المنصور بن أبي عامر..الرجل الذي أنقذ الدولة ثم أسقطها!

15 يونيو 2015
تيم الحسن في مناظرة ضمن أحداث مسلسل المنصور
+ الخط -

في عام 2003 قدمت الدراما السورية مسلسل "ربيع قرطبة"، والذي يعتبر الجزء الثاني من ثلاثية أندلسية بدأت بمسلسل "صقر قريش" وانتهت بمسلسل "ملوك الطوائف"، المسلسل الذي كتبه كلٌّ من د.وليد سيف وحاتم علي وأخرجه هذا الأخير، وقام ببطولته كلٌّ من تيم حسن (في دور المنصور)، نسرين طافش (في دور صُبح البشكنسية)، جمال سليمان (في دور الخليفة الحكم المستنصر بالله الأموي)، وآخرون، يروي قصة حياة واحد من أهم الحكام في التاريخ العربي الإسلامي: هو محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور.

عام 938 وُلِدَ محمد بن أبي عامر في "الجزيرة الخضراء"-جنوب الأندلس- لأب ينحدر من نسل بعض أوائل من دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد، وأم تميمية، وعندما اشتد عوده سافر إلى قرطبة لطلب العلم، ولم يُبدِ نباغة وذكاء وهمة فحسب، بل كان المُمَيز له هو طموحه الواضح.

من هنا كانت البداية

يحلو لبعض الرواة أن يذكروا قصة عن محمد بن أبي عامر، أنه في شبابه كان يجلس مع بعض زملاء دراسته، فقال لهم إنه سيحكم يومًا الأندلس، وقبل أن يسترسلوا في الضحك مما رأوه وهمًا في رأسه أسكتتهم جديته وهو يطلب من كل منهم أن يتمنى عليه شيئًا ليعطيه إياه يوم يبلغ تلك المكانة.. طلب بعضهم أن يصبح والي قرطبة، والآخر أن يتولى ولاية كبيرة، بينما سخر منه أحدهم وطلب منه إن صار حقًا حاكمًا للأندلس أن يجلده مئة جلدة ثم يطوف به عاريًا على حمار ورأسه لذنبه وهو مغطى بالعسل حتى تجتمع على جسده الذباب والنحل.. ويُكمل رواة تلك القصة حديثهم بأن ابن أبي عامر قد أوفى لكل منهم بما طلب بمن فيهم هذا الأخير.

ورغم أن المسلسل قد تبنى تلك القصة، إلا أن كتب التاريخ لا تذكرها سوى تحت بند "قيل" أو "رويَ أن"، ولكنها لا تعتبرها أكثر من أقصوصة من الطرائف دون أن تعطيها سندًا تاريخيًا قويًا، ولكن صناع المسلسل معذورون في تضمين العمل تلك القصة لما تتصف به من إثارة درامية.

***

تبدأ أحداث المسلسل بانتقال محمد بن أبي عامر إلى قرطبة وانخراطه في طلب العلم ومجالسه المسائية على سطح داره، في ذلك الحي الشعبي القرطبي، وهو يُنَظِّر في ما يتعلق بالدولة ويدلي بآرائه السياسية والإدارية في كل شيء بجدية من يبتغي تغييرًا للأوضاع وليس من يثرثر فحسب.

وعن هذه الأوضاع، نقل المسلسل الحالة العامة في الأندلس آنذاك بدقة شديدة، ففي ذلك الوقت كانت قرطبة تشهد الأيام الأخيرة من حكم الخليفة الأموي العظيم، عبدالرحمن الناصر، ثم بداية عهد ابنه، الحكم المستنصر، الذي كان زاهدًا في شؤون السياسة والحكم مقابل شغفه بالعلم والقراءة، فكان قد فوّض إدارة البلاد إلى الوزير الأول، جعفر المصحفي، ذي الأصول البربرية، وجعفر هذا لم يكن له فضل يؤهله لمنصبه سوى حلاوة لسانه وقدرته على التودد للخليفة، خاصة وأنه - جعفر- كان معلمًا له، وفور تولي المصحفي الوزارة سارع إلى وضع أبنائه وأهله وعشيرته في المناصب الحيوية في الدولة حتى صار- إن جاز القول - يسيطر على مفاصلها!.

