اغتيال علماء الذرة.. حرب إسرائيل المستمرة ضد إيران

19 مايو 2015
نصب تذكاري للعالم الإيراني النووي مجيد شهرياري(Getty)
+ الخط -
لم تنس شهره بوراني حتى الآن يوم 23 يوليو/تموز عام 2011، عصر ذاك اليوم، كانت مع ابنتها في سيارة واحدة إلى جانب زوجها العالم النووي داريوش رضايي نجاد، ما زالت تتذكر جيدا صوت إطلاق الرصاص من خارج نافذة سيارتهم، ما أودى بحياة الزوج الذي كان في عقده الرابع من عمره. لا هي ولا شهود العيان في الشارع استطاعوا التعرف إلى الجناة، فقد كانوا يرتدون خوذات على رؤوسهم أثناء قيادتهم لدراجة نارية ابتعدت سريعا عن مكان الاغتيال، لكنها تتهم صراحة جهاز الموساد الإسرائيلي.

تقول السيدة بوراني لـ "العربي الجديد": "خلال ذات العام الذي أصبح داريوش جزءا من أبحاث إيران النووية، تلقى العديد من الاتصالات والتهديدات، لم نعرف مصدرها"، فيما تلقى كذلك عروض عمل مغرية خارج البلاد، فضلا عن عروض منح ومناصب في مراكز بحوث غربية، رفضها كلها.

المكالمات المتكررة جعلت كلا الزوجين يدركان أن لحظة الاغتيال باتت قريبة للغاية، ورغم خسارتها زوجها والاضطراب والخوف الذي يرافقها هي وابنتها حتى اليوم، لكنها تقول إن "دمه لم يذهب هباء، فاعتراف القوى الغربية بإيران النووية على طاولات التفاوض أمر كاف حسب رأيها، ومع هذا تبدو السيدة بوراني غير مقتنعة بأن الاتفاق النووي النهائي المرتقب مع الغرب، والذي من المفترض الإعلان عنه مطلع يوليو/تموز القادم سيؤدي لإنهاء التهديدات لعلماء نوويين آخرين في إيران، قائلة "الغرب يحمي المصالح الإسرائيلية بشكل دائم، أطالب المعنيين من المفاوضين النوويين بكتابة بند في بنود الاتفاق يلزم الغرب بضمان سرية المعلومات عن العلماء الإيرانيين النوويين، على ألا يتمادى الطرف المقابل لإيران بالتفتيش والرقابة؛ وهو ما سيعرض حياة علماء آخرين مثل زوجها للخطر"، حسب رأيها.

اغتيالات مكررة

داريوش رضايي نجاد حائز على شهادة الدكتوراه في هندسة الكهرباء من جامعة خواجة نصير الدين طوسي، هو واحد من أربعة علماء نوويين إيرانيين تم اغتيالهم خلال السنوات الخمس الفائتة، اتهمت طهران رسميا إسرائيل بارتكاب هذه العمليات في محاولة لتوجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني.
أستاذ الفيزياء وخريج جامعة شريف الإيرانية مسعود علي محمدي اغتيل عام 2010 أيضا، إثر انفجار وقع بالقرب من منزله في العاصمة طهران، ما أسفر عن إصابة شخصين آخرين، هذا هو الاغتيال الوحيد من بين هذه الاغتيالات الذي أعلنت فيه أجهزة الأمن الإيرانية عن اعتقال مشتبه فيه واضح، إذ ألقي القبض على مجيد جمالي الذي اعترف بشريط مصور بثه التلفزيون المحلي الإيراني بتلقي تدريبات على يد الموساد الإسرائيلي، وحصل بالمقابل على 120 ألف دولار، فحكم عليه بالإعدام، حسب ما نقلت كل المواقع الرسمية الإيرانية.

أما مجيد شهرياري، أحد المسؤولين عن المشاريع الكبرى في برنامج طهران النووي، قتل هو الآخر في يوم وقع فيه تفجيران، أحدهما كان يستهدف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق فريدون عباسي الذي نجا بحياته، والآخر أودى بحياة شهرياري شمالي العاصمة، آنذاك اتهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إسرائيل والغرب بالتورط في الاغتيال.

