لحوم سامة في الجزائر... خلطات مسرطنة لتغذية الأغنام

03 أكتوبر 2017
لحم فاسد عقب ذبحه (العربي الجديد)
+ الخط -
يشعر الخمسيني الجزائري توفيق كحّال بالحسرة الشديدة، بعد أن تخلص من لحم الكبش الذي اشتراه من إحدى نقاط البيع المعتمدة ببلدية الشّبلي، في ولاية البليدة جنوبي العاصمة الجزائر، بـ 50 ألف دينار جزائري (ما يعادل 375 دولاراً أميركياً)، بعد أقل من ساعة على ذبحه إذ ظهرت بقع زرقاء وخضراء على لحم الذبيحة، وما لبثت أن ازدادت قتامة مع مرور الوقت، لتنبعث منها رائحة كريهة رغم وضعها داخل الثلاجة، ما أرغم توفيق على رمي الكبش كاملا، وسط استياء كبير من جانب زوجته وأولاده الخمسة.

ظنّ توفيق وفقا لما قاله لـ"العربي الجديد"، أن حالة كبشه الفاسد شاذة، لكن مشاعره تبدلت إلى الرضا إذ إنه وعائلته لم يقعوا ضحية لـ"اللحم المغشوش"، الذي أصاب 200 جزائري وجزائرية بأعراض التسمم الغذائي، من بينهم حالة وفاة وحيدة وقعت في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي في أول أيام عيد الأضحى الماضي بحسب إحصاءات خاصة حصل عليها "العربي الجديد" من وزارة الفلاحة الجزائرية والتي كشفت عن رصد الوزارة 750 حالة تعفن للحوم الأغنام في 20 ولاية، خلال أيام العيد الماضي.

وتأتي ولايات الغرب والشرق الجزائري في مقدمة المناطق المتضررة من هذه الظاهرة، في كل من تبسة، ووهران، وسكيكدة والبليدة على الترتيب، وتؤكد إحصائيات الوزارة تصاعد الظاهرة، إذ رصدت خلال ذات الفترة من العام الماضي، 510 حالات تعفن للأضاحي تم التبليغ عنها من طرف العائلات في 15 ولاية، تسبّبت في 170 حالة تسمم غذائي.

لكن الأمين العام للنقابة الجزائرية للبياطرة، نجيب دحمان، يشكك في أرقام وزارة الفلاحة حول عدد حالات تعفن الأضاحي هذا الموسم، مشيرا في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن مكاتب نقابة البياطرة الموزعة عبر أنحاء البلاد رصدت ألف حالة تعفن للأغنام بعد ذبحها خلال أيام العيد فقط، في مختلف الولايات من بين 4 ملايين رأس غنم خصصت للذبح في 638 نقطة معتمدة ومراقبة عبر ولايات البلاد، بحسب بيان صادر عن وزارة الفلاحة الجزائرية في أغسطس/آب الماضي.


الغشّ التجاري

أصيبت 3578 حالة بتسممات غذائية من بينها حالتا وفاة، خلال السداسي الأول من العام الجاري، فيما تسببت اللّحوم الفاسدة في 73% منها (2611 حالة)، بحسب إحصائية موثقة من قبل المديرية العامة للضبط وتنظيم النشاطات في وزارة التجارة، وتكشف الإحصائية أن أكبر عدد من المستهلكين للحوم السامة كانت في ولايات البويرة بـ 933 حالة (26 %)، وتلتها ولاية الوادي بـ11% وتليها الجزائر العاصمة بـ9% ومن بين من تعرضوا للغش فيها، الأربعيني السعيد طاجين، والذي يعمل موظفا في بلدية العاصمة، ويقول طاجين لـ"العربي الجديد" وهو ينتظر دوره لشراء اللّحم من إحدى قصّابات باش جراح في العاصمة "إذا لم تضع الجهات الرقابية حدّا لهذا المشكل، لن أشتري أضحية العيد العام المقبل، لأن صحة عائلتي قبل كل شيء مع أني مداوم على الذبح منذ 20 سنة".


