قطيعة أردنية بين المشاريع الوافدة وتعزيز مؤشرات المعيشة

25 ابريل 2016
تنوع الاستثمارات في الأردن (عوض عوض/ فرانس برس)
+ الخط -
يواجه اقتصاد الأردن فجوة استثمارية، بعد تناوب مؤشر تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بين صعود وهبوط خلال السنوات الماضية، متأثراً بحالة عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الجيوسياسية التي تتعرض لها المنطقة، نتيجة الصراعات السياسية في العراق وسورية. يفرض اليوم هذا الواقع تساؤلات عديدة، كالأثر الذي يتركه هذا الجانب من الاستثمار في عملية التنمية التي تشهدها المملكة؟ ودوره في زيادة نسب النمو بعد تراجعه من 2.7% عام 2012 إلى 2.5% في عام 2015.
تؤكد التصريحات الرسمية أن الحكومة تعمل على استقطاب استثمارات خارجية مباشرة، بمعدل 10% سنوياً، مستعينة بمميزات تنافسية يوفرها الأردن، سواء على صعيد الاستقرار السياسي أو الموقع الجغرافي، أو من حيث وجود بيئة مشجعة تقدم محفّزات مختلفة، كالمساواة بين المستثمر الأجنبي ونظيره المحلي، وحرية تحويل رأس المال والأرباح إلى الخارج. علاوة على عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية، وتوقيعها اتفاقيات التجارة الحرة، ومنع الازدواج الضريبي مع عدد من دول العالم.
وعلى هذه الخلفية تشير هيئة الاستثمار إلى أن مجموع الاستثمارات المستفيدة من قوانين المناطق التنموية والحرة وتشجيع الاستثمار خلال العقدين الماضيين، بلغ نحو 20 مليار دينار تقريباً، حظيت الشركات الإماراتية والكويتية والفرنسية والكورية الجنوبية والأميركية والسعودية والمصرية بأعلى نسبة منها.

ضغوط كبيرة
ولكن عملياً تتعرض الصورة الوردية هذه، لعدد كبير من الضغوط والمخاطر. فمن الصعوبة بمكان أن تتم المحافظة على هذا المنحى الإيجابي في ظل التدهور المقلق للاستقرار الذي يعيشه الإقليم، وفق ما يراه الخبير الاقتصادي كمال الزعبي. ويقول: "يبحث رأس المال الأجنبي عن بيئة أعمال آمنة مستقرة، يحقق من خلالها نتائج مضمونة، ومن المعروف أيضاً أنه يندفع وراء ثلاثة عوامل "الكفاءة والسوق والموارد"، وبصرف النظر عن العوامل السياسية والإقليمية السائدة، يحتاج الحفاظ على هذا التدفق إلى سياسة اقتصادية مستقرة وإطار مؤسسي وقانوني حديث، بالإضافة إلى وجود استراتيجية للاستثمار الأجنبي المباشر بعيدة المدى مع خدمات حكومية متطورة". ويضيف: "ثمة معضلات ما تزال موجودة على هذا الصعيد، ويجب الانتباه إليها، لتجاوزها، فقد سبق لهذا القطاع أن ازدهر بين عامي 2006 - 2008 بشكل واضح، ومنذ عام 2010 تراجعت الأرقام، إذ إن أزمات دول الجوار المتواصلة، هزت بشكل كبير الأوضاع الاقتصادية، ليس في الأردن فحسب، بل جميع دول المنطقة، وأثرت على تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها". ورغم الإجراءات الحكومية التي اتخذت لتشجيع الاستثمار، كتوحيد المرجعيات، وخفض البنك المركزي فائدة الإقراض، وتعديل هيئة الأوراق المالية تعليمات التمويل، إلا أن مجمل الإجراءات لم تضع المملكة في الموقع الذي تخطط الحكومة للوصول إليه على خريطة الاستثمار العالمية، بحسب الزعبي.