ويعد مصطفى أحمدي روشن آخر العلماء المستهدفين وأصغرهم، فقد اغتيل قبل ثلاثة أعوام عن عمر يناهز اثنين وثلاثين عاما وحسب، وهو أحد المسؤولين عن موقع نتانز لتخصيب اليورانيوم والواقع بالقرب من أصفهان وسط البلاد، إذ ألصق مجهولون عبوة ناسفة على سيارته أودت بحياته وبحياة السائق الذي كان إلى جانبه رضا قشقايي؛ والذي توفي متأثرا بجراحه.

أصابع الاتهام

اسم روشن كان في لوائح عقوبات مجلس الأمن الدولي، كما أنه التقى شخصيا بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حسب ما نقل موقع هيئة الطاقة الذرية الإيرانية في وقت سابق، وهو ما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا نحو هذه الوكالة، وهو ما أكد عليه الخبير الأمني والعسكري السابق حسين كنعاني مقدم، قائلا لـ "العربي الجديد": "الاغتيالات تعبر عن السياسة الإسرائيلية الواضحة والمعروفة إزاء طهران، الموساد الإسرائيلي حصل على معلوماته من أجهزة استخبارات غربية استطاعت الاطلاع على المعلومات الخاصة ببرنامج إيران النووي، والتي كان من المفترض أن تكون معلومات سرية".

يحذر مقدم من الثقة بالطرف الغربي حتى وإن جلس إلى طاولة الحوار مع إيران وأبدى المرونة والجدية، مشيرا إلى أن توقيع اتفاق نووي مع دول 5+1 في المستقبل القريب لن يلغي التهديدات، بل سيزيد الضغط على إسرائيل متوقعا ازدياد المخططات التي تستهدف علماء إيران النوويين، وربما ازدياد الاغتيالات.
يرى الخبير كنعاني مقدم أنه لا حلول قطعية لهذا الملف، فالتهديد مستمر حسب رأيه، ولكن "على الوفد المفاوض الحصول على ضمانات غربية في الاتفاق النووي تضمن عدم التعرض لعلماء إيران، وتضمن كذلك حفظ سرية المعلومات حول النشاطات النووية"، يقول مقدم "أي اغتيال بعد الاتفاق سيجعل الولايات المتحدة بالذات شريكا أساسيا في الجريمة الإسرائيلية".

ويدعو مقدم إلى تعزيز عمل أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية وتكثيفه في الفترة القادمة، قائلا "من المتوقع أن تفتح أبواب إيران أمام الآخرين وسيدخلها المزيد من الأجانب، ويجب تشكيل ملف لتقديمه للمحكمة الدولية لمحاكمة إسرائيل على أفعالها هذه مستقبلا".

لطالما أشارت أصابع الاتهام الإيرانية إلى إسرائيل واتهمتها بقتل علمائها، وهو ما أطلق حربا خفية بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي، تدرك طهران أنها حرب مستمرة، كما جاء في التلفزيون الإيراني الوثائقي "الصياد في الفخ"، الذي بثه التلفزيون الإيراني للتوعية بالمخاطر التي تهدد العلماء النوويين، في الفيلم يتم نقل اعترافات لجاسوس أميركي يدعى ماتي فالوك، ألقي القبض عليه في إيران واعترف في الفيلم بجمعه لمعلومات عن النخب العلمية الإيرانية، وقدمها لجهاز السي آي إيه، وكانت ما دق أجراس الخطر في طهران، خاصة بعد ما جاء في مجلة فورين بوليسي التي ذكرت أن الموساد وظف أفرادا من تنظيم جند الله الذي يهدد إيران من حدودها الجنوبية الشرقية المحاذية لباكستان، إذ يستطيع هؤلاء التحرك بحرية على هذا الشريط الحدودي الذي يتميز بتضاريس جغرافية صعبة، وحتى دخول المدن الإيرانية، ما يهدد العلماء الإيرانيين.

