لماذا يجب الاهتمام كثيراً بأسعار النفط؟

04 اغسطس 2016
أسعار النفط قد تشهد تراجعاً (سيرجي أنيسيموف/ وكالة الأناضول)
+ الخط -
بعد مرور عامين على انهيار أسعار النفط العالمي، يبدو من غير المحتمل أن تعود الأسعار إلى مستويات مستدامة فوق السبعين دولاراً للبرميل في وقت قريب، مع تزايد المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي. فالارتفاع الأخير لأسعار النفط قد شارف على الانتهاء، وقد تتجه الأسعار مجدداً إلى خانة الأربعين دولاراً للبرميل مع بدء أسواق الطاقة مرحلة حاسمة لإعادة تقييم الأسعار ضمن مستويات معقولة استناداً إلى القيمة الحقيقية للمال، وتقبّل المنتجون الرئيسيون تحقيقهم لربحية منخفضة، وفي أحيان كثيرة يضطرون على بيع منتجاتهم النفطية دون تكلفة الإنتاج. 

وفي الوقت ذاته، بدأت بوادر هزة عالمية جديدة تنكشف أمام العيان، مع تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وترشح دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وجولة إعادة الانتخابات الرئاسية في النمسا. قبل ذلك، كان الإسلام الراديكالي والربيع العربي إحدى أهم محاولات الشعوب للتخلص من النخب السياسية التي قادت جزءاً كبيراً من هذا العالم إلى الفوضى.

ظاهرياً، تتمحور "الهزة" العالمية الجديدة حول الهجرة والحدود، لكنها، في الحقيقة، مرآة الزمن العصيب الذي يمر فيه الاقتصاد العالمي، فالديون وتكاليف الطاقة من الركائز الأساسية التي يقوم عليها هذا الفشل الاقتصادي وما نتج عنه من سخط واستياء.
في الواقع، ترتكز أشياء كثيرة في حياتنا على موارد الطاقة وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً. فنحن نحتاج إلى الطاقة من أجل نقل أنفسنا حتى نتمكن من العمل والإنفاق والعيش. نحتاج إلى الطاقة لصنع الأشياء، ثم لنقلها وبيعها، فيما بعد، إلى مناطق مختلفة في العالم. بل نحن في حاجة إليها لتشغيل أجهزة الكمبيوتر في بيوتنا وأعمالنا، وتسخين وتبريد طعامنا، وللتواصل مع الناس. من المستحيل أن نفكر في أي شيء لا يعتمد على الطاقة في حياتنا.
فالطاقة هي الاقتصاد، ومواردها هي الحساب الاحتياطي الحقيقي الداعم لعملات الكثير من الدول، والأداة لقياس مؤشرات النمو الاقتصادي لديها. طبقاً لذلك، يحقق الاقتصاد نمواً ما دام هناك فائضاً معقولاً تحققه موارد الطاقة في هذا الحساب، ويتوقف عن النمو عندما تصبح تكلفة إنتاج الطاقة أمراً بالغ الصعوبة.

بمعنى آخر، عندما تكون تكاليف الطاقة منخفضة، فإن تكاليف ممارسة الأعمال التجارية تصبح منخفضة تبعاً لذلك.
وعندما تكون أسعار الطاقة مرتفعة، فإنه من الصعب أن تحقق أرباحاً في ظل ارتفاع التكاليف الأساسية للتصنيع والتوزيع. يعتبر ذلك منطقياً، إلى حد كبير، وخاصة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إلى وسائل ضخمة تساعده على نقل المواد الخام والسلع والخدمات.

ويمكن الاستدلال على هذه الفرضية عند النظر إلى أثر تراجع أو ارتفاع تكاليف الطاقة على الاقتصاد العالمي. فقد توسع الاقتصاد العالمي في الفترة الممتدة من منتصف الثمانينيات إلى تسعينيات القرن الماضي عندما بلغ متوسط أسعار النفط، خلال تلك الفترة، نحو ثلاثين دولاراً للبرميل. بعد ذلك، تضاعفت أسعار النفط تقريبا بمعدل 65 دولاراً للبرميل في الفترة بين 1998 و2008، لترتفع بعد عام 2008 بواقع ثلاثة أمثال المعدل المحقق في حقبة التسعينيات (30 دولاراً للبرميل).

اللافت، حقاً، أنه عندما تجاوز معدل أسعار النفط تسعين دولاراً للبرميل (في الفترة بين 2010 و2014) أصبح الاقتصاد العالمي مثقلاً بالديون، غير قادر على تحقيق معدلات نمو أعلى من السابق.
فقد جاء الانهيار الأخير لأسعار النفط، بدءاً من يوليو/ تموز من عام 2014، ليشكل أطول فترة من الأسعار التي لا يمكن تحملها في التاريخ بعد أن كانت أسعار النفط الشهرية تتداول فوق مستوى التسعين دولاراً للبرميل لمدة أربعة أعوام تقريباَ، وتحديداً خلال الفترة من شهر نوفمبر/ تشرين الأول من عام 2010 وحتى سبتمبر/ أيلول من عام 2014.

وكانت تلك الفترة، أيضاً، أطول بواقع ثلاث مرات من الفترة الواقعة بين سبتمبر/ أيلول من عام 2007 حتى سبتمبر/ أيلول من عام 2008، أي قبل الانهيار المالي، وما يقرب من ضُعف الفترة الممتدة من سبتمبر/ أيلول من عام 1979 حتى نوفمبر/ تشرين الأول من عام 1981 والتي سبقت أطول انهيار لأسعار النفط في التاريخ.
في الواقع، ليس هناك ما هو غير طبيعي عند الحديث عن مستوى التسعين دولاراً للبرميل، لكن مما لا شك فيه أن اختلالات اقتصادية كبيرة، لا يمكن تجاهلها، نتجت عن بقاء أسعار النفط، لسنوات، فوق هذا المستوى. ويمكن، أيضاً، ملاحظة هذه الاختلالات عند تتبع العلاقة المترابطة بين أسعار النفط والناتج المحلي الإجمالي للعديد من الاقتصادات الكبرى، حيث شهدت الفترات التي كانت فيها أسعار النفط متدنية ارتفاعاً في الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، والعكس.
(محلل اقتصادي أردني)
المساهمون