وتشير معلومات البنك المركزي الأردني إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ في عام 2010 نحو 1172.1 مليون دينار، تراجع في عام 2011 إلى 1046.2 مليون دينار، وحافظ على حجمه تقريباً 1063.1 مليون دينار في عام 2012 ثم ارتفع إلى 1244.4 مليون دينار في 2013 وتابع ارتفاعه في 2014 ليصل إلى 1348.6 مليون دينار، ثم ما لبث أن تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المتدفق في عام 2015 بمقدار 37%. هذا ويتصدّر العراقيون، وفق بيانات دائرة مراقبة الشركات، قائمة المستثمرين الأجانب، حيث بلغت نسبتهم من مجموع المستثمرين نحو 39%، ثم السوريون بنسبة 15% فالمصريون بنسبة 8%، فاللبنانيون، والسعوديون، والفلسطينيون، والأميركيون بنسبة 4%.

ضعف الاستثمار
وكان من المتوقع، وفق الخبير الاقتصادي فايز البلاونة، أن تترجم هذه الأرقام بواقعها إلى منافع تستفيد منها شرائح المجتمع المختلفة، في ظل الزيادة السكانية التي بلغت 5.3%، ووصول معدل البطالة إلى 12.9%، وما يتطلبه ذلك من استثمارات إضافية من أجل تحقيق نمو أعلى في مجمل الناتج المحلي. ويقول لـ"العربي الجديد": "من الواضح على المستوى العام، أنه لا يوجد أي تأثير إنمائي مستقل لهذه الاستثمارات، فعملية نقل التكنولوجيا إلى المؤسسات المحلية ما تزال تسير ببطء شديد. وتفيد الأرقام وجود تراجع في إنتاجية هذه المؤسسات بسبب وفورات الحجم الناجمة عن استئثار الشركات الأجنبية بحصة من السوق على حسابها. وحتى الآن لم تقيّم الحكومة مدى استفادتنا من الاستثمار الأجنبي، ليظهر حجم تأثيره على بعض المؤشرات الاقتصادية، كزيادة وتنوّع الصادرات، ونقل التكنولوجيا، ومساهمته في عملية النمو في ظل التراجعات التي تشهدها".
ويتابع: "عندما شهد قطاع الاستثمار قفزات بين عامي 1981 و2004، فقد دفع النمو الاقتصادي إلى 5%، وكانت الحكومة في سياستها الاقتصادية تركز على بناء قاعدة صناعية، غير أن هذا الواقع تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ بات الاقتصاد موجه نحو الخدمات، فيما أهملت المشاريع ذات القيمة المضافة".
ويواجه الأردن اليوم تحدياً في استمرار نموه المتوقع وفق التقديرات الحكومية، حيث يحتاج اقتصاده إلى زيادة في التراكم الرأسمالي، ولا سيما أنه يعاني منذ سنوات من فجوة محلية بين الادخار والاستثمار، كان من المفترض أن يخفف منها تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليه، كما يعاني في الوقت ذاته من تدني القيمة المضافة من مشاريعه الاستثمارية بسبب طابعها الخدمي لا الإنتاجي.

ارتفاع المخاطر
أما الخبير الاقتصادي نايف السعود، فيرى أن الظروف التي تسود المنطقة منذ سنوات تركت أثراً سلبياً على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المملكة، إضافة إلى أنها رفعت من درجة المخاطر، ورفعت تكاليف الشحن للصادرات والمستوردات، ما أثر بشكل سلبي على تنافسية المنتجات الأردنية، خاصة العام الماضي. ويقول لـ"العربي الجديد": كان عام 2015 عاماً صعباً على الاقتصاد الوطني، تراجع فيه النمو الاقتصادي إلى 2.4% بانخفاض 0.7% عن العام 2014، كما تراجعت الصادرات الوطنية بنسبة 7.1%، وتراجعت حوالات العاملين بنسبة 1.5%. ومع تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع معدل البطالة بشكل واضح، ووصل إلى 13% تقريباً مسجلاً زيادة قدرها 1.1% عن مستواه في عام 2014. مشيراً إلى أن البطالة بلغت لدى الذكور 11% فيما بلغت لدى الإناث 22.5%. وسجلت الفئتين العمريتين 19 - 15 أعلى نسبة وهي 32.1%، تلتهما الفئتين 24 - 20 عاماً بواقع 30.5%. ويتابع: "أدى كل ذلك إلى انخفاض مستويات الحياة المعيشية لدى شرائح عديدة في المجتمع، نتيجة التفاوت الذي ما زال مستمراً بين الدخل والنفقات".

