سوق اللحوم والدواجن في مصر...تلاعب حكومي يعمق أزمات الفلاح

16 ديسمبر 2019
الفلاح المصري يدفع ثمن السياسات الحكومية (Getty)
+ الخط -
يُرجع مربّي الماشية المصري محمد درويش سبب انهيار سوق الماشية إلى سياسة الاستيراد الحكومية التي أدت إلى خسارة المربين، وخاصة الصغار منهم والذين يشكلون نسبة 80% من العاملين في مجال الثروة الحيوانية في البلاد، إذ يواجهون خسارة فادحة نتيجة عدم تناسب سعر البيع مع التكاليف التي يتحملونها.

وأدى استيراد الحكومة للحوم إلى زيادة المعروض منها في الأسواق، في ظل انخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين، ما أدى إلى تراجع أسعارها بنسب تتراوح ما بين 10% إلى 15% خلال الفترة الأخيرة، وفق ما أوضحه لـ "العربي الجديد" رئيس شعبة القصابين "الجزارين" بالغرفة التجارية في القاهرة محمد وهبة.

وارتفعت قيمة واردات مصر من اللحوم إلى ما يقارب نصف مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، بقيمة قدرها 448.5 مليون دولار، مقابل 367.9 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2018، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

إغراق السوق باللحوم المستوردة

بلغ الإنتاج المحلي من اللحوم في عام 2018 نحو 198 ألف طن، في مقابل نحو 441 ألف طن من اللحوم المستوردة بحسب بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، فيما استوردت مصر 70% من احتياجات المواطنين من اللحوم الحمراء خلال عام 2019، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.

وازدادت الكميات المعروضة من اللحوم السودانية والإثيوبية في المنافذ التموينية الحكومية، وفقاً لوهبة، وبلغ سعر الكيلو منها 85 جنيهاً (5.27 دولارات أميركية)، مشيراً إلى أن هناك عجولاً أسترالية وأوكرانية تستورد حية، ويتم علفها في مزارع مصرية لمدة شهرين، وبعد ذبحها تُدمج داخل المذابح وتباع على أنها بلدية، ولا يمكن أن يفرقها الزبون عن اللحوم المحلية، لكن سعر الكيلو منها يتراوح ما بين 100 جنيه و110 جنيهات (7 دولارات)، في حين يتراوح سعر كيلو الضأن ما بين 130 جنيها و140 جنيهاً (9 دولارات)، بينما بلغ سعر كيلو اللحم الكندوز (العجل الذي يزيد عمره على عام) ما بين 110 و120 جنيهاً (7 دولارات) في المحافظات، ويصل إلى 130 جنيهاً (8 دولارات) في القاهرة والإسكندرية.





ويوضح سعد محمود، أحد كبار مربي الماشية في محافظة الغربية لـ "العربي الجديد" أن أسعار اللحوم الحية تبلغ 45 جنيهاً للكيلو من البقري، والجاموسي ما بين 35 إلى 37 جنيهاً للكيلو، وهي أسعار ثابتة في الفترة الحالية، لكن سعرها الطبيعي يجب ألا يقل عن 100 جنيه، كما أن سعر جلد العجل كان 1000 جنيه (62 دولارا) وأصبح 100 جنيه فقط، وهو ما يضر بالعاملين في المهنة كما يقول، لكن الزيادة في أسعار الأعلاف تعد قاصمة للظهر، إذ بلغت الزيادة في سعر طن الذرة 300 جنيه (18 دولارا)، بحسب محمود، في الوقت الذي تراجعت المساحات المزروعة بالبرسيم، خلال الفترة الواقعة بين عامي 2005 وحتى 2016 إلى حوالي 1.55 مليون فدان، تنتج 44.5 مليون طن، مقابل 2.1 مليون فدان أنتجت نحو 54.9 مليون طن عام 2005، وفقا لما رصده تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018.