كذلك وُجِدَ في الأندلس مركز ثقيل للقوى هو "الصقالبة".. وهو لفظ يعني "العبيد الأجانب" (لاحظ التشابه مع كلمة esclave الفرنسية وتعني العبد) وهم طبقة تشبه "المماليك" في الشرق العربي، هؤلاء الصقالبة جيء بهم كعبيد للحراسة والخدمة ثم تحولوا إلى كتلة مؤثرة في الدولة بحكم سيطرتهم على مداخل ومخارج القصر وعلاقاتهم المتشابكة مع مختلف الدوائر الإدارية وصناع القرار في العاصمة، وكان على رأسهم آنذاك رجلان هما "فائق" و"جؤذُر".

وأخيرًا، كان قائد الجيش، غالب الناصري، رجلًا يُحسَب له ألف حساب حتى وإن كان منهمكًا في الحروب الخارجية شمالًا في أوروبا، وقمع تمردات القبائل جنوبًا في المغرب.

ويورد المسلسل قصة، لا نرى لها أثرًا في كتب التاريخ، أن محمد بن أبي عامر قد تعرض في شبابه للحبس ليوم أو اثنين نتيجة مشاحنة في الشارع مع بعض الصقالبة، ثم تدخل معلمه الذي كان من كبار القضاة للإفراج عنه، فصارت في نفسه غصة من الصقالبة ساهمت بعد ذلك في بطشه بهم عندما بلغ شأنًا في قصر الحكم، ولكن واقع الأمر أن شخصية ابن أبي عامر هي لرجل طموح لا يتردد في الإطاحة بمن يقف بينه وبين طموحه، أو من يخشى جانبه أو يتوجس منه قوة قد تنتقص من قوته هو، بالتالي فلم يكن الرجل في حاجة إلى أحقاد شخصية ليطيح بالصقالبة يومًا ما.

إذن.. أسرة حاكمة عريقة -الأمويون- تعتد بنسبها القرشي، ووزير اتخذ أهله أصابع دسها في كل شق في الدول، ومجموعة من العبيد تسيطر على الشِق الأمني وقائد عسكري رصين صعب أن تقرأه.

في ظل هذه التحديات كان على ابن أبي عامر أن يشق طريقه إلى ما وُصِف في المسلسل بـ"عش النسر" كناية عن أعلى القمة!.

***

يبدأ الفتى حياته العملية كاتبًا للرسائل والعرائض المرفوعة من العامة لقصر الخلافة، يعجب أسلوبه البليغ بعض العاملين في القصر فيساعدونه على التقدم لوظيفة الكاتب الخاص للسيدة "صُبح"، أم ولي العهد، وهي جارية بشكنسية، أي أن أصولها من إقليم الباسك، واسمها الأصلي "أورورا/الشروق"، تلتقي به صُبح وتنجذب لشخصيته الآسرة ووسامته الواضحة وبلاغته القوية فيفوز بالوظيفة.

ومن هنا يبدأ رحلة الصعود السريعة، فمن كاتب لأم الأمير، إلى مدير لأملاك هذا الأمير، ثم مشرف على تربيته، فقائم على دار سك النقود، ثم يتولى بعض المهام القضائية في بعض الولايات، ثم الشرطة الوسطى لقرطبة، ويجري إرساله لبعض المهام الحربية حيث يلمع نجمه ويبدأ الناس في ذكر اسمه بشغف، واستمر في الصعود حتى صار من قادة الجيش ثم تولى الوزارة ثم أطاح بالمصحفي، وأصبح هو الرجل الأول في الأندلس، وهكذا بسرعة رهيبة، فما السر؟.

بعض الناس اختصروا الأمر في تفسير مبتذل هو إعجاب السيدة صبح بالفتى ابن أبي عامر إعجاب امرأة برجل وسيم، وزاد بعضهم فقالوا إنها كانت تعشقه سرًا، ومع الإقرار بأن كل الاحتمالات مفتوحة إلا أنني أجدني أتفق مع أستاذنا الدكتور، حسين مؤنس، حين علّق على ذلك في كتابه "صور من البطولات العربية والأجنبية" قائلًا إن ما بينهما قد لا يعدو إعجابًا من امرأة بمواهب وإمكانيات وعبقرية رجل كإعجاب الملكة فيكتوريا بوزيرها دزرائيلي، ثم إن إعجاب امرأة - مهما بلغت قوتها - برجل لا يكفي ليصل إلى كل هذا.

