أنفاق الأنبار..استنساخ تجربة غزة على الحدود السورية العراقية

04 مايو 2015
التهريب في الأنبار لم يتوقف في زمن الاحتلال الأميركي
+ الخط -
يعني مفهوم "الجهاد" لدى العراقي أبو كامل المحلاوي، أن يجد وأولاده قوت يومهم، في ظل حصار محافظة الأنبار (غرب العراق)، حيث يعيشون منذ ستة عشر شهراً في حصار، امتد إلى جميع محاور الأنبار الداخلية مع المدن العراقية الأخرى، فضلاً عن حدودها مع السعودية والأردن، لكن حدود الأنبار مع سورية ظلت الشريان الوحيد، لإدخال الأدوية والمواد الغذائية القادمة من لبنان عبر سورية إلى الأنبار، التي يعتمد عليها المحلاوي وآلاف العائلات الأخرى.

عقب بدء التحالف الدولي عملياته الجوية على معاقل تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وفرضه رقابة مشددة على قوافل وسيارات المسلحين على طول الشريط الحدودي بين الأنبار ودير الزور، من جهتي مدينتي القائم العراقية والبوكمال السورية، حفر تنظيم داعش أنفاقاً متباينة الأطوال للتخلص من خطر الاستهداف الجوي، وضمان مرور السلاح والذخيرة والشخصيات المهمة من مقاتليه. وبالمثل حفر مهربو المواد الغذائية والطبية والأغنام، أنفاقهم الخاصة مستنسخين التجربة الفلسطينية بين غزة ومصر، كما يقول أبو كامل المحلاوي لـ"العربي الجديد".

الكل يلجأ إلى الأنفاق

الخبير الأمني، العقيد السابق في الجيش العراقي، عبد الجبار الكربولي، يقول لـ"العربي الجديد" إن "ظاهرة حفر الأنفاق، لاستخدامها في المعارك الحربية، ليست جديدة، إذ تستخدم منذ الحرب العالمية الثانية". ويضيف "تعتبر الأنفاق وسيلة ناجعة لتجنب الغارات الجوية، خصوصاً في المناطق الحدودية، وهي من أصعب الوسائل التي تواجهها الجيوش الحديثة، وبرع فيها الفلسطينيون بلا منازع، خصوصاً في قطاع غزة، غير أننا شهدنا خلال فترة العمليات العسكرية على محافظة الأنبار الحدودية، استخدام الأنفاق من المهربين والفصائل المسلحة لنقل البضائع وتهريب المواد الممنوعة والسلاح وإدخال المسلحين من وإلى العراق وسورية بعيداً عن الرصد البري والجوي، إذ تبدأ تلك الأنفاق من الأراضي الصحراوية في العراق وتنتهي داخل الأراضي السورية".

أكثر من 600 كلم هو طول الشريط الحدودي بين العراق وسورية، وبحسب الكربولي، شهد هذا الشريط العديد من العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية بهدف السيطرة على عمليات تهريب السلاح وعبور المقاتلين العرب والأجانب بين البلدين غير أنّ هذه العمليات لم تفلح في السيطرة على الحدود.

حرب الأنفاق

يعمل خالد الأنباري (اسم مستعار) في التهريب عبر الأنفاق، يصف الوضع على الحدود بأنه يمكن أن يطلق عليه حرب الأنفاق، التي ما زالت مستمرة بين الحكومة العراقية والمسلحين، منذ أكثر من عام، إذ شنت الحكومة عدة عمليات عسكرية استهدفت المناطق الحدودية ونشرت العديد من أبراج المراقبة على طول الشريط الحدودي في محاولة لعزل الأنبار ومحاصرتها، ما دفع أهل الأنبار إلى حفر الأنفاق مسافات طويلة تمتد كيلومترات عدة، وصولاً إلى داخل الأراضي السورية، لتمرير كل ما يحتاجونه".
يتابع خالد "لا يقتصر استخدام الأنفاق على الفصائل المسلحة، بل يمتد إلى بعض السياسيين، هؤلاء يدفعون مبالغ كبيرة لبعض المهربين لتهريب الآثار أو المواد الممنوعة كالمخدرات، التي كان جنى منها العديد من السياسيين مليارات الدولارات".

يشرح خالد كيف يتم حفر الأنفاق: "يبدأ العمل عبر آليات ومكائن متخصصة وبإشراف متخصصين، يفهمون طبيعة الأرض المناسبة للحفر، والتي يشترط أن تكون غير معرضة للهدم خلال الحفر، أو تم العبث بها مسبقاً، وتحفر الأنفاق في مناطق مغطاة طبيعياً أو صناعياً، عادة ما تكون فتحات أو مداخل النفق في منطقة كثيفة الأشجار أو منطقة وعرة يضيع فيها معالم النفق ولا يمكن للطائرات أن ترصده، كما يمكن أن يبنى على النفق منزل بدائي لتضليل الطائرات".