كيف يتم غش اللحوم؟

يعتمد سليمان العموري، مربّي الأغنام في منطقة مسعد بولاية الجلفة، (390 كيلومترا جنوب العاصمة) المشهورة بأجود سلالات الماشية في البلاد، (سلالة "تعظميت" وسلالة "أولاد جلال"، إلى جانب سلالة "الرانبي") في تغذية قطعانه على الرعي بشكل أساسي، فيما تتغذى خلال وجودها في الزريبة على التبن والعلف الذي يتكون من الشعير والذرة الصفراء، لكن مع ارتفاع سعر الأعلاف خاصة في المواسم، إذ تبلغ عتبة 3000 دينار (23 دولارا) للقنطار الواحد (وحدة قياس تساوي  143.8 كيلوغراما) ، وهو ما يجعل التجار الغشاشين يقومون بتغيير تركيبة العلف، عبر تخمير الشعير في الماء حتى الانتفاخ وإضافة مضادات حيوية إلى العلف من أجل تسريع نمو المواشي".

ويفسر الدكتور يوسف خرّاطي، الاستشاري البيطري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، سبب تغذية التجار الغشاشين للماشية للشعير المخمّر، بأنه ينتج عنه تخمر ثانٍ داخل المعدة والأمعاء وتكاثر للبكتيريا، التي تطلق غازات تساهم في تضخم بطن الكبش وانتفاخه الذي يجعله يظهر للمشتري وكأنه سمين، مشيرا إلى أن الإفراط من استهلاكه قد يتسبب في موت الحيوان، كما أن المضادات الحيوية والفيتامينات الموجودة في العلف تنشط الخلايا التي تحتاج لطاقة أكبر وبهذا تُفتح شهية الكبش لاستهلاك كميات كبيرة من الأعلاف خلال أسبوع واحد بدلا من شهر، وهذا ما يسرّع نموه خلال وقت قصير.

كما يعد التسمين عبر الملح من الحيل القديمة التي يستخدمها الباعة في الأسواق، وفقا لما يرويه مربي الأغنام العموري لـ"العربي الجديد"، موضحا أن هذه الخدعة التقليدية تقوم على إطعام الكبش كميات كبيرة من الملح مع أعلاف أخرى، لإثارة العطش لديه، وتحفيزه على استهلاك كميات غير طبيعية من الماء، ليظهر في النهاية بمظهر الكبش السمين عند عرضه للبيع".

يكشف جيلالي عزاوي رئيس الفدرالية الوطنية للموّالين (مربي ماشية)، أن مربين يستعملون مهلوسات وأقراص تسمين حيوانية، على غرار هرمون منع الحمل "Microval" والذي تبلغ ثمن العلبة منه 4 دولارات ومقويات جنسية (ما بين 14 دولارا و23 دولاراً للعلبة) ممنوعة في الأسواق الأوروبية، وتدخل إلى السوق المحلية عن طريق التهريب عبر الحدود التونسية والمغربية، ويضيف المتحدث ذاته في إفادته لـ"العربي الجديد" أن مربي المواشي لا يحترمون المدة المخصصة لبقاء الأدوية في جسد الكبش، إذ إن هذه الاغنام عليها أن تبقى حية لـ40 يوما قبل بيعها بسبب كل هذه الأدوية التي دخلت إلى جسدها ما يجعل لحومها خطرة ومسرطنة وفقا لما يؤكده البياطرة، لكن موالين (مربي ماشية) يبيعونها عقب يومين فقط بعد حقنها وفقا لما رصدته الفيدرالية.