سبل الحماية

عززت إيران رقابتها على علمائها النوويين، إذ لم يعد يسمح لهؤلاء بالتعريف عن أنفسهم مطلقا، وحتى وإن ظهروا في لقاءات مصورة فهم يظهرون بكمامات على وجوههم، ويلاحظ في الصور التلفزيونية التي تبث من المنشآت النووية الإيرانية عدم إظهار وجوه أي من المتواجدين في هذه المواقع، وهو أمر لم يكن يلاحظ قبل أكثر من خمس سنوات تقريبا.

يؤكد حسن محمدي رئيس تحرير موقع "اميد هسته اي" المقرب من الوفد النووي المفاوض، أن العدد الدقيق للموظفين والخبراء والعلماء الإيرانيين في المواقع النووية، غير معروف، قائلا "لا يوجد أبحاث رسمية أو دقيقة تنشر العدد الدقيق لهؤلاء، إذ إن طهران حذرة للغاية في الكشف عن معلومات من هذا النوع".
في ذات الوقت تزيد طهران من عدد متخصصيها النوويين بمرور الوقت، إذ طورت خلال السنوات الأخيرة الكليات المتخصصة بالهندسة والفيزياء النووية، والتي تدرّس في جامعات شريف وأمير كبير، وشهيد بهشتي الموجودة كلها في العاصمة طهران، فضلا عن تدريسها في جامعات شيراز وأصفهان، حيث تتفرع فيها التخصصات لهندسة المفاعلات النووية، هندسة الإشعاع الطبي، تخصص الإشعاع والنظائر المشعة، فضلا عن تخصص دورة الوقود النووي، ولا تستقبل إيران في هذه الفروع طلبة أجانب، كما وقعت هذه الكليات اتفاقيات تعاون مع جامعات يابانية وإيطالية لإرسال البعثات إلى هناك ولتبادل الخبرات؛ وهو ما نقله الموقع الرسمي لجامعة أمير كبير للعلوم التقنية.

جامعة شريف وحدها التي تحتل المرتبة الأولى من بين الجامعات الإيرانية، تحاول اختيار النخبة دائما من بين الشباب الإيرانيين، إذ تختار 800 طالب سنويا من بين خمسين ألفا يتقدمون إليها، يجب أن يتمتع هؤلاء بمعدلات مرتفعة والتميز بخبرات مختلفة وعليهم تجاوز امتحانات عدة، كما تهتم اهتماما خاصا بهم، ولا سيما أولئك الموجودين في كليات الفيزياء النووية وفق المشاهدات العينية.

ويذكر موقع جامعة شيراز أن عدد طلاب الدراسات العليا في الهندسة النووية لا يتجاوز السبعين شخصا، بينما تدرس أمير كبير حوالي 400 طالب في فروع الفيزياء والهندسة النووية في مختلف المستويات.

في الوقت الذي تخوض إيران حربها النووية لانتزاع الاعتراف الغربي بقدراتها النووية، يبدو أنها لا تثق بإيقاف التهديدات علمائها حتى مع توقيع اتفاق، وفي هذا الصدد يقول الخبير بالشؤون النووية الإيرانية حسن بهشتي بور "إن ثمن الاغتيالات النووية كان كبيرا، وهناك أعداد كبرى ستنضم لهذا المجال في المستقبل القريب، ويجب الحصول على ضمانات غربية بالدرجة الأولى خلال جولات الحوار النووي لضمان عدم الكشف عن معلومات البرنامج النووي السرية، وزيادة الحماية والرقابة على العلماء كونهم يخدمون البلاد".

--------
اقرأ أيضا :
الأفغان في سورية.. جنود "آيات الله" في خدمة الأسد
عصابات إيران.."المطابخ" تغرق طهران بالمخدرات
هيئة الأمر بالمعروف الإيرانية تثير مخاوف الإصلاحيين
المرشحون الخمسة لخلافة خامنئي.. هل يحسمها شاهرودي؟