وتتفاوت أطوال الأنفاق وعرضها بحسب طبيعة الأرض والغرض المخصص للنفق، كما يشرح خالد، متابعاً: "الأنفاق في الغالب لا تتجاوز 3 كيلومترات طولاً، حتى الوصول إلى أول قرية سورية أو عراقية حدودية".

الحكومة العراقية في عهد نظام الرئيس الراحل، صدام حسين، لم تتمكن من السيطرة على الحدود (العراقية - السورية) بشكل كامل، بسبب طبيعتها الصحراوية الوعرة، وطولها الكبير، ما أدى على نشوب صدامات مسلحة تدخل فيها الطيران المروحي مرات عدة في تسعينيات القرن الماضي، ليستهدف مجموعة من أشهر وأخطر المهربين في تلك الفترة.

عابر سبيل

مهرب عراقي اختار لنفسه اسم "عابر سبيل"، متحدثاً مع كاتب التحقيق، "التهريب عبر الحدود العراقية السورية لم يتوقف حتى في فترة الاحتلال الأميركي، وقت أن كانت الطائرات عالية التقنية تجوب الحدود ذهاباً وإياباً، لكن العام الماضي وبعد الضغط الكبير من الحكومة العراقية على محافظة الأنبار، شعر الجميع من مهربين وفصائل مسلحة بخطورة الوضع، فبدأوا بحفر الأنفاق من الأراضي العراقية في الصحراء وصولاً إلى الأراضي السورية، وكانت الأنفاق تأخذ جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، لكنها آمنة وكافية لتجنب المراقبة الجوية وقصف الطائرات، فضلاً عن تجنب الرقابة لقوات حرس الحدود".

ويمضي "عابر سبيل" في القول إنَّ "مختلف الجهات تستخدم هذه الأنفاق بما فيها أحزاب وكتل سياسية وعدد من السياسيين وتمر عبرها مختلف أنواع البضائع من السجائر والأدوية والأغنام وصولاً إلى الأسلحة والأعتدة والمقاتلين خلال الفترة التي بدأت فيها العمليات العسكرية على محافظة الأنبار".
غير أنَّ الأمر تطور بشكل أكبر مع اشتداد المعارك في الأنبار وصلاح الدين وديالى وحزام بغداد -بحسب عابر سبيل- والذي سبق له أن ساعد جهات سياسية وحزبية في عملياتها، إذ برز استخدام الأنفاق بشكل لافت في هجمات منسقة ضد قوات الأمن، ولم يكن يخطر ببال الحكومة العراقية أنَّ حرب الأنفاق ستكون الطريقة الجديدة لمهاجمة معسكرات الجيش بعد مرور أكثر من عام على المعارك الضارية مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، حتى فاجأ تنظيم الدولة القوات العراقية بتفجير أحد أكبر معسكرات الجيش في الرمادي عبر نفق بطول 1500 متر، وصولاً إلى أسفل المعسكر في منطقة البوهايس في مدينة الرمادي، استغرق حفر النفق أكثر من شهر وتم تفخيخه في النهاية بأكثر من خمسة أطنان من المواد شديدة الانفجار، أسفرت عن نسف المقر بالكامل ومقتل أكثر من 50 عسكريّاً بينهم ضباط بحسب مصادر أمنية.

في هذا السياق يلفت المحلل الأمني، علي الدليمي، إلى أنَّ" تنظيم "الدولة" تمكن من استخدام الأنفاق لإدخال السلاح والمقاتلين عبر الحدود العراقية السورية من جانب، وإيجاد طريقة جديدة وخطيرة لمهاجمة القوات العراقية عبر الأنفاق، إذ يحفر عناصر التنظيم نفقاً تحت الأرض، وصولاً إلى أسفل أحد مقرات الجيش، ثم يفخخونه، وهي طريقة خطيرة لعدم إمكانية اكتشافها فضلاً عن عامل المفاجأة والصدمة وإمكانية الوصول إلى قلب التحصينات العسكرية العراقية".

ويعتقد الدليمي أنَّه "لا يمكن السيطرة على الشريط الحدودي العراقي السوري إلا بفرض السيطرة الأمنية الكاملة عليه، وهو ما يصعب على العراق في الفترة الحالية، ويدعو إلى أن تتخذ الدولة سياسة جديدة مع أهالي المحافظة في تلك المناطق، ووقف السياسات الطائفية، التي تجعلهم يشعرون بالتهميش والظلم وبالتالي يلجأون إلى أية وسيلة توفر لهم ما يدافعون به عن أنفسهم".

----------
اقرأ أيضا :

الأمن المائي العربي[1/ 6]..إيران وداعش يدمران مياه العراق

عزة الدوري.. 3 سيناريوهات لمصير آخر رجال صدام