وساعد تحصين الماشية ضد الأمراض الوبائية في تقليص نسبة نفوقها، إذ كانت الأمراض تحرم مصر نسبة تتراوح بين 25% وتصل حتى 30% من إجمالي عدد الماشية، وبالرغم من إيجابية هذا الأمر لكنه ساهم بالتوازي مع العوامل السابقة في انخفاض أسعار اللحوم نظرا لكثرة المعروض، كما يوضح رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية في وزارة الزراعة عبد الحكيم محمود.


خسائر مربّي الماشية مستمرة


لجأ الفلاح أشرف عبد الرسول إلى شراء 3 بقرات صغيرات من أجل تسمينها وإعادة بيعها، تعويضاً عن خسارته بالزراعة، في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة ونقص مياه الري، لكنه فوجئ عندما أراد بيعها بعد عام من علفها والاعتناء بها، بأن مربحه لن يتعدى 2000 جنيه، أي ما يعادل (124 دولاراً).

ويقول أشرف إن "البهيمة كانت غنيمة الفلاح"، لكن تربيتها أصبحت خسارة، لأنها تستهلك العلف بكميات كبيرة، بالإضافة إلى الغذاء الطبيعي الذي تأكله من الأرض كالبرسيم والذرة، والمساحات المزروعة بهذه الأعلاف باتت تنحسر وتتراجع.

حال أشرف مثل ما يعانيه 55 مليون فلاح مصري وأسرهم، بحسب نقيب الفلاحين المصريين حسين عبد الرحمن أبو صدام، والذي لفت إلى أن هؤلاء متضررون بشدة من انخفاض سعر اللحوم الحية والمذبوحة، نتيجة إغراق السوق بالمستورد منها، حتى اضطر الفلاحون إلى بيع الإناث الحية بأسعار قليلة لذبحها وبيعها كلحوم حمراء، وهو ما يؤثر بالتأكيد على الثروة الحيوانية، وانتهى الأمر إلى انسحاب كثير من المربين من سوق تربية الماشية، وهجر الأراضي الزراعية لعدم جدواها الاقتصادية، وفقاً للمربي درويش.

ويمثل الإنتاج الحيواني في مصر 30% من جملة الإنتاج الزراعي، وتقدر قيمته بـ 42.1 مليار جنيه، وفق أستاذ الاقتصاد الزراعي في مركز البحوث الزراعية عبد الحميد عيد، والذي يعزو سبب انخفاضه إلى نقص الأعلاف على مدار السنة، وخاصة الخضراء منها بسبب شحّ مياه الري، إذ انخفض نصيب الفرد من المياه بسبب سدّ النهضة وتراجع إلى ما دون 600 متر مكعب سنوياً، وهو ما يقل بـ 400 لتر عن حد الفقر المائي والذي يبلغ ألف متر مكعب سنوياً.


الدواجن أيضاً


استوردت الشركات التابعة للجيش المصري 247 ألف طن دواجن من البرازيل وأوكرانيا في عام 2017، بحسب ما كشفه مصدر مطلع بالهيئة العامة للخدمات البيطرية المسؤولة عن الموافقة على طلبات الاستيراد لـ "العربي الجديد".

ويعد عام 2017 أكثر الأعوام التي شهدت نمو ظاهرة إغراق السوق المحلية بالدواجن المستوردة، إذ انخفض الاستيراد إلى 50 ألف طن عام 2018، وبلغ 34 ألف طن حتى أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019.

ويكشف المصدر ذاته أن الشركات التابعة للجيش قامت باستيراد 225 ألف طن من الدواجن البرازيلية عام 2017، بتكلفة 400 مليون دولار، ليصل سعر الكيلو الواحد إلى 27 جنيهاً (1.68 دولار) دون نقل أو تخزين، بينما جرى بيع الكيلو داخل السوق المصرية بـ12.5 جنيهاً (0.78 دولار)، لتخسر الدولة 3 مليارات و600 مليون جنيه، نتيجة بيعها بأسعار أقل من قيمتها الفعلية، نظراً لاستيراد كميات كبيرة وغير مطلوبة، دون الاعتماد على دراسة جدية للسوق.