وإن كان المسلسل قد قدم قصة للحب بين كلٍّ من صُبح وابن أبي عامر، إلا أنه حرص على تقديمها بشكل راقٍ ليست فيه شبهة خيانة من سيدة متزوجة لزوجها.. أو كما قال الكاتب على لسان صبح (نسرين طافش) في مشهد احتضارها "لا ريبة ولا دنس".



في واقع الأمر كان محمد بن أبي عامر داهية في ما يمكن أن نسميه "العلاقات العامة"، فقد أدرك أنه منذ خطواته الأولى للقصر قد دخل إلى عالم معقد، الخطأ فيه قد يساوي فقدانه كل طموحاته بل وربما فقدانه حياته نفسها! فبدأ في العمل على عدة محاور، فمن ناحية تقرّب إلى السيدة صبح وداوم على إتحافها بالهدايا وإظهار حرصه على مصلحة ابنها ولي العهد، هشام، خاصة بعد وفاة الخليفة وتولي هشام المنصب تحت الوصاية، ومن ناحية ثانية تودد للفتيان الصقالبة وأظهر لهم الصداقة والتقارب الإنساني، ومن ناحية ثالثة تحمّل تكبُّر وسخافات الوزير، جعفر المصحفي، وحرص على التقرب منه وإظهار الاحترام لخبرته وحنكته، ومن ناحية رابعة استطاع أن يكسب حب واحترام القائد، غالب الناصري، بما أبداه من استبسال وحكمة وإظهار مهاراته الحربية إلى جانب تلك السياسية، ومن ناحية أخيرة، كان حريصًا في حالات خروجه مع الجند واختلاطه بصغار الموظفين وعامة الناس أن يبدو لهم كواحد منهم.

هكذا نسج العنكبوت شبكته.. ثم بدأ العمل.

***

كانت بداية اللحظات الحاسمة في رحلة صعود ابن أبي عامر يوم موت الخليفة، فالصقالبة كانوا قد تآمروا لتنصيب أخيه المغيرة بدلًا من ابنه هشام، لأن هشام سيكون ألعوبة في يد المصحفي وابن أبي عامر، بينما المغيرة سيكون ألعوبة في أيديهم - الصقالبة - ولكن المصحفي وكبار رجال الدولة ومعهم محمد بن أبي عامر تدخلوا وأفسدوا تلك الخطة، وسرعان ما نعوا للناس المغيرة الذي - حسب كلامهم - شنق نفسه في ظروف غامضة بعد زيارة من ابن أبي عامر بصحبة بعض الرجال، فاضطر الصقالبة لمبايعة هشام على مضض.

وجّه ابن أبي عامر بعدها ضربته التالية، فأولًا وضع رجالًا من البربر-وكان بالفعل قد كوّن جيشًا خاصًا منهم ولاؤه الرسمي للخليفة والفعلي له- يراقبون مداخل ومخارج القصر فانتزع تلك الميزة من الصقالبة، ثم أطاح برئيسي تلك الطائفة فدفع جؤذر للاستقالة ثم نفى فائق إلى بعض الجزر، ووضع الصقلبي الفتى "سكر" الموالي له على رأس من بقي من الصقالبة فسكّن ثورتهم ووضعهم تحت جناحه.

وثانيًا، فقد أظهر الخوف على الخليفة الصغير هشام من المؤامرات والاغتيال ففرض عليه الحصار ومنعه من الخروج للناس، وجعل مقابلة الخليفة تمر عبره وفي حضوره.

ومن ناحية أخرى، فقد تحالف مع غالب الناصري وتزوج ابنة هذا الأخير، وأطاحا معًا بجعفر المصحفي وبكل أسرته وحزبه، ووجهوا لهم تهم الفساد المالي والإداري وصادروا ممتلكاتهم، وانتهى الأمر بموت المصحفي في السجن، بينما تقاسم ابن أبي عامر والناصري ما كان يشغل من مناصب.

ولأن الفتى الطموح لا يقبل له شريكًا، فقد كان من الطبيعي أن يسعى للإطاحة بغالب الناصري، والذي كان قد أبدى استياءه من الحجر على الخليفة هشام، فاستدعى ابن أبي عامر أحد قادة القبائل البربرية، ويُدعى الأمير جعفر بن علي بن حمدون، مع قومه وبالغ في إكرامه ليقوي به وبمقاتليه جانبه في مواجهة غالب حين يأتي وقت المعركة.

