما يقمن بواجبات المواطنة كاملة ولا يتمتعن إلا بحقوق منقوصة".

المساهمون