طرق كشف التحايل

يشرح الدكتور رابح مزياني، مدير مخبر أمراض الحيوانات وتسيير تكاثرها بالمدرسة الجزائرية العليا للبيطرة في العاصمة، طرق كشف الغش بالنسبة للخرفان المغشوشة، قائلا "أول علامة هي لون جلد الذيل، فإذا ظهر أبيض فاتح اللون فهذا مؤشر على ذلك، وإذا كان أحمر اللون فهي لم تتناول الأغذية المذكورة بل الشعير".

كما أن "انبعاث روائح كريهة غير طبيعية من الدابة عند الاقتراب منها داخل الإسطبل، تكون ناجمة عن خلط المربي أدوية ومضادات حيوية مع علف مخصص أصلا للدواجن ويتم تقديمه إلى الماشية من أجل زيادة وزنها بسرعة كبيرة، كما يقول الدكتور مزياني، موضحا أنه عقب الذبح يظهر مؤشر آخر عبر لون اللحم الذي يميل إلى البياض بدل الاحمرار، وكذا طبيعة الشحم الذي يكون على شكل كريات وليس متماسكا في كتلة واحدة.


ضحية الدواء الخطير

استيقظ سكان بلدية رأس الماء بولاية سيدي بلعباس، أقصى غربي الجزائر، على وقع فاجعة وفاة مدوية ثاني أيام عيد الاضحى المنصرم، راح ضحيتها الطفل عبد القادر ذو الأعوام التسعة، بعد تعرضه لتسمم غذائي رفقة خمسة من أفراد عائلته، إثر تناولهم أحشاء الأضحية.

وحسب بيان نشرته المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، تملك "العربي الجديد" نسخة منه، فإن أفراد العائلة "البلعباسية" ظهرت عليهم أعراض التقيؤ والإسهال في اليوم الثاني من العيد، مما استدعى نقلهم على جناح السرعة إلى المستشفى البلدي لـ"رأس الماء" ، حيث لفظ الابن أنفاسه الأخيرة هناك، فيما تم تحويل البقية الى المؤسسة الاستشفائية للصحة الجوارية "تلاغ" بعاصمة الولاية، للخضوع الى العناية الطبية.

ويكشف الدكتور جيلالي بوزلة، الطبيب الشرعي لمستشفى "تلاغ"، لـ"العربي الجديد"، أن نتائج التحقيقات الطبية الأولية التي باشرتها المصالح المعنية، أظهرت أن الأحشاء التي تناولها الطفل عبد القادر وأسرته تعود لذبيحة فاسدة، تمت تغذيتها بأعلاف للدواجن مشبعة بدواء خطير للتسمين الحيواني من نوع "كورتيكوستيرويد" (Corticosteroid)، وهو الأمر الذي أكده مقربون من العائلة، فبعد توزيع قطع لحم منها على الجيران، سرعان ما تحول لونها إلى الأخضر والأزرق عقب وضعها في الثلاجة.



لحوم مسرطِنة وقاتلة

ترى وزارة الفلاحة أن الفساد السريع للحوم الأغنام في مختلف الولايات خلال العيد أو على مدار الموسم، ناجم عن غياب النظافة والشروط السيئة للحفظ، لكن نتائج التحاليل المخبرية  البيولوجية، لمكونات عينة من لحم أضحية فاسد محلّ شكوى، حصلت عليها "العربي الجديد" عبر الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، تثبت وجود بكتيريا سامة من نوع (Pseudomonas aeruginosa)  "الزائفة الزنجارية" بنسبة عالية بلغت 2700 مستعمرة/غ داخل أنسجة اللحم، (الكمية العادية 300 مستعمرة/غ)، ناتجة عن تغذية المواشي بأعلاف ملوثة ومركزة موجهة أساسا لتغذية الدواجن، مع خلطها بفضلاتها، وفقا للتحقيقات الميدانية الخاصة بالفيدرالية. كما تحوي العينة فطريات "الميكوتوكسينات" السامة Mycotoxins بكمية كبيرة يصعب إحصاؤها ناجمة عن عدم احترام الشروط الصحية لتربية الحيوانات، وهو ما يراه البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، خطرا كبيرا محذرا من استهلاك اللحوم في حال ظهور أول أعراض تعفنها، إذ تحوي سموما وبكتيريا بنسب زائدة، تهدد صحة مستهلكيها.

