صبراً يا أمل

30 مارس 2015
لم تكن شعارات الثّورة وأغانيها في مصر شعارات منعزلة(Getty)
+ الخط -
يبدو أنّ حالة ما من تراجع الأمل تسود أوساط الشباب الذي شارك في الحراك العربي المطالب بالتغيير، خاصة هذا الذي حمل على عاتقه التحضير للثّورة. فقدّم العديد منهم تضحيات كبيرة في مرحلة الحراك السابق على العام 2011، وبعكس ما يحاول أن يصوره البعض أن انطلاقة الثورة أتت من دون مقدمات أو نضالات أو أنها عفويّة لم يسبقها تحضير وتضحيات.


اليوم نستطيع تلمّس هذه الحالة من الإحباط في كافة النقاشات التي تتناول قضيّة التّغيير في الوطن العربي، وقد كان المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد في تونس من خلال فاعلياته عاكساً لهموم وأوضاع الشباب بعد الانتفاضات العربية؛ حيث عُقد المؤتمر بعد أربع سنوات من الحراك، ليناقش فيه الفاعلون قضايا مشتركة لقوى الثورة التي أزاحت حكاماً مستبدين، وضمن ما يناقش الحصيلة النّهائيّة للثورات التي قد تصاب بالإحباط.

ففي مصر وتونس أتت نظم جديدة من ذات الثوب القديم لكي تمارس سياسات النهب الاقتصادي وتزيد الأزمة وتدفع الفقراء لتحمل نتائج حكم النظم التي نهبت الشّعوب، بل أن تلك النّظم تتهم الحراك بأنه سبب تراجع الأوضاع الاقتصادية، ليتم تجريم الاحتجاج في محاولة لإرجاع عقارب الساعة إلى ما قبل الثورة وخنق المجال العام.

يلتقي في المنتدى مناضلون يرفعون شعارات مناهضة للعولمة وأدواتها الاقتصادية والسياسية وشعارات ضد النظم المستبدة التي تخدم مصالح التكتلات الاقتصادية المسيطرة على أسواق وموارد شعوب العالم. الشعارات مترابطة، والمصالح مشتركة بين الشعوب المقهورة. على النقيض تقف النظم المستبدة والتابعة للكيانات والمؤسسات الاقتصادية، تلك الكيانات التي رأت في الثورة تهديداً لمصالحها فتآمرت لإفشالها بشتى الطّرق، لأن الثّورة كانت ومازالت أداة لتحرير الشعوب، على المستوى المحلي والعالمي.

الأمل مازال قائماً لأن مجمل الأوضاع البائسة لا يمكن أن تستمر، فنقص الخدمات وسياسات الإفقار والقمع المنظم من أجل استمرار النهب سوف تولد انفجاراً جديداً، ووسط حالة الإحباط المؤقت لدى الشباب ستُطرح شعارات النضال مجدداً وربما يتجاوز الفعل الثوري أخطاء التّجارب السابقة. لم تكن شعارات الثّورة وأغانيها في مصر شعارات منعزلة عن الملايين الذين التقوا تحت هذه الشعارات والمطالب. ولعل النقاشات الدائبة الآن بين شباب الحراك في مصر وتونس بما فيها حالة الإحباط المؤقت، تعبير عن محاولة لاستعادة مسار التغيير وتصحيح الأخطاء عبر التّعلّم من دروس الماضي.

يُغنَّى الشيخ إمام في ميدان التحرير وفي ميادين تونس "إطلق كلابك في الشوارع واقفل زنازينك علينا"، يعيد الغناء شباب المنتدى الاجتماعي ذات الأغنية في إشارة لعودة الاستبداد مجدداً.

يزداد الصدى وتلمع العيون باحثة عن أمل، يتشبث المغنون بالحلم بمستقبل مغاير كما كانوا يحلمون بالثورة قبل أن تندلع.. تغني واحدة بصوت شجي وكأنّها تقول "صبراً يا أمل إنّا قادمون إليك".. لا تغادرينا يا أصداء الثورة ولا تكسري الحالمين بكِ. من عاشوا من أجلك ومن ساروا في طريقك، ترفع الشعارات "عهداً أبداً لن ننسى شهداء المصنع والحقل فلهم في قلبنا وطن يرعاه العاشق بالأمل". يكمل آخرون الغناء "القيد سيسقط يوماً ويرفرف وطن أجمل".

تلتقي أمطار أيام المنتدى وبرودة طقس تونس مع أغاني الشباب المعبرة عن آمالهم فيغنون "هيلا هيلا يا مطر إغسلي أوراق الشجر الحلم مثل الورد يكبر والهلال يصبح قمر".

يغني الشباب "قطرة قطرة على الدّروب غنّي لعطاشى القلوب لا تخافي السّحاب يا خضرة الصّفو من بعد الكدر"، يرد آخرُون بالغناء للمعتقلين والسجناء "غطي بلحافك رفيقي مهما يتعثّر طريقي المسيرة تستمرّ!". هذه هي شعارات الشباب المعبرة عن آمالهم وروحهم المشتعلة والمنكسرة أحياناً، لذا نعيد ونجدد القول إنّه لا يمكن أن يُهزم الشعب الذي ثار والشباب الذي ضحى. وإنه حتماً سيلقي إحباطاته جانباً ويتشبث بالأمل الذي ربما ضاق منا الآن صبراً.

*باحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعيّة، جامعة القاهرة

إقرأ أيضا: الأسباب التي يمكن أن تجعل المغاربة سعداء
المساهمون