وبحسب مسح دائرة الإحصاءات العامة، توجد في المملكة نحو 230 ألف أسرة دخلها أقل من 350 ديناراً في الشهر، تمثل 18% من إجمالي الأسر البالغ عددها نحو 1.253 مليون أسرة، وهناك نحو 92.556 مواطناً يصل دخل الواحد منهم إلى أقل من 150 ديناراً في الشهر، و122.4 ألف شخص يراوح دخلهم بين 150 و200 دينار، و174 ألف شخص دخلهم بين 200 و250 ديناراً. وتتصدّر كل من محافظة "معان" و"عجلون" قائمة المحافظات الأكثر فقراً، حيث بلغت نسبته في الأولى 26.6% في الأولى و25.6% في الثانية.
فيما يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد المجالي أن الأردن يحتاج إلى نمو يصل إلى 6% لاستيعاب المتغيّرات التي طرأت على اقتصاده، خلال السنوات الخمس الأخيرة. ورغم أن الحكومة تدعم الغذاء والطاقة، وتدعم قطاعها الحكومي المتضخم، إلا أن موازنتها العامة تعاني من عجز مستمر، تغطيه في أكثر الأوقات عن طريق الديون الخارجية والداخلية. ويقول لـ"العربي الجديد": "إن تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى المملكة شكّل وما يزال يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة، وعلى الموارد الاقتصادية المحدودة والبنية التحتية، لا سيما في القطاعات الخدمية الأساسية، كالتعليم، والصحة، والخدمات البلدية، والمياه، والبيئة، وأسواق العمل، والإسكان وغيرها".
ويشير إلى أن هناك من يربط الإصلاح الاقتصادي بالمؤشرات المالية، ويهمل عامل الإنتاجية، فيما يفترض أن يتم التركيز على القطاعات الإنتاجية وفي مقدمتها القطاع الصناعي، حيث تعاني الصناعة أيضاً من تراجع بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وعدم القدرة على المنافسة أمام المنتجات المستوردة والمصنّعة في دول تدعم أسعار الطاقة. ويلفت إلى أن الأردن احتل المرتبة 75 في المؤشر العالمي للتقدم الاجتماعي الذي شمل 132 دولة، وبخلاف فرضية وجود علاقة مباشرة بين النمو الاقتصادي والرفاهية، يفيد المؤشر بأن النمو الاقتصادي قد لا يؤدي بالضرورة إلى تقدم اجتماعي.
وبحسب الخبير، فإن البيئة الجاذبة للاستثمار بشقيها المحلي والأجنبي، ليست مرتبطة بقانون أو تشريع معيّن، بل هي مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات التي تعزز الثقة ببيئتنا الاقتصادية، وأقرب مثال على ذلك، هو اعترافنا بتواضع قيمة الاستثمار المحلي، ومطالبتنا بزيادة حجمه، وتحفيزه، واستغلاله كعامل تنموي في ظل بطء تدفق الاستثمارات الأجنبية، في وقت بلغت فيه ودائع الأردنيين في المصارف المحلية أكثر من 30 مليار دينار، وكان بإمكان هذا الرقم أن يصنع تحولات اقتصادية وتنموية فيما لو استثمر في قطاعات منتجة.
المساهمون