وكانت صلاحية الشحنات المستوردة لا تتعدى ثلاثة شهور، ما اضطر الشركات لبيعها بأسعار متدنية للتخلص منها قبل انتهاء صلاحيتها، وهو ما أثر سلباً على الإنتاج المحلي، وألحق خسائر فادحة بمربي الدواجن، إذ اضطر الكثير منهم لإغلاق مزارعهم، بحسب إفادة هاني القليوبي مالك مزرعة دواجن بمحافظة القليوبية.

وتتدنى أسعار الدواجن المستوردة من الخارج نظراً لانخفاض أسعار الأعلاف وقلة تكاليف دورة الإنتاج في تلك الدول مقارنة بالسوق المصرية، كما يوضح القليوبي، مشيراً إلى أن الخاسر في هذه الحالة هو مربي الدواجن المصري، إذ يتحكم مجموعة من التجار والمستوردين بأسعار الدواجن، ويتلاعبون بها بما يخدم ربحهم، ويضاف إليهم ما تقوم به الحكومة عبر إغراق السوق بالدواجن المستوردة وهو ما أدى "لخراب بيتنا"، على حد قوله.

ويوافقه الرأي إبراهيم السيد مربي دواجن بمنطقة شبين القناطر، مؤكداً أنه محاصر بسياسات الإغراق الحكومية، فضلاً عن أمراض الشتاء التي تصيب الدواجن، لذلك يقوم خلال موسم الشتاء بوقف عمله تجنباً للمخاطرة برأس المال الذي يملكه، موضحاً أن كلفة العنبر الواحد الذي يضم 10 آلاف دجاجة بيضاء تتخطى نحو 700 ألف جنيه (43432.67 دولار) خلال 35 يوماً.


إعفاءات جمركية لشركات الجيش


تستورد الشركة القابضة للصناعات الغذائية وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة الدواجن المجمدة من البرازيل والأرجنتين بإعفاء جمركي، وبكميات تسهم في تغطية احتياجات الأغلبية من المستهلكين بأسعار منخفضة، بينما يتحمل القطاع الخاص تعرفة جمركية بنسبة 30% لدى الاستيراد، لتغطية احتياجات القطاعات التي لا تحتاج دعماً، مثل القطاع السياحي والمطاعم، ولا يزال وضع قطاع الدواجن المحلية يعاني لارتفاع كلفة الإنتاج، وفق ما قاله رئيس رابطة مستوردي المجمدات علاء رضوان.

ويجد رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة في وزارة الزراعة طارق سليمان أن نجاح التحصينات الدوائية للدواجن، والتراخيص المتزايدة لتشغيل مزارع الدواجن والتي وصلت حتى 40 ألف ترخيص، سبب إضافي لمضاعفة الإنتاجية في السوق المحلي ومن ثم تقليل الأسعار، وهو ما يتطلب ضبط السوق عبر آلية للوصول إلى سعر عادل يتوافق مع نفقات المنتجين والمربين، ويتناسب مع كلفة الإنتاج المتصاعدة، من أجل تشجيع وزيادة الطاقة الإنتاجية، فضلاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير المتبقي للخارج، بحسب ما يوضحه رئيس شعبة الدواجن عبد العزيز السيد، والذي يؤكد أن السعر العادل في الوقت الحالي يجب ألا يقل عن 22 جنيهاً (1.37 دولار) للكيلو في المزرعة، وبالتالي يصل السعر إلى المستهلك بسعر 27 جنيهاً، لكن حالياً يباع الكيلو للمستهلك النهائي بـ 23 جنيهاً (1.43 دولار) وهو ما يؤدي إلى خسائر للمنتجين والمربين، لذا لا بدّ من وجود رقابة حكومية من جانب وزارة التموين، واستخدام التسعيرة الاسترشادية من أجل الحفاظ على المستهلك والمربي معاً.