وبالفعل اصطدم غالب بمحمد بن أبي عامر وبلغ الأمر حد الصدام بينهما فحاول الأول قتل الثاني، ثم سافر واستعان ببعض الأمراء من الفرنجة، مما ساهم في إضعاف موقفه ونفور الجند عنه بعد أن كان بالنسبة لهم مثلاً للرجل العسكري العظيم.. واصطدم غالب ومن والوه بجيش ابن أبي عامر لتنتهي المعركة بهزيمة غالب والعثور على جثمانه ميتًا بغير إصابات بشكل مريب.

وبالطبع، فبعد أن انتهت الحاجة إلى جعفر بن علي بن حمدون، فقد كان من الضروري أن يؤمن ابن أبي عامر نفسه من أية تطلعات طموحة من جانب هذا القائد البربري، وسرعان ما اغتيل هذا الرجل في حادث أليم لم يُعرَف - وقتها - من ارتكبه ومن دبره.

بقيت الخطوة الأخيرة.. فقد بدأ محمد بن أبي عامر في بناء مدينة ملكية جديدة في قرطبة، وأعلن على الناس أن الخليفة المؤيد بالله هشام قد قرر تفويض وزيره وحاجبه وصاحب شرطته وقائد جيشه محمد بن أبي عامر أمور الحكم، ليتمكن هو من التفرغ للعبادة، وسرعان ما انتقل ابن أبي عامر ورجال الدولة للمدينة الملكية الجديدة، ثم تلقب الرجل بـ"الملك المنصور"واتخذ هيئة وشعارات ومراسم الملوك.

***

هذا عن قصة صعود المنصور بن أبي عامر، فماذا عن حكمه؟

لأن التاريخ يلزمنا أن نذكر ما للمرء وما عليه، فإن الرجل قد جاء منقذًا للدولة.

انظروا معي: دولة خليفتها زاهد في الحكم، وابنه طفل مدلل، ووزيره منعدم الكفاءة كوزير بينما هو بارع في الاستيلاء لأهله على المناصب، وعبيده الصقالبة مستأسدون، والقبائل البربرية في الإقليم الجنوبي-المغرب-بين تمردات أو حركات انفصالية، والشعب يئن من الضرائب، والممالك الأوروبية تشن هجماتها على أطراف البلاد.

جاء ابن أبي عامر ليقلم أظافر الصقالبة، ويقضي على المصحفي وحزبه، ويؤلف بعض القوى البربرية إلى جانبه ليوظفها في القضاء على التمردات في المغرب، ثم أصلح الجيش وزاد من قواته ووجه الضربة تلو الأخرى للممالك الإفرنجية، حتى بلغت حملاته العسكرية نحو 56 حملة لم تُهزَم منها واحدة، حتى أنه كان يجمع التراب العالق به في تلك الغزوات ويضمه إلى صرة كبيرة أوصى أن تكون في كفنه عندما يموت، وكان يدعو الله أن يموت خلال الجهاد، وهو ما كان بالفعل حيث مات خلال إحدى المعارك عن عمر يناهز الخامسة والستين، وكان موته من فرط الإرهاق والسهر، وخفف عن الشعب الضرائب التعسفية، وفرض احترام القانون على الجميع ومساواة الكل أمامه حتى أنه أعدم أحد أبنائه هو شخصيًا، لخيانة هذا الابن وانحيازه لأعداء البلاد، وجلد ابن عم له لمخالفته قوانين الآداب العامة، وكان يحرص على احترام القضاة وأحكامهم.

وبشكل عام فقد كان المنصور شديد الحزم والقسوة في ما يتعلق بالتعامل مع رجال الدولة والطبقة الحاكمة، في مقابل كونه شديد اللين والترفق والرحمة، في ما يتعلق بمعاملة عامة الشعب والبسطاء والفقراء.

صحيح أنه خلال رحلة صعوده كان يتبع بعض الأساليب الوصولية بل وربما الدموية، إلا أن الواقع التاريخي أعقد من أن نصنف الحكام أنهم ملائكة أو شياطين، فكلٌّ له ما له وعليه ما عليه.

