المرأة التونسية تستل النجاح من غمد الإقصاء

25 ابريل 2016
عمل مستمر في قطاعات عديدة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
خارج سطور الروايات المنمقة حول النجاحات السهلة لسيدات المجتمع المخملي ونشاطاتهن الخيرية، تخط مئات الآلاف من نساء تونس يومياً قصصاً أخرى لممارسة الحرية وتأكيد حضورهن الفاعل في النشاط الاقتصادي، سواء في ريف تونس القاسي، أو وسط الازدحام في العاصمة. تسلط "العربي الجديد" الضوء على قصص واقعية لنجاح المرأة العاملة في مجتمع ما يزال مثقلاً بثقافة الإقصاء، وفي واقع اقتصادي صعب لم يفرق في ارتداداته بين جنس وآخر. ولم يكن الهدف من استعراض هذه الأمثلة الحية للنجاح التأكيد على استثنائيتها بقدر ما هو محاولة لكسر التعتيم حول آلاف القصص المماثلة...
ربّما لم يخطر ببالها يوماً أن تكون تفاصيل حياتها اليومية مصدراً دسماً لمادّة صحافية، هذا ما ظهر في عيني الخالة زهرة كما يسميها أهالي قرية عين سلطان في ريف الشمال الغربي لتونس. تبدأ يومها قبل بزوغ الفجر، تخرج هذه السيدة الأربعينية كل صباح لتبدأ عملها اليومي منذ أن أصبحت قادرة على تحمل قساوة العمل الفلاحي اليدوي. تقول الخالة زهرة: "لم أعرف منذ صغري عملاً غير الفلاحة، أتنقل من أرض إلى أرض في محيط قريتي، وأعمل وفق كل فصل، في الزرع أو الجمع أو الحصاد". أما عن الأجر، فهي لا تناقش كثيراً أصحاب الأراضي، إذ يكفيها كما تؤكد، أن تضمن ما يسد رمق عائلتها في اليوم التالي.
لا تتجاوز أجرتها 10 دولارات يومياً، وهي لم تتحصّل على هذا الأجر إلا بعد سنوات طويلة من العمل أكسبتها خبرة في العمل الفلاحي، وثقة أصحاب الأراضي الذّين أصبحوا يعتمدون عليها، لا في العمل فحسب، بل في تلقين العاملات الجدد أصول الزرع والحصاد. أما زوجها المسن، فما عاد قادراً منذ سنوات على تحمل ظروف العمل وقساوة الطقس، وهو ما دفعها لاستلام مهمة التكفل بقوت العائلة بأسرها.
اختزلت الخالة زهرة هدفها في الحياة في ابتسامة الرضا التّي ترتسم على وجوه أولادها حين تعود كل مساء إلى منزلها بمحصول عملها اليومي.

بعيداً عن عين سلطان، وإلى العاصمة، حيث تبرز سيدة ناجحة في مجال عملها. نجيبة السلطاني، رئيسة قسم الدراسات في شركة مختصة في تشييد السدود والقنوات المائية. تشير السلطاني إلى أن رحلة نجاحها المهنية بدأت بعد تخرجها كمهندسة مختصة في الطاقة الهيدروليكية. نتائجها الدراسية المتميزة مكنتها من الولوج بسهولة في هذا الميدان. لكنها لم تكتف بأن تكون مجرد موظفة عادية ضمن طاقم مكون من عشرات الزملاء، بل واصلت تحصيلها العلمي لتحصل على شهادة في الماجستير. وتضيف: "هذه الخطوة سرعت في ارتقاء السلم المهني، حيث وصلت إلى مرتبة رئيسة قسم الدراسات في الشركة".
خبرة السلطاني وكفاءتها، مكنتاها من قيادة فريق العمل في مهمات عدة خارج تونس خصوصاً في الدول الإفريقية، حيث أشرفت على مشاريع تنموية كبرى في كينيا وساحل العاج. لقد تجاوزت سمعة وشهرة السلطاني الوطن لتنال استحسان المدراء في الشركة الأم في فرنسا.
وتقول المهندسة نجيبة السلطاني: "لا حدود لطموحي المهني، إذ أرى أنني قادرة على مزيد من العطاء والتميز في المجال الذي اخترته وأتقنته"، مشيرة إلى أن "المجال الثاني لنجاحي هو عائلتي التي لم تتأثر بطبيعة عملي وازدياد مسؤولياتي، بل انعكست مسيرتي على أطفالي الذين يعتبرونني مصدر فخر وإلهام".
شرقاً، وعلى ضفاف بحر مدينة نابل السياحية، رسمت سنية فقيه قصة أخرى للنجاح والريادة. هذه المرأة استطاعت كسر احتكار الرجال للقطاع السياحي، فكانت أول امرأة في تلك المنطقة تقدم على الاستثمار في قطاع الفندقة وتأسيس نزلها الخاص في أوائل التسعينات من القرن الماضي.
تستهل فقيه حديثها قائلة: "كانت البداية صعبة للغاية خصوصاً أن افتتاح النزل تزامن مع وفاة زوجي، حيث وجدت نفسي وحيدة في مجابهة تحديات كبيرة، أولها مواصلة حلمي في تثبيت فندق بيزنطة كواحد من المرافق السياحية المرموقة في المنطقة". وتضيف: "توقع جميع الفاعلين في القطاع نهاية سريعة لمشروعي، لكنني استطعت بفضل فريقي الإداري ومثابرتي في تكذيب التوقعات لأحوز مكانة مرموقة في الميدان السياحي وقطاع الفندقة خصوصاً".
"المرأة ليست مكملة للرجل في الاقتصاد، بل شريكته". هكذا تستهل الباحثة الاقتصادية صابرين الشريف مداخلتها. تقول: "لم تكتف المرأة التونسية باقتحام سوق الشغل، بل ثبتت دورها كعنصر أساسي في إنتاج الثروة والتنمية الاقتصادية".
وتفيد دراسة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل الصادرة في عام 2015، أن نسبة النساء العاملات في المدينة بلغت 25.8%، في حين تصل نسبة الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي إلى 64%. وتشير الدراسة إلى أن عدد النساء اللواتي يترأسن الشركات والإدارات العمومية والخاصة قد فاق 15000 امرأة، كما يمثلن 49% من الوظائف المتوسطة والتقنية في القطاع العام.
وتضيف: "إن هذه المؤشرات الإيجابية، لا يخفي اضطهادها وانتهاك حقوقها الاقتصادية. حيث ما تزال المرأة ترزح تحت وطأة التمييز الممنهج، خصوصاً في القطاع الفلاحي، إذ ما يزال أجرها نصف أجر الرجل، كما تفيد تقارير صادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل أن 64.5% من الريفيات يشتغلن بالفلاحة دون عقود عمل أو تغطية اجتماعية.
ويعملن في ظل ظروف تتعارض مع قوانين الشغل من حيث عدد ساعات العمل والمقابل الزهيد الذي لا يكفي للإيفاء بأبسط الحاجيات الحياتية".
وتتماثل وضعية المرأة في المدينة مع نظيرتها في الريف من حيث طبيعة الانتهاكات والتمييز في الأجور التي لا تتجاوز في قطاع النسيج على سبيل المثال 250 دولاراً كحد أقصى، إضافة إلى عدم احترام قوانين الشغل وتجاهل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملات.
المساهمون