يقول خياطي لـ"العربي الجديد": وجود "الزائفة الزنجارية" في اللحوم، يسبب تسمما غذائيا قد يكون قاتلا، خصوصا لدى الأطفال والحوامل وكبار السن وذلك لنقص مناعتهم، كما أن لفطريات الميكوتوكسينات التي تتكاثر مع ارتفاع درجة الحرارة وغياب النظافة، القدرة على إحداث تأثيرات سامة، تؤدي إلى الإصابة بالسرطان والموت المفاجئ"، لافتا إلى أن "بعض أنواع التسمم لا تظهر أعراضها إلا بعد مرور مدة زمنية معينة".

ويضيف خياطي في حديثه: "الأغذية المركزة والمكملات الغذائية الموجودة في أحشاء الكبش، تسبب للحوامل تشوهات خلقية في الأجنة، كما أن كثرة حقن الأغنام ببعض الهرمونات الأنثوية، التي تبقى في أنسجة اللحوم ولا تتحلل، تسبب العقم واضطرابا في إفرازات الغدة الدرقية للأجساد الذكورية".


عقوبات قانونية

يُعاقب قانون العقوبات الجزائري المعدل في يوليو/ تموز 2015، في المادة 431 بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة 10 آلاف إلى 20 ألف دينار جزائري (من 75 إلى 150 دولارا أميركيا) كل من يغش أو يعرض أو يضع للبيع أو يبيع مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتوجات فلاحية، أو طبيعية يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة.

وتنصّ المادة 432 المعدلة من قانون العقوبات أنه إذا ألحقت المادة الغذائية أو الطبية المغشوشة أو الفاسدة بالشخص الذي تناولها، أو قدمت له، مرضا أو عجزا عن العمل، يعاقب مرتكب الغش وكذا الذي عرض أو وضع للبيع أو باع تلك المادة وهو يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو سامة، بالحبس من 5 سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة من 500 ألف إلى مليون دينار (3760 إلى 7518 دولارا) ويعاقب الجناة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من مليون إلى مليوني دينار، إذا تسببت تلك المادة في مرض غير قابل للشفاء، أو في فقد استعمال عضو أو في عاهة مستديمة، ويعاقب الجناة بالسجن المؤبد، إذا تسببت تلك المادة في موت إنسان.

وبإمكان المتضررين من تعفن لحوم أضاحيهم بعد ظهور نتائج التحاليل، مقاضاة وزارة الفلاحة أمام المحكمة الإدارية بمجلس القضاء المختص إقليميا، باعتبارها الشخص المعنوي المسؤول الأول عن القطاع والمشرفة على بيع اللحوم والأضاحي للمواطنين والترويج لها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا في ظل بقاء المتهم الأول وهو المربي أو البائع مجهولا لدى المتضرر، كما تشرح وتؤكد المحامية والنائب البرلماني عن حزب للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فطّة سدّات، لـ"العربي الجديد".

ما الحلّ ؟

يطالب رئيس منظمة حماية المستهلك، مصطفى زبدي، وزارة الفلاحة بضرورة "ترقيم جميع رؤوس الماشية في البلاد، من خلال سنّ وثيقة بيع تحمل هوية الموّال والتاجر والمشتري، ومعلومات عن الكبش يتم تقديمها للزبون في حال الغدر والغش".

ويضيف زبدي في إفادته لـ"العربي الجديد": "هذه العملية تمكننا من الحصول على جميع المعطيات المتعلقة بسلالة الاضحية والمنطقة الرعوية وصاحبها الأصلي والمتابعات الطبية التي خضعت لها، وهذا سيحمي المواطن ويجنبه الوقوع ضحية اللحوم السامة".