ولكن.. رغم أن المنصور كان قد أنقذ الدولة، إلا أنه أيضًا تسبب في سقوطها.. كيف؟ لأن المنصور رغم كل تلك الإنجازات العظيمة كانت فيه آفة هي "الاستبداد".

هذا الرجل كان مؤمنًا بنفسه أكثر مما ينبغي، صحيح أنه كان بالفعل فذ المواهب متعددها شديد النشاط والهمة، ولكن كلنا بشر وكلنا لدينا قابلية للخطأ، والكبار بالذات أخطاؤهم كبيرة مثلهم وآثارها كارثية، وهكذا كان خطأ الاستبداد في سياسة المنصور.

نظرًا لإيمانه بنفسه، وتأثرًا بحياته التي قامت على التآمرات والتخطيطات السرية، فقد كان شديد الخوف من صعود أي شخص أو قوة تستطيع أن تهدد يومًا انفراده بالسلطة، فكان سريع التحرك للقضاء على تلك القوى سواء بشكل مباشر أو بطريقة "فرق تسد"، فاستتب له الحكم، وكان يرى في ذلك مصلحة للدولة بمنع التكتلات وما يترتب عليها من شقاقات داخلية وتمزقات، ولكن بأي ثمن؟

كان الثمن باهظًا، فبعد وفاة المنصور، تولى ابنه عبدالملك الحكم بنفس التفويض من الخليفة المحجور عليه، وقد كانت لعبدالملك قوة وذكاء ومهارات أبيه، ولكنه افتقد صرامته، وينقل لنا الكاتب عبدالحميد جودة السحار هذا الأمر في روايته "أميرة قرطبة" في مشهد احتضار المنصور وإلقاء ابنه نفسه على صدره يبكي، فنظر المنصور لابنه وتمتم "هذا أول الوهن".

ولم يستمر حكم عبدالملك بن المنصور طويلًا، فقد توفي بعد بضع سنوات ليحل أخوه الأصغر عبدالرحمن محله، ولكن هذا الأخير كان لاهيًا شديد الحماقة، فسرعان ما أثار سخط الجميع وسرعان ما اندلعت الثورة ضده من مختلف فئات الدولة.

وبعد إسقاط حكم عبدالرحمن بن المنصور وبالتالي إسقاط دولة المنصور المعروفة باسم "الدولة العامرية"، تمزقت الأندلس بين تحزبات وتحالفات وسعى كل والٍ للاستقلال بولايته، ونزلت الدولة إلى المنحدر حتى ذلك الدرك الأسفل الذي نصفه تاريخيًا بمرحلة "ملوك الطوائف" والتي مهدت لسقوط الأندلس في النهاية.

لماذا بلغ الأمر هذا المستوى من السوء بعد أن كان المنصور قد أنقذ الأندلس؟ عودة لمسلسل "ربيع قرطبة"، فقد قدم لنا صناعه التفسير الواضح: الاستبداد، فالمستبد يفرغ - بحسن نية أو بغيرها - الدولة من الكفاءات والقوى، فتكون النتيجة ارتباط الدولة بشخصه بطريقة "أنا الدولة والدولة أنا"، فإذا سقط موتًا أو بخلعه.. سقطت معه!

كذلك فإن هذا الحاكم الذي صعد السلم من الصفر، نسي أصله، ونسي انتقاداته بُعد الشقة بين أهل الحكم والعامة. وهو الأمر الذي قدمه المسلسل في مشهد عبقري بين المنصور (تيم حسن) وأحد رفاق الماضي والذي صار من وزرائه(جلال شمّوط).

مشهد "المناظرة"



***

المنصور، محمد بن أبي عامر، يمكنك أن تحبه أو تكرهه، أن تتفق أو تختلف معه، ولكنه بحق ظاهرة تاريخية تستحق الدراسة، وتستحق بالفعل أن يُفرَدَ لها عمل دراميّ مبذول فيه جهد رائع كمسلسل ربيع قرطبة.

المراجع:

- صور من البطولات العربية والأجنبية: د.حسين مؤنس

- ملامح تاريخ المغرب والأندلس:د. حسين مؤنس

- تاريخ المسلمين في الأندلس: د.محمد سهيل طقوش

- الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية: الأمير شكيب أرسلان

- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: ابن عذاري

--------
اقرأ أيضاً :
الناصر صلاح الدين.. بين دراما يوسف شاهين